«النقد السينمائي الدولي» يناقش صناعة الأفلام في المهجر
خلصت النقاشات التي جرت ضمن فعاليات النسخة الثالثة من «مؤتمر النقد السينمائي الدولي» في الرياض حول «السينما خارج الحدود» إلى تأكيد أن السينما العربية خارج الحدود أصبحت مساحة للتعبير المتعدد، تجمع بين الذاكرة الأصلية والتجربة الجديدة،
وتؤكد أن المخرج، أينما كان، يظل ابن بيئته الأولى، يحملها في رؤيته ولغته وأفكاره، حتى وهو يصنع أفلامه في المنفى.
الجلسة التي أدارها الناقد حسين الضو، وشارك فيها المخرج العراقي محمد الدراجي، ومؤسس مهرجان «مالمو» للسينما العربية، محمد قبلاوي، والمخرجة التونسية لمياء قيقة، تضمنت أحاديث موسعة حول علاقة السينما بالهوية، وتأثير الاغتراب واللغة والثقافة على التجارب الإبداعية للمخرجين العرب الذين يعملون خارج أوطانهم.
واستهل حسين الضو الجلسة بالإشارة إلى سعي المخرج إلى «استكشاف التحولات التي تصيبه عندما ينتج فيلمه خارج وطنه، وكيف تنعكس تلك التجربة على اللغة البصرية والموضوعات المطروحة في أفلامه»،
موضحاً أن «الهجرة والانفتاح الثقافي أفرزا ما يمكن تسميته السينما الهجينة التي تحمل سمات متعددة وتتحرك بين أكثر من هوية».
وقالت المخرجة التونسية لمياء قيقة إن العلاقة بين السينما والنقد تُشبه «خطيْن متوازييْن يسيران في الاتجاه نفسه دون أن يلتقيا تماماً»، مؤكدة أن الحديث عن الإنتاج خارج الوطن يفتح أسئلة الهوية والانتماء، خصوصاً عندما يعيش المخرج في بيئة مغايرة ثقافياً.
وأضافت أن «كل مخرج يحمل لغته الأم وثقافته معه أينما ذهب»، وأن هناك اليوم موجة من السينما التي يمكن وصفها بـ«الهجينة»، تجمع بين الهوية الأصلية وتأثيرات المكان الجديد الذي يعيش فيه المبدع،
موضحة أن «المخرجين والمخرجات التونسيين الذين يعيشون في الخارج يواصلون صناعة أفلامهم عن واقعهم الأصلي، رغم بعدهم الجغرافي».
وتطرقت لمياء قيقة إلى إشكالية التكرار في بعض التجارب العربية، قائلة: «لا يمكن إنكار أن هناك أفلاماً قُدمت بطريقة تستنسخ ما هو مطلوب جماهيرياً أو في المهرجانات، لكن في المقابل هناك درجة من الوعي لدى المخرجين الشباب الذين يحاولون مقاومة الصورة النمطية التي يفضّلها الغرب عن المجتمعات العربية».
مؤكدة أن «تمكن المخرج من لغته السينمائية وجمالياته الخاصة هو ما يمنحه القدرة على التعبير بصدق، بعيداً عن محاولات الإرضاء أو التقليد».
من جانبه، قال المخرج محمد قبلاوي إن «المخرجين من أصول عربية في أوروبا ينتمون إلى أجيال مختلفة»، موضحاً أن «الجيل الأول حمل معه ذاكرة الوطن الأولى وتاريخه، في حين يتعامل الجيل الثاني مع الواقع من موقع المراقب»،
مشيراً إلى أن الفارق بين «أن تُروى قصتك من الخارج أو أن ترويها بنفسك هو ما يُحدد عمق التجربة السينمائية».
وأضاف أن هناك اليوم ما بين 32 و35 مليون ناطق بالعربية في أوروبا، وأن هذا الوجود السكاني انعكس على حضور السينما العربية في المشهد الأوروبي، مشيراً إلى أن الهوية لم تعد ثابتة، بل أصبحت «تعددية»، وفق وصفه،
مضيفاً: «فكل مخرج يرى طريقه الخاص في التعامل مع قضاياه، وأن المنظور الذي يقدمه المخرج المقيم في الغرب عن القضايا العربية يختلف بطبيعة الحال عن المخرج المقيم في وطنه».
أما المخرج محمد الدراجي فتحدث عن تجربته قائلاً إنه بصفته مخرجاً عراقياً عاش سنوات طويلة خارج بلاده، لكنه «ما زال يُفكر في العراق في كل فيلم يقدمه»،
موضحاً أن «موضوعات أفلامه غالباً ما تبدأ من فكرة الحنين إلى الوطن، وأن مشاهد الافتتاح في معظم أعماله تتناول السفر، والمرأة، والطفل، والجندي» بوصفها رموزاً للبحث عن الذات والانتماء وجزءاً من تجربته الذاتية.
وأضاف الدراجي: «أحياناً أفكّر في تقديم فيلم بريطاني، لكنني أتراجع لأنني لست بريطانياً. أنا عراقي، وهذه هويتي التي لا تنفصل عن عملي»،
مؤكداً أن المخرج عندما يكتب أو يخرج فيلمه «لا ينطلق من اتجاه محدد، بل من إحساسه الشخصي ورؤيته الخاصة»، وأنه يحاول أن يقدّم ما يؤمن به بعيداً عن التأثيرات الغربية أو ضغوط السوق.