كيف تساعد تكنولوجيا الفضاء في الحفاظ على الغابات؟

رأى المشرف الرئيسي على 5 مناطق حرجية محمية في بوروندي، الدولة الصغيرة الواقعة في وسط أفريقيا، ليونيداس نزيجييمبا،أنّ تحسين وضع الغابات، يحتاج إلى استخدام تكنولوجيا جديدة، معقباً بأنّ "لا يمكن تنظيم وإدارة ما يجهله الفرد".

وعلى مدى العقدين الماضيين، عمل نزيجييمبا وفريقه مع المجتمعات المحلية لحماية الغابات وإدارتها. ويتعين عليه أخذ مجموعة من العوامل بعين الاعتبار لدى أدائه لعمله، منها مراقبة تأثير النشاط البشري والاقتصادات، وتتبّع التنوع البيولوجي وتأثير تغير المناخ، إضافة إلى أعداد الموظفين والميزانيات.

ولمساعدته على تتبع كل هذا وتسجيله، يُستخدم الآن أحدث إصدار من برنامج مجاني يسمى "تقنية فعالية الإدارة المتكاملة". وقد طُورت تلك التقنية خصيصاً لمثل هذا العمل البيئي بواسطة مشروع يسمى "بايوباما" Biopama (برنامج إدارة التنوع البيولوجي والمناطق المحمية).

ويحظى البرنامج بدعم كل من الاتحاد الأوروبي والدول الـ 79 الأعضاء في منظمة أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ. وأكد نزيجييمبا أنّ "استخدام هذا النوع من التقنيات يكون بغية تدريب مديري الموقع على استخدامها لجمع بيانات جيدة، وتحليل هذه البيانات، من أجل اتخاذ قرارات جيدة".

ولا يعد تتّبع غابات العالم وحمايتها أمراً مهماً للمجتمعات المحلية والاقتصادات الأكثر تضرراً وحدها، إذ يسهم انحسار الغابات وزوالها في تغير المناخ، لذا فإنّ الحفاظ على الغابات يمكن أن يساعد في التصدي للأضرار المناخية.

ووفقاً للأمم المتحدة، يفقد العالم نحو 10 ملايين هكتار (25 مليون فدان) من غاباته كل عام. ويعد زوال الغابات هذا مسؤولاً عن 20% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، وفقاً لصندوق الحياة البرية العالمي، الذي يضيف أنه بــ "الحد من فقدان الغابات، يمكننا تقليل انبعاثات الكربون ومكافحة تغير المناخ".

وفي إطار المحاولة لاستعادة الغابات والموائل الطبيعية الأخرى في جميع أنحاء العالم، أطلقت الأمم المتحدة العام الماضي، عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظام البيئي الذي يضمن تعهد البلدان والشركات والمنظمات الأخرى باتخاذ إجراءات لمنع ووقف وعكس تدهور النظم البيئية في جميع أنحاء العالم.

وقالت مسؤولة الغابات في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) يلينا فينيغول: "مجرّد القول بأننا سنستعيد الغابات ليس كافياً..فهناك حاجة للتخطيط المسؤول لكيفية عمل آلية استعادة النظام البيئي، تليها الإجراءات العملية المتخذة على أرض الواقع والتي تُمّكن بالاستثمارات في استعادة النظم البيئية، وأنظمة المراقبة المطبقة لتتبع استعادة تلك النظم".

وأدى هذا التركيز المتزايد على الغابات إلى ظهور أدوات رقمية جديدة لجمع البيانات وفرزها واستخدامها على نحو أفضل. أحد هذه المواقع هو موقع منظمة الأغذية والزراعة الخاص بإطار رصد النظام الإيكولوجي "فيرم" (Ferm). أُطلق الموقع العام الماضي، ويستخدم صور الأقمار الصناعية لتسليط الضوء على التغيرات في الغابات حول العالم.

مصدر البيانات الرئيسي لـ Ferm هو وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، ونظام التحقيق في ديناميكيات النظام البيئي العالمي يُعرّف اختصاراً باسم جاداي Gedi، ويُنطق هذا الاختصار مثل كلمة جاداي التي تعود لأحد الشخصيات من سلسلة أفلام حرب النجوم "Star Wars". ونوعاً من التيمن بهذه السلسلة السينمائية، فإنّ شعارها هو "عسى أن تكون الغابة معك" على غرار الجملة الشهيرة التي تستخدم في كافة أجزاء تلك السلسلة "عسى أن تكون القدرة معك".

وفي الواقع فإنّ التكنولوجيا نفسها تبدو خيالاً علمياً تحول إلى واقع. وقالت لورا دنكانسون، التي تساعد في قيادة مشروع جاداي من قسم العلوم الجغرافية بجامعة ماريلاند: "نطلق أشعة الليزر على الأشجار من محطة الفضاء الدولية".

وأضافت الدكتورة دنكانسون، وهي خبيرة رائدة في الاستشعار عن بعد: "نستخدم الطاقة المنعكسة لرسم خرائط ثلاثية الأبعاد للغابات، بما في ذلك ارتفاعها وكثافة المنطقة الظليلة ومحتوى الكربون"، معقبةً: "هذه تقنية جديدة مثيرة لأننا على مدى عقود كنا قادرين على مراقبة انحسار الغابات من الفضاء، ولكن الآن مع جاداي يمكننا تحديد انبعاثات الكربون المرتبطة بفقدان الغابات بشكل أكثر دقة".

وتوفر شركة "بيزنيس بلانيت لابس" Business Planet Labs النرويجية الخرائط والبيانات أيضًا لـ Ferm، التي تشغل أكثر من 200 قمر صناعي مزودين بكاميرات. تلتقط هذه الأقمار ما يقارب 350 مليون صورة لسطح الأرض يومياً، تغطي كل منها مساحة كيلومتر مربع واحد.

ويمكن أيضاً استخدام "Planet Labs" مباشرة من قبل الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم. وإضافة إلى مراقبة الغابات، يمكن استخدام كاميراتها لفحص كل شيء من الجفاف إلى الزراعة والطاقة ومشاريع البنية التحتية، فضلاً عن مراقبة البنى التحتية الرئيسية، مثل الموانئ.

وأكد ريمي دانونزيو، مسؤول الغابات في منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، أنّ "جميع الصور المتاحة من الفضاء "قد غيرت بشكل كبير الطريقة التي نراقب بها الغابات، لأنها زودتنا بمشاهدات قابلة للتكرار ومراقبة متكررة إلى حد كبير للأماكن"، مضيفاً أنّ "مع كل هذه الأقمار الصناعية المتاحة للجمهور مجتمعة، بات يمكن الحصول على لقطة كاملة للأرض كل 4 إلى 5 أيام".

ومن الأمثلة على كيفية استخدام كل هذه المراقبة شبه الآنية عبر Ferm، المخطّطات التجريبية في فيتنام ولاوس التي تحاول معالجة مشكلة قطع الأشجار غير القانوني. تُرسل تنبيهات، إلى حراس الأحراش والمتطوعين من عمال الخدمة الاجتماعية، على هواتفهم المحمولة عند اكتشاف زوال غابات جديدة.

وبيّن مسؤول الغابات في منظمة الأغذية والزراعة، أكيكو إينوغوتشي: "ما نحاول فعله حالياً ليس فقط فهم حجم الغابات المفقودة، ولكن أيضاً أين تُفقد على وجه التحديد في هذه المنطقة أو تلك، حتى نتمكن من مراقبة الخسارة، وحتى نتمكن من منع الأوضاع من التدهور، بشكل شبه فوري".