البحث العلمي بواسطة الذكاء الاصطناعي: نعمة أم نقمة؟

 لو قررنا رسم المسار الذي يسلكه الذكاء الاصطناعي في التطبيقات المرتبطة بقطاعات حيوية، كالرعاية الصحية والنقل، لرأينا أن الخط البياني يتخذ مستوى مستقيماً، ذلك أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي شهدت ارتفاعاً في الرسم البياني في السنوات الأولى، ووصلت إلى ذروتها، قبل أن تدخل حالياً في مسارها "الهادئ" نسبياً، بما أننا في مرحلة الاهتمام بجودة البيانات وقوننة أخلاقيات التقنية كشرطين رئيسيين ضرورين للحكومات، كما عامة مستخدمي الذكاء الاصطناعي في المجالات كافة.

لا يعني المسار "الهادئ" عدم وجود قفزات نوعية في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بل هو إشارة إلى أنّ المرحلة الحالية تفرض على جميع الأطراف المعنيين، من مبرمجين ومطورين ومستفيدين و"متضررين"، الحراك تحت سقف التصورات التي وضعناها لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في المدى المنظور.

ساهمت جائحة كورونا في تقديم نموذج فعّال حول أهمية الدور الذي يمكن أن يؤديه الذكاء الاصطناعي في مجال البحث العلمي. كان الذكاء الاصطناعي، إلى جانب إنترنت الأشياء والروبوتات، شديد التأثير في تتبع المرضى ومراقبتهم من بُعد، كما في تطوير اللقاحات، بصرف النظر عن تفاوت مستوى هذا التأثير بين دولة وأخرى.

واليوم، تعد دراسة تفاعلات البروتينات Protein – Protein Interactions بواسطة الذكاء الاصطناعي مسألة بالغة الأهمية في اكتشاف الأدوية وفهم الأمراض، بعدما تطورت الدراسات والأبحاث العلمية في هذا المضمار من المقاييس الكيميائية الحيوية البدائية إلى نماذج حسابية رقمية تعتمد على خوارزميات "التعلم العميق" لوصف وترشيد التفاعلات بين البروتونات، بما يعني ذلك من قدرة على التنبؤ بهذه التفاعلات تمهيداً لمحاولة التأثير فيها في المستقبل القريب.

وإذا ما ربطنا مسألة تفاعلات البروتينات بخارطة الجينوم البشري، فإننا سنجد أنفسنا -من دون مبالغة- أمام أخطر مجال علمي لفهم جسم الإنسان وأمراضه وسبل شفائه، غير أنّ استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي دونه عقبات لم يستطع البشر تجاوزها، بل يمكن الافتراض أن تجاوزها لن يكون ممكناً ما دام الخطأ متأصلاً في الطبيعة البشرية التي تدير العلمية برّمتها.

اليوم، باتت لدينا تجربة عملية قادرة على تسريع الاكتشافات العلمية في مجال مكافحة الأوبئة، كما في اكتساب معارف طبية جديدة بالاستناد إلى التقنية، لكن مفتاح نجاحنا في مجال الذكاء الاصطناعي يكمن في إيجاد أرضية مشتركة يعمل من خلالها هذا الذكاء كأداة مساندة بهدف إثراء البحث العلمي.

ولعلّ أبرز العقبات التي تواجه البشرية تكمن في المخاوف الأخلاقية الناجمة عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي و"جودة البيانات" التي تؤثر بشكل جذري في النتائج.

في شهر نيسان/أبريل 2019، نشرت جامعة "كامبريدج" دراسة لمجموعة من العلماء حول استخدام نظام ذكاء اصطناعي متعدد العوامل لرسم خرائط بنيوية للبلوريات Crystals. جمع النظام المستخدم بين مصادر متعددة للبيانات وخوارزميات التعلم الآلي بهدف تجاوز القدرة البشرية في التدقيق في المعطيات. ومع ذلك، خرج الباحثون إلى أنه ينبغي النظر إلى الذكاء الاصطناعي بصفته "أداة تكميلية"، وليس بديلاً من العنصر البشري.

وتعكف الدراسات الحديثة على فهم حدود الخوارزميات وتحديد مصادر تحيّزها وإيجاد طرائق لتحقيق جمع "عادل" للبيانات. وعندما نتعمق في تعقيدات دور الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي، فإن المرء لا يسعه إلا أن يفكر في تأثيره المحتمل في واحدة من أكثر القضايا إلحاحا في عصرنا: تغير المناخ. 

هل يمكن أن نثق بخوارزميات الذكاء الاصطناعي، المصممة أصلاً لتحسين الأداء، لاتخاذ قرارات أخلاقية عندما يتعلق الأمر بالتوازن الدقيق لمناخ كوكبنا؟

يفتح هذا السؤال الباب أمام عدد لا يحصى من الاستفسارات الأخلاقية والعلمية التي تتجاوز نطاق هذه المقالة. إنه يتحدانا للنظر، ليس في قدرات الذكاء الاصطناعي في أتمتة الاكتشافات العلمية فحسب، ولكن أيضاً في حدودها في اتخاذ قرارات سليمة أخلاقياً في قضايا معقدة ومتعددة الأوجه مثل تغير المناخ. 

علي شهاب - صحافي علمي، محلل OSINT ، وباحث في علم النفس التنظيمي والصناعي.