فيلم «حرب أهلية»… جوانب متعددة لعمل سينمائي

 بدأت دور السينما بعرض فيلم «حرب أهلية» Civil War قبل أسابيع قليلة وسرعان ما حقق نجاحا تجاريا ملحوظا، وجعل ممثلته الرئيسية كريستين دنست ممثلة شهيرة من الصف الأول، حيث لم تصل سابقا إلى هذه المرتبة، على الرغم من أنها بدأت التمثيل مذ كانت طفلة. وتميز الفيلم بموضوعه الغريب، وتدور أحداثه أثناء حرب أهلية في الولايات المتحدة الأمريكية، ويكشف الفيلم جوانب متعددة من صناعة السينما والإعلام العالمي والجمهور نفسه.

أحداث الفيلم

تدور أحداث الفيلم في الوقت الحالي، حيث تتمزق الولايات المتحدة الأمريكية بسبب حرب أهلية بين الحكومة المركزية، وتحالفات من ولايات أخرى، لاسيما ولايتي تكساس وكاليفورنيا اللتين أسستا ما يسمى «التحالف الغربي». ويبدأ المشهد الأول باستعداد رئيس الجمهورية لإعلان عن انتصارات قواته الساحقة على هذه التحالفات.

تقطن المصورة الصحافية الشهيرة «لي سمث» (الممثلة الأمريكية كريستين دنست) وزميلها الصحافي «جول» في أحد الفنادق الشهيرة في نيويورك، حيث أصبح هذا الفندق مركزا للصحافيين المهتمين بتغطية أخبار الحرب الأهلية. ويخطط الاثنان الذهاب إلى منطقة شارلوتسفل، حيث تتجمع قوى التحالف الغربي، ثم التوجه إلى واشنطن لمقابلة رئيس الجمهورية.

ومن الواضح أنهما ضد رئيس الجمهورية، وهو في فترته الرئاسية الثالثة، ما يخالف القانون الأمريكي وكان قد ألغى مكتب التحقيقات الاتحادية (FBI)

كما أعدم صحافيين بشكل علني. ويطلب منهم الصحافي العجوز «سامي» عدم الذهاب لخطورة الموقف، وبعد إصرارهما، طلب اصطحابه لهما، على الرغم من حالته الصحية السيئة، ويوافقان على مضض، بعد ذلك تطلب منهما مصورة صحافية شابة أن ترافقهم كي تحصل على الخبرة اللازمة.

يغادر الأربعة مدينة نيويورك ويتوقفون في محطة للوقود، لشراء وقود للسيارة بالدولار الكندي، بسبب انهيار الدولار الأمريكي.. ويكتشفون أن أصحاب المحطة احتجزا رجلين بتهمة السرقة، وقاما بتعذيبهما، وتخشى المصورة الشابة على حياتها إلا أن «لي» تهدأ من روعها، وتلتقط صورة للرجلين مع أحد الذين يعذبونهما. وبعد ذلك يشاهدان اشتباكا بين 

جنود حكوميين وجنود التحالف، ينتهي بالقبض على الجنود الحكوميين وإعدامهم، وتقوم المصورة الشابة بتصوير هذا الإعدام.

تستمر رحلة الصحافيين، حيث يمرون بمخيمات، وتنتابهم الدهشة عندما يصلون بلدة يقضي سكانها حياتهم اليومية بشكل عادي، تحت حماية مسلحين محليين. يقابل الصحافيون اثنان من زملائهم ويتبادلون بينهم المزاح، إلا أنهم يتعرضون للاعتراض من قبل فرقة إعدامات تابعة لرئيس الجمهورية، بقيادة جندي أشقر يرتدي نظارات حمراء غريبة (مثل الدور زوج الممثلة كريستين دنست بناء على طلب منها). وتقوم هذه الفرقة بقتل الزميلين لأنهما من الصين لكن الآخرين ينجحون في الفرار بمساعدة الصحافي العجوز الذي يصاب إصابة قاتلة أثناء عملية إنقاذ زملائه.

تصل «لي» وزميليها مقر قوات التحالف الغربي، حيث يتم إبلاغهم بأن أغلب القادة العسكريين لرئيس الجمهورية قد استسلموا، وأن قوات التحالف في طريقها إلى واشنطن لاحتلالها. وسرعان ما تصل هذه القوات العاصمة الأمريكية، حيث تقع معركة بين الجانبين، تنتهي بمحاصرة البيت الأبيض، وتفشل محاولات موظفيه في الهروب، إذ يُقتَلون جميعا. ويدخل الصحافيون البيت الأبيض ليجدوا بعض القتلى، ثم يقتحم جنود التحالف المبنى، وتحدث معركة بين حرس الرئيس والجنود.

ومن الواضح أن هدف هؤلاء الجنود قتل الجميع، أي أنهم لن يأخذون أسرى. وأثناء القتال تعرض المصورة الشابة نفسها للخطر لالتقاط صورة مثيرة، فتدفعها «لي» لتجنب النيران، إلا أن «لي» تصاب إصابة قاتلة من قبل حرس الرئيس. وفي نهاية المطاف يدخل الجنود مكتب الرئيس ويطرحونه أرضا، فيطلب منه الصحافي أن يصرح آخر تصريح له، يقول الرئيس «أرجوك لا تدعهم يقتلوني» ويكتفي الصحافي بهذا ثم يقتل الجنود الرئيس وتلتقط المصورة الشابة صورة لهم مع الرئيس الميت وهم يبتسمون. وينتهي هنا الفيلم.
  
تحليل الفيلم

الفيلم من تأليف وإخراج البريطاني أليكس غارلاند، الذي حاول إعطاء الانطباع بأن الفيلم يعبر عن الوضع السياسي الحالي في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام، دون الدخول في التفاصيل، لكن هذا غير صحيح على الإطلاق، على الرغم من وجود بعض التلميح بأن الرئيس في الفيلم يرمز إلى الرئيس السابق دونالد ترامب، وقد سألت الممثلة كريستين دنست، إذا كان كذلك إلا انها رفضت التوضيح. ومع ذلك، فالرسالة السياسية للفيلم مشتتة جدا وتكاد تكون مفقودة.

ويدل كل هذا على أن الفيلم لا يملك أي هدف سياسي. وأن علاقته بالوضع السياسي الحالي ليس سوى دعاية زائفة اختلقها القائمون عليه مستغلين ما كتبه بعض الصحافيين حول الخوف على مستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية. ولذلك، فإن الفيلم في الحقيقة ينتمي إلى أفلام الرعب العادية مثل، الأفلام التي تتناول كوارث خيالية عن نيزك يسقط على الأرض، أو مرض غريب ينتشر في جميع أنحاء البلاد، أو قوة من الفضاء الخارجي تغزو الأرض، حيث يتحول الجميع إلى وحوش كاسرة وعديمة الرحمة. وبهذه الطريقة يجذب الفيلم المشاهد بمشاهد للقسوة المفرطة في جو غريب لا علاقة له بالواقع. ولا يستطيع المشاهد أن يعرف من هو الجانب الأسوأ في 

هذه الحرب الأهلية السينمائية، إذ أن جنود التحالف يضربون قوانين وأخلاق الحرب بعرض الحائط، ويقتلون الجميع بطريقة سادية مخيفة، وليس جنود الرئيس أفضل منهم. حتى الصحافيين لم يكونوا أفضل من هؤلاء الجنود، فلا نرى أي مشاعر لديهم تجاه القتلى، أو ضحايا التعذيب، وكل ما كان يهمهم التقاط أكثر الصور قسوة ودموية، ولذلك، عندما تُقتل الصحافية «لي» لا نرى أي انفعال من قبل زملائها وكأن ذلك كان شيئا ينتظرونه.

ويشمل انعدام التعاطف هذا عوائل الشخصيات في الفيلم، فأهل كلا المصورتين، «لي» والمصورة الشابة، لا يظهران أي قلق حولهما. لكن المشهد الأكثر افتعالا كان مقتل الصحافية «لي» إذ كانت محاولتها لإنقاذ زميلتها غير طبيعية وكأنها أضيفت بالقوة لتجميل الفيلم. والغريب في الفيلم كذلك عدم قيام الصحافيين كتابة أي ملاحظات حول ما يشاهدونه طوال الفيلم.

كان استعمال موضوع الحرب الأهلية من قبل القائمين على الفيلم، خدعة ذكية لجذب الجمهور، فالحرب الأهلية الأمريكية (1861 – 1865) ما تزال في ذاكرة وخيال الجميع. ويقدر عدد الكتب التي نشرت حتى الآن عن هذه الحرب حوالي ستين ألف كتاب. أما عدد الأفلام السينمائية، فحوالي أربعمئة فيلم.

بالإضافة إلى ذلك يظهر بين الحين والآخر مقال أو كتاب عن احتمال وقوع حرب أهلية جديدة، وأن المجتمع الأمريكي ينقسم، لكن الواقع يبين أن حربا أهلية جديدة في الولايات المتحدة لن تحدث سوى في الأفلام السينمائية والكتب الخيالية. ومن الغريب أن المؤلف/المخرج لم يحاول على الإطلاق توضيح الظروف والأسباب التي أدت إلى نشوب الحرب الأهلية في هذا الفيلم.

استعمل المخرج خدعة أخرى في الفيلم لجذب المشاهد، ألا وهي مشاهد القتال في العاصمة الأمريكية والدمار وحصار البيت الأبيض، حيث أطال وبالغ فيها. لكن كان ذلك أيضا دليلا على ضعف الإخراج، لأنه فشل في إظهار حجم الدمار الذي من الممكن أن تسببه حرب أهلية حقيقية في أي بلد، أكبر بكثير من الذي ظهر في الفيلم، كما يصاحبها انهيار كامل في الأمن،

ما يعني أن الصحافيين في هذا الموقف على الأغلب لن يصلوا إلى هدفهم، لاسيما الصحافيتين. أما مشاهد القتال بشكل عام وحول البيت الأبيض بشكل خاص، فكانت أقرب إلى الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينيات، أو حتى أفلام رعاة البقر منها إلى دولة تعد أقوى دولة في العالم من النواحي العسكرية والعلمية والصناعية.

ومع كل ذلك يمثل الفيلم إنذارا لما قد يحدث في حالة حدوث حرب أهلية في الواقع في الولايات المتحدة الأمريكية، أو أي بلد آخر، حيث يتحول المقربون إلى أعداء خطيرين وتنهار العلاقات الاجتماعية لتحل محلها مشاعر حقد مرعبة. ويكتشف المرء فجأة ان كل ما يربطه بأبناء بلده قد تلاشى.

لم يفسر لنا الفيلم لماذا كان الصحافيون هم أبطاله، فحسب الفيلم لا توجد إنترنت في أغلب مناطق البلاد، أما الصحف، فقد توقفت تقريبا، فلماذا كان هؤلاء الصحافيون يقومون بهذه المهمة الصحافية الخطيرة. ونسي المخرج أن الصحافيين يدونون ملاحظاتهم طوال الوقت، بينما لا نجد هؤلاء الصحافيين في الفيلم يقومون بذلك.

ولا يعرض صحافيو ومصورو الحروب حياتهم للخطر، لكن هذا التناقض لم يكن مهما بالنسبة للمؤلف، لأنه أراد في الحقيقة افتعال أشخاص خياليين كحجة للقيام برحلة في البلاد ووصف ما يحدث فيها. ولذلك، فإن الفيلم عن تلك الأفلام التي تميزت بها السينما الأمريكية حول شخص يتجول بين المدن الأمريكية ويرى المشاهد من خلاله ما يجري في البلاد.

حاول الفيلم تصوير الممثلة كريستين دنست، بمظهر المرأة التي أتعبتها حياتها المرهقة وجعلتها بالغة القسوة. وكانت الممثلة الشخصية الرئيسية في الفيلم، فزميلها كان في الحقيقة موجودا لخدمتها وقيادة السيارة، أما الصحافية الشابة فقد كان وجودها لإضافة فتاة جميلة وشابة للفيلم. ويعد هذا تحولا بالنسبة لنوع الأدوار التي تختارها والتي تميزت بأدائها أدوار المرأة الجميلة الطيبة القلب. وقد أصبحت نجمة كبيرة بسبب هذا الفيلم وبدأت الدعاية منذ الآن لفيلمها المقبل الذي لم يبدأ تصويره بعد.

زيد خلدون جميل، باحث ومؤرخ من العراق