التحف الفنية... مهمات الإنقاذ مع تفاقم الكوارث البيئية
مع تزايد وتيرة الكوارث المناخية، تزداد أهمية إنقاذ التحف الفنية بالنسبة إلى المتاحف والمعارض والمنازل والمخازن والحكومات، التي تتعامل مع احتمال تعرض كنوز البشرية وذاكرتها للضرر أو الدمار،
وتبذل قصارى جهدها لحمايتها. يسعى أمناء المتاحف والمرممون، المكلفون بحماية ذاكرتنا الثقافية، إلى ابتكار حلول جديدة لهذه المشاكل الجديدة.
تنقل مجلة ناشونال جيوغرافيك عن رئيسة قسم الجمع والبحوث في متحف موريتشويس (Mauritshuis) جوديث نيسن، أن "التهديد المناخي الأكثر ترجيحاً الذي نواجهه هو الفيضانات، نتيجة هطول أمطار غزيرة أو رياح غربية تتسبب في موجة مدية تخترق أحد الدفاعات الساحلية"
تضيف: "على الرغم من أن هذا لم يحدث في الماضي، إلا أننا نعتقد أننا بحاجة إلى الاستعداد لمثل هذه السيناريوهات".
وهناك الأعاصير. وفقاً لدراسة أجرتها منظمة كلايمت سنترال غير الربحية عام 2024، فقد ازدادت شدة الأعاصير ازدياداً ملاحظاً بسبب ارتفاع درجة حرارة المحيط. ويُشكّل ارتفاع منسوب مياه البحر مصدر قلق في متحف فيزكايا وحدائقه في ميامي، فلوريدا.
يقع هذا القصر، الذي يعود تاريخه إلى عام 1916، وهو معلم تاريخي وطني، مباشرة على مستوى سطح البحر، وهو معرّض جداً لارتفاع منسوب مياه البحر.
تنقل المجلة عن كبيرة مُرمّمي فيزكايا، دافينا كوه جاكوبي: "نواجه صعوبات في التعامل مع العواصف والأمطار والآفات، وبالطبع، إدارة المناخ". لا يقتصر الأمر على مواجهة النمل الأبيض وديدان السفن فحسب، بل يراقبون أيضاً ببطء المحيط وهو يقترب من الحديقة.
وفي متاحف غرينتش الملكية في لندن، حيث تقع سفينة كاتي سارك، المُدرجة ضمن قائمة يونسكو للتراث العالمي، على ضفاف نهر التايمز، تشعر فنيّة صيانة السفن، مادي فيليبس، بالقلق من موجات الحرّ الشديدة؛
إذ ينتفخ الخشب في البرد وينكمش في الحرارة بمعدلات مُتفاوتة. ومن المهم الحفاظ على مستوى رطوبة متساوٍ نسبياً لمادة السفينة، وهي مهمة صعبة خلال أشد أيام الصيف حرارة.
إذا كان هناك حريق
تنقل صحيفة ذا نيويورك تايمز عن خبيرة الحفظ والترميم، نيكول غرابو، أنه "غالباً ما تتعلق حالات الطوارئ بالمياه. إذا كان هناك حريق، فهناك ماء؛ وإذا كان هناك ماء، فهناك ماء".
لدى متحف موريتشويس "قائمة أولويات" للقطع التي ستُنقَل أولاً،
ومن المرجح أن تكون لوحة "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي" (Girl with a Pearl Earring) للفنان الهولندي يوهانس فيرمير (Johannes Vermeer)، فضلاً عن روائع أخرى من شمال أوروبا يحتفظ بها المتحف، ضمن القائمة.
ويشمل بروتوكول الطوارئ في حالة الفيضانات الوشيكة أيضاً قطع الكهرباء، وبناء السدود، وإغلاق أبواب الأمان الإضافية، إلى جانب التدريب على ما يجب فعله بعد ذلك، بما في ذلك فرز الأضرار وتركيب أجهزة إزالة الرطوبة.
ونظراً إلى موقع المتحف الحسّاس، يتعين على الموظفين مراقبة التهديدات المستقبلية باستمرار، ورصدها، والتكيف مع تغير أنماط الطقس ومستويات سطح البحر.
ولحسن الحظ، يحمي متحف تشارلستون في ساوث كارولينا مجموعته من الأعمال الفنية المهمة لصانع الفخار المستعبد ديفيد دريك خلف ما وصفه أمين التاريخ تشاد ستيوارت بأنه مبنى على الطراز الوحشي، فهو "كبير، بني اللون، ومبني من الطوب".
ليس هناك سوى عدد قليل حول العالم من أقسام الموارد والإرشادات حول التأهب للكوارث، لمساعدة الوكالات الحكومية والمؤسسات والمتاحف والمعارض الفنية والأفراد.
تنقل "ذا نيويورك تايمز" عن غرابو أنه "يمكننا مساعدة الناس في تقديم المشورة حول كيفية فرز التحف، خاصةً عندما نعمل مع القائمين على رعاية المجموعات والمؤسسات الصغيرة التي لا تملك أي تمويل".
رائحة الهواء وتأثيرها على التحف الفنية
في حالة الحرائق مثلاً، تقول غرابو: "أنفك أداة. استخدمها. إذا كانت رائحة الهواء غريبة، فمن المرجح أنها كذلك، لذا غيّر فلاتر الهواء". وتوصي بفلاتر هواء لا تلتقط جزيئات الدخان فحسب، بل جزيئات العفن الأصغر بكثير.
إذا غمرت المياه مخزناً فنياً يجيب نقل القطع الفنية لتجفيفها بالهواء في مكان نظيف. تقول الخبيرة: "أمامك 72 ساعة بعد تسرب المياه قبل أن يبدأ العفن بالنمو". إذا لم يكفِ الوقت أو المساحة، فالتجميد يوقف نمو العفن،
لذا ابحث عن مجمّد أو استأجر شاحنة تجميد. وتنقل الصحيفة عن خبيرة الحفظ، سارة فيجين، أن "الإجراءات التي تتخذونها للاستعداد واضحة ومباشرة، لكنكم تحتاجون إلى الوقت والمساحة للتفكير فيها مُسبقاً، بدلاً من التفكير فيها في اللحظة الراهنة.
ما هو الأهم؟ ما الذي تحتاجونه؟ هل لديّ مكان أضعها فيه؟ أين ستُنقل؟".
إنقاذ التحف الفنية غير ممكن طوال الوقت، إذ ستستمر رسومات الكهوف في التساقط من الجدران، وستنهار المدن القديمة في النهاية وتُمسي رماداً، ولا يوجد حل واحد يناسب كل شيء، وإن كان تأمين الحد الأقصى من الحماية لا يزال ممكناً أقلّه في بعض المواقع الهشة حالياً.
ومع ذلك، لا يكتفي القائمون على المتاحف والمرمّمون والباحثون بدق ناقوس الخطر، بل يعملون أيضاً على الحفاظ على أقصى ما يمكن إنقاذه.
في هذا السياق، تشير نيسن إلى أن تدابير السلامة تتغير باستمرار، وأنه "لا يوجد وضع راهن ثابت"، ولكن يمكن أن يتغير للاستجابة لجميع التهديدات المحتملة.