فيلم «المرهقون» .. بلد الأحلام المجهضة وشظف العيش

 قبل بدء عرض فيلم «المرهقون» للمخرج اليمني عمرو جمال، الذي شارك في «بانوراما» مهرجان برلين السينمائي، اعتلى المخرج خشبة المسرح وخاطب الجمهور قائلا عن الفيلم، إنه يمنح المشاهد فرصة لرؤية اليمن بعيون يمنية، وأنه يعطينا لمحة عن العيش في بلد قلما نسمع عنه خارج إطار نشرات الأخبار.
اليمن كما نراه في الفيلم، وكما يتضح من عنوانه ذاته، بلد يشق على الناس العيش فيه، بلد مرهق، بل إن كلمة مرهق تخفيف لكم العسر والبؤس الظاهرين في الفيلم. كل ما في الفيلم استعارة عن حال البلد ذاته. الأسرة المحورية في الفيلم، المكونة من أب وأم وثلاثة أطفال، تضطر تحت وطأة ظروف المعيشة في بلد لم يحصل فيه الموظفون على رواتبهم منذ عدة أشهر، لمغادرة مسكنها في عدن لأنها لم تعد تحتمل دفع إيجاره والانتقال للسكن في منزل متداع متهالك، لكن إيجاره أقل. لا توجد محاولات للنهوض أو التمرد على الأوضاع العسيرة، بل إن الاحتجاجات التي نراها في الفيلم على عدم دفع الأجور جاءت هزيلة شارك فيها عدد ضئيل من الأشخاص. وهذا الإجهاد البادي على الجميع والعزوف عن الاحتجاج، لم يأت من جبن أو تخاذل، لكن لليقين أن الاحتجاج لن يغير شيئا. تستسلم الأسرة في الفيلم، كغيرها من الأسر في اليمن، ولا تسعى لتغيير الوضع، بل للتأقلم مع ظروف معيشية أقل ما يقال عنها إنها عسيرة.

الأب والأم في الأسرة محور الأحداث هما إسراء وأحمد (خالد عمران وعبير محمد) وهما بالكاد يستطيعان تحمل نفقات الأبناء الثلاثة، خاصة مع الزيادة الكبيرة في الرسوم المدرسية. ومع صعوبة الحياة تلك، كيف للأسرة أن تتحمل نفقات طفل جديد بعد أن علم الأبوان بوجود حمل جديد. يجد الزوجان نفسيهما أمام خيار واحد لا مفر منه، وهو الإجهاض، في بلد يلفظ أبناءه ويستحيل العيش فيه، لا مفر من الإجهاض، ويصبح الإجهاض كناية عن قتل الآمال والأحلام في بلد لا يرحم، لكن حتى الإجهاض ليس بالأمر اليسير في اليمن، فهو بلد محافظ يحرّم أهله الإجهاض. حتى سكن الزوجين لبعضهما بعضا في هذا البلد أصبح ورطة ومأزقا، فلا قبل للزوجين بتحمل نفقات طفل جديد. يصبح حمل الأم ورطة كبيرة، فحالة الأسرة لا تساعد على مولد طفل جديد، وحالة البلد المتشدد دينيا أيضا تحول دون إجهاض الجنين. حتى إسراء نفسها تشعر بتأنيب ضمير كبير لمجرد تفكيرها في الإجهاض، فهي تسمع فتاوى الشيوخ ورجال الدين التي تحرم الإجهاض وتعتبره معصية كبيرة خصوصا بعد أن تدب الروح في الجنين.

قد يتبادر إلى الذهن حين مشاهدة «المرهقون» فيلم آخر هو «4 شهور، 3 أسابيع، ويومان» للمخرج الروماني كرستيان مونجيو، الذي يدور في الحقبة الشيوعية، عن امرأة تسعى للحصول على حق الإجهاض في بلد يجرمه. نرى في فيلم مونجيو الصادم الموجع تردي الأوضاع في بلد تداعت مؤسساته واهترأت بنيته، لكن غابت بصورة كبيرة عن فيلم «المرهقون» صنعة مونجيو، التي جعلت من فيلمه تحفة سينمائية. كما يعيد «المرهقون» إلى الأذهان فيلم «الحدث» للمخرجة الفرنسية من أصل لبناني أودري ديوان، لكن بطلة «الحدث» كانت تسعى للإجهاض لاستكمال دراستها وتحقيق طموحها، بينما في «المرهقون» لا طموح ولا أمل ولا دافع لمواصلة العيش في بلد لا يتحكم فيه الإنسان بمصيره، ويقسو المجتمع فيه على المرأة أشد القسوة. في نهاية المطاف تجد سناء من يعينها على التخلص من حملها، لكن انتهاء الحمل لا يخفف إلا قليلا من ضنك العيش. في بلد محافظ كاليمن، يختار المخرج قضية جريئة وآنية كالإجهاض، لكن طرحها لم يكن بالجرأة المرجوة، فالبطلة لم تكن تسعى للتمرد أو التحرر ولم تناقش قيم المجتمع أو الدين ولم تتجادل مع أي منها. لم يكن مسعاها للسيطرة على جسدها، أو حتى لتقرير مصيرها الخاص، كان كل سعيها للإجهاض للتخلص من عبء مالي يثقل كاهل العائلة.

نسرين سيد أحمد