أفلام خالدة: "الطوق والأسورة": الصعيد بين التقاليد والواقع المتبدّل

 بات واضحاً أن الأفلام المصرية التي اقتبست قصصها من الأدب المحلي حظيت سريعاً بقبول جماهيري واسع في عموم الوطن العربي، ورواية: الطوق والأسورة، للقاص يحيى الطاهر عبد الله، دليل إضافي يؤكد هذه النظرية، خصوصاً وأن من صاغوا سيناريو الفيلم 3 شخصيات مميزة: الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، ويحيى عزمي ومعهما المخرج.

الشريط دخل الصعيد من البوابة الواسعة: المرأة والرجل وبينهما التقاليد الموروثة التي ما زال بعضها يتأثر بالأسلاف إلى حد إعتماد وأد البنات مخافة تدنيس شرفهن، ويطرح القاص عبد الله واقع عائلة تقليدية مؤلفة من الزوجين بخيت – عزت العلايلي، وحزينة – فردوس عبد الحميد، والإبنة شريهان في دورين: الإبنة فهيمة والحفيدة فرحانة، في الصعيد وتحديداً في الكرنك بالأقصرعام 1933.

يموت الأب، وتتزوج فهيمة من الحداد الجبالي -–أحمد عبد العزيز، الذي لم يكن مُنجباً لكن فهيمة حملت بطفلة غير شرعية هي فرحانة التي وقعت في المحظور الذي عانت منه والدتها فحملت أيضاً بطفل غير شرعي ما جعلها في مرمى غضب الجدة حزينة التي جُن جنونها وعاقبت فرحانة بدفن جسدها في التراب حتى عنقها بعد علقة ساخنة كادت معها الفتاة أن تقضي بين يدي جدتها، وهنا قدمت شريهان واحداً من أدوارها الرائعة.

المفارقة أن حزينة عاقبت فرحانة وجعلتها حزينة مثلها ليلف الحزن كامل المنزل والعائلة.

ومن خلال شخصيات نابضة بالحياة الواقعية والصادقة تتحرك الأحداث في الشريط وفق منهجية خصبة تجعل الوقائع تنطق بلسان الصعيد الذي ما تزال بعض معالم عادات السلف فيه حاضرة وبقوة، مع غياب كامل لأي عنصر ردع، أو منع، لتتضاعف السلبيات وتشي بما ليس مريحاً لكل الشخصيات التي تتخبط في دهاليز الظلم والظلام.

كثيرة وقوية هي أسماء المشاركين في لعب الأدوار الفاعلة: عبد الله محمود، محمد منير، أحمد بدير، حنان يوسف، حسن العدل، فتحية قنديل، ومحمد درديري. وقد إستطاع النص أن يُشبع قضية الموروث من العادات، وتصادمها مع واقع القانون والأمن ومسؤوليات الحياة الحديثة بعيداً عن الشخصانية وركوب موجة القديم من دون تبصر أو معرفة.

طوال ساعتين أبهرتنا كاميرا طارق التلمساني وجعلتنا نتفاعل مع التراب الذي غمر شريهان، مع دموعها في شخصيتين يصعب تجاوزهما دون كلمة: برافو، والبرافو لجميع عناصر الفيلم الذي شاهدته سيدة الشاشتيىن وبناء عليه وافقت على تصوير:يوم مر، يوم حلو، بإدارة المخرج بشارة، مباشرة بعد: الطوق والأسورة.

محمد حجازي - الميادين نت