المرأة في السينما المصرية: خطاب مزدوج بين الروائي والتسجيلي
بينما تتعدد صور التعبير عن واقع المرأة المصرية في السينما الروائية الطويلة بلا خوف أو حرج، وتبرز أنماط مختلفة لشكلها ودورها، تأتي السينما التسجيلية والروائية القصيرة مُتحفّظة إلى درجة تجعل من تناولها للقضايا النسوية تناولا مثاليا انحيازيا بحتا.
وتلك إشكالية تُوقِع المتلقّي في حيرة؛ إذ يحتار في تمييزه وتجاوبه، فلا يعرف أيّ النوعين السينمائيين أصدق، وأيهما أحقّ بالتأييد.
لقد كانت السينما الروائية الطويلة، التجارية منها وغير التجارية، أكثر وضوحًا وواقعية في عرضها لواقع المرأة بكل ملابساته وتفاصيله، فلم يُستثنَ نمط واحد، ولم تُستبعَد صورة من الصور الاجتماعية أو التراجيدية أو الرومانسية، إلا وتم تناولها وإظهارها كما هي، في حدود المساحة المتاحة من الحرية المكفولة للمبدع.
وعلى العكس من ذلك، جاءت معظم الأفلام التسجيلية والقصيرة المتصلة بقضايا المرأة داعمة ومؤازِرة، باعتبار أن المرأة هي الجنس الأضعف، وأن الانحياز لها واجب اجتماعي وانعكاسٌ للتحضّر.
الأمر الذي نمّط كثيرا من الأفكار، وذهب بها بعيدا عن المعنى الحقيقي للإبداع، بغض النظر عن استحقاق المرأة لهذا الانحياز أو عدمه. فالكلام هنا عن الصور المتكرّرة التي أفقدت هذا النوع السينمائي تميّزه وطابعه الحقيقي.
وبالعودة إلى معالجات السينما الروائية الطويلة، يتبيّن لنا أنها تحرّت الدقة فيما طرحته، فشكّلت بوعيها الخاص دلالات قوية على منطقية التعامل الفني مع الواقع، إذ جمعت بين ما يُنصف المرأة ويدافع عن قضيتها،
وبين ما يضعها في المكان الطبيعي بحسب موقعها الدرامي؛ أي أنها لم تكن مثالية في كل الظروف، لذا حقّقت الأفلام الروائية الطويلة، بمصداقيتها، رواجًا أكبر وتأثيرًا أقوى. ولنستعرض بعض الأمثلة من الأنواع السينمائية الثلاثة:
التسجيلي، والقصير، والروائي الطويل، ونسوق بعض العينات للدلالة على وجهة النظر.
ففي فيلم بعنوان همس النخيل، قدّمت المخرجة الراحلة شيرين غيث فيلمها التسجيلي همس النخيل بنعومة بالغة لواقع خشن للغاية تعيشه المرأة المُعيلة التي تصنع أقفاص الجريد وبعض أشكال الأثاث البدائي لاستعماله داخل البيئة الريفية الفقيرة، كي تتمكن من الإنفاق على أبنائها المعوّقين ذهنيا في غياب الأب.
ولأن الموضوع لا يحتمل غير الانحياز العاطفي والوجداني والإنساني الكامل، جاء تأييد الجمهور المطلق بعد العرض الأول للفيلم كردّ فعل طبيعي على الحالة والقصة والتناول.
وفي كثير من النماذج المشابهة، جرى التناول على المنوال نفسه، كما حدث في فيلم سيدة، وهو واحد من الأفلام التي لم يخرج موضوعها عن هذا الإطار.
وكذلك فيلم سابع سما، التجربة التسجيلية الأولى للمخرجة الشابة كريستين حنا، الذي يتناول التحديات الصعبة التي تواجهها الفتاة الصعيدية الراغبة في العمل بالسينما.
وبخلاف هذه النوعيات، هناك أيضًا فيلم عايزين نتعلم، الذي يناقش قضية الأمية لدى الفتيات الريفيات، وما يواجه محاولاتهن الجادّة لمحو أميتهن من معضلات.
تلك كانت بعض النماذج الدالّة على ثبات الفيلم التسجيلي والفيلم القصير في حالات غير قليلة على صورة ذهنية واحدة عن المرأة والفتاة، والاعتماد الكلي في المعالجة على التعاطف، وإثارة الشجون والمشاعر لتحقيق أعلى درجات التأثير، وهو ما ينجح فيه عادة صُنّاع هذا النوع من السينما على وجه الخصوص.
وفي مُغايرة تامة، تتبع السينما الروائية الطويلة أسلوبًا آخر، تتكوّن فيه المعادلة الفكرية والإبداعية من مركّبات عديدة ليست مثالية بالضرورة. فالبطلة نبيلة عبيد في فيلم سعيد مرزوق المرأة والساطور، قاتلة مع سبق الإصرار والترصّد.
وفي فيلم أنا حرة للكاتب إحسان عبد القدوس، البطلة لبنى عبد العزيز متمردة وعنيدة، وفي فيلم الباب المفتوح، المأخوذ عن قصة الكاتبة الكبيرة لطيفة الزيات، جسّدت فاتن حمامة دور الشخصية القوية الباحثة عن ذاتها وكيانها، والمدافعة بضراوة عن حقوقها في المساواة الاجتماعية بينها وبين الرجل.
وفي فيلم زقاق المدق، عن قصة الأديب العالمي نجيب محفوظ، جاءت شخصية «حميدة» طموحة، حالمة، ومنسلخة عن واقعها الشعبي وثقافتها المحلية.
أما في فيلم النداهة للكاتب يوسف إدريس، وبطولة ماجدة وشكري سرحان، فنجد فيه الصورة الدرامية للمرأة الفلاحة بعد هجرتها من الريف إلى العاصمة القاهرة،
وقد أصبحت مختلفة تمامًا ومتميزة، لأن الشخصية اكتسبت الكثير من المعارف وتأثرت بثقافة أهل المدينة، وهو تطور ملحوظ وقوي في معناه الدلالي العميق.
إذن، بموجب وضوح هذه الفوارق، وبحسب ما ورد من أعمال، يُصبح التميّز من نصيب السينما الروائية الطويلة، فيما يتعلق بتناولها لصورة المرأة وواقعها تحديدا.
وربما يرجع ذلك إلى اتساع الرؤية ووفرة المساحة التعبيرية داخل الفيلم الطويل مقارنة بالفيلم التسجيلي والقصير بطبيعة الحال. لكن ذلك لا يعني فشل النوعين الآخرين، التسجيلي والقصير، في تعاملهما مع قصص المرأة الحياتية وظروفها المجتمعية، فالكثير منها تميّز للغاية وفق طبيعته وشرطه.
كمال القاضي
كاتب مصري