جباليا: تاريخ عربي كنعاني ومن أكبر المخيمات في فلسطين

أسفرت المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مخيم جباليا للاجئين عن ارتقاء أكثر من 100 شهيد، وارتفاع عدد الإصابات إلى أكثر من 300، وفق وزراة الصحة في غزة.

وذكرت وزارة الداخلية في غزة أنّ مخيم جباليا تعرّض لقصف بـ 6 قنابل، تزن كل واحدة طناً من المتفجرات، مؤكدةً أنّ العدد الأكبر من الضحايا هم أطفال ونساء.

يأتي ذلك بينما دخل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة يومه الـ25، مع تكثيف الاحتلال قصفه المناطق كافّةً، واستهداف كلّ المنشآت من دون تفريق، والعدوان على كلّ مقومات الحياة، إضافة إلى محاولات قواته، المتكرّرة في الأيام الماضية، التسلّل عدة أمتار داخل القطاع. 

يُشار إلى أنّ المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، أفاد، في بيان صحافي سابقاً اليوم، بارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 8525 شهيداً، منهم 3542 طفلاً و2187 سيدة، وإصابة 21543 مواطناً بجروح متعددة، منذ الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

وقال القدرة إنّ وزارة الصحة تلقّت 2000 بلاغ بشأن مفقودين، منهم 1100 طفل، ما زالوا تحت الأنقاض.

ويعد مخيم جباليا من أكبر المخيمات الفلسطينية وأكثرها اكتظاظاً بالسكان، بعد ظهور مخيمات اللاجئين في قطاع غزة بعد عام 1948.

تاريخ جباليا

جلّ المتناقلين يتحدثون أن مخيم جباليا أقيم عام 1948 ولكن الحقيقة أنه أقيم عام 1954، وهذا لا يمنع  وجود لاجئين في المنطقة والمناطق المحيطة.

 عرفت قرية جباليا بأنها من القرى العربية الكنعانية الأولى، وأطلق عليها الرومان اسم جبلايا باللغة السريانية في أواخر القرن الرابع للميلاد، واستوطنوا فيها وأقاموا على جزء من أراضيها قرية أزاليا في الفترة ما بين سنة (395- 636م).

وبعد هزيمة الرومان في معركة اليرموك دخل الفلسطينيون في الإسلام، وتعرّب سكان جباليا وتعرّبت لغتها بامتزاج أبنائها في ظل الحضارة الإسلامية مع القبائل العربية القادمة من الجزيرة العربية، وظلت محتفظة بطابعها الإسلامي على مرّ العصور إلى عامنا هذا.

بلدة تمتاز بالجمال

وورث سكان جباليا مكانتهم فبقيت الأرض أرضهم والبلاد بلادهم، واحتفظوا بأرضهم وهويتهم الدينية والثقافية وفاءً للآباء والأجداد ولم يبيعوا شبراً واحداً من أراضيهم، ولكنهم ابتلوا بالانتداب البريطاني أولاً، ثم بالاحتلال الإسرائيلي ثانياً، وباغتصاب مساحاتٍ شاسعةٍ من أراضيهم، وتجريف آلاف الدونمات منها.

أرض قرية جباليا كانت  تمتاز بالجمال كما وصفها الشيخ  عبد الغني النابلسي عندما زارها سنة (1101هـ)، وأعجب بها وبأهلها فوصفها بقوله: " قرية لطيفة الهواء، عذبة المياه، وفي أهلها الصلاح ومحاسن الملاحة".

والمشهور أن الأمير سنجر علم الدين الجاولي الذي تولّى نيابة غزة عام (711هـ/1306م)، قد امتلك جزءاً من أراضي جباليا وأوقفها على المدرسة والجامع اللذين أنشأهما في غزة، وأنزل فيها مماليكه الجراكسة الذين اشتغلوا فيها بالفلاحة وأنشأوا البيوت والكروم والبساتين.

وفي سبعينيات القرن التاسع عشر للميلاد، كانت جباليا والنزلة من القرى المموّلة لمدينة غزة في الغالب بالخضار والفواكه والزيت والزيتون كما وصفها طومسون سنة 1857م، وكان لكل قريةٍ بئر واحدة تروى منه، واشتهر سكانها في زراعة الحمضيات واللوز والتين والزيتون وتربية الطيور والمواشي، لذلك اعتمدوا في زراعتهم على مياه الأمطار والآبار الإرتوازية مما جعلهم يتفوّقون على غيرهم في هذا المجال.

والجدير بالذكر، أن عائلات جباليا الموجودة حالياً هي من الأصول الكنعانية والسامية، حيث أن بيوتهم كانت مبنية من الأخشاب وخاصة خشب الجميز والتوت المكسوب بالبوص والطين، بينما اليوم تغيّرت تلك البيوت مع تغيّر الحياة الاقتصادية والاجتماعية فتطور البناء وأصبحت المباني من الباطون المسلح، وتحوّلت القرية إلى مدينة وفيها مساجد ومدارس وفنادق وأبراج وصالات أفراح وغيرها من المؤسسات والمرافق العامة.

أديرة ومساجد أثرية

ورثت قرية جباليا موقعها من القرى العربية الكنعانية الأولى، وارتبطت في نشأتها بأسباب دينية وحربية كباقي قرى فلسطين، فنجد أسماءها تسبقها كلمة بيت أو دير أو مقام لتلتف مباني القرى حولهم، وكذلك الحال عند أهالي قرية جباليا سابقاً، والتي تجمعت مبانيهم حول جامعهم الكبير، وهو جامعٌ أثري قديم بمنارة ظاهرة في جباليا ألا وهو جامع جباليا القديم والمسمى المسجد العُمري.

وكانت تقام فيه صلاة الجمعة ومعظم المناسبات الدينية، وله أوقاف وافرة، وكانت إلى جانب الجامع القديم زاوية قديمة لبعض الشيوخ من المغاربة الذين نزلوا فيها في القرن العاشر للميلاد /الخامس للهجرة النبوية، وفيها قبور تاريخية.

وهذا دليل واضح على إسلامية جباليا، حيث أن جميع عائلاتها من العرب الذين ورثوا هذه الأرض عن أجدادهم قبل قدوم القائد صلاح الدين الأيوبي إلى غزة، ولا يملك اليهود شيئاً من أراضيها، أما باقي سكانها فهم من الرحّالة والفاتحين من أبناء القبائل العربية، وكان لهم ديوان يجتمعون فيه مساء كل يومٍ يتناقشون فيه قضاياهم الاجتماعية للوصول إلى أنسب الحلول بشكل جماعي.

صفات عربية أصيلة

والمشهور أن أهالي جباليا القدماء تتوفّر فيهم الصفات العربية الأصيلة كالشجاعة والكرم والنخوة في الشدة والرخاء. في أواخر القرن الثامن عشر للميلاد حلّت جماعات عربية إلى مكان أزاليا بعدما اندثرت معظم معالمها بفعل العوامل الطبيعية، وكانت عبارة عن خربة مهجورة عمّرها أهالي نزلة جباليا في أواخر القرن الثامن عشر للميلاد، ويرجع نسبهم إلى قبيلة عرب الجبارات من بئر السبع، وامتزجوا مع سكان جباليا وكانت أرض النزلة آنذاك لا تتجاوز 24 دونماً، بينما اليوم فقد بلغت مساحتها نحو 4510 دونمات، منها 150 دونماً للطرق والمرافق العامة.

مخيم جباليا الشرارة الأولى للانتفاضة

سنة 1954 أقيم على جزء من أراضي جباليا أكبر مخيم في قطاع غزة وهو مخيم جباليا، والذي تجمّع فيه اللاجئون الفلسطينيون الذين هُجّروا من أراضيهم بالقوة عام 1948، ويقع مخيم جباليا شمال شرق مدينة غزة ويرتفع عن سطح البحر نحو 30 قدماً، ويبعد عن بلدة جباليا 1 كم، ومساحته 1,5 كم2، وتبلغ مساحة المنطقة المبنية فيه 4335 دونماً.

يذكر أن الشرارة الأولى للانتفاضة الأولى انطلقت من مخيم جباليا في 8/12/1987.  وتوسّعت  مساحته، وهناك نحو 108 آلاف لاجئ مسجّل يعيشون في المخيم الذي يغطي مساحة من الأرض تبلغ فقط 1,4 كلم2.

والمخيم يعكس شخصية حضرية كاملة، وهو مكتظ بالسكان إلى درجة كبيرة، وذلك يعد أحد الهموم الرئيسة للقاطنين فيه، وبلغت مساحة مخيم جباليا عند الإنشاء 1403 كم2، ثم اتسعت وتطورت مساحته لتصل إلى 4335 دونماً حتى عام 2000.

يحد جباليا من الشرق الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشمال مدينتا بيت لاهيا وبيت حانون، أما من الجنوب فتحده محافظة غزة.

ويتكوّن مخيم جباليا من 8 تجمّعات سكنية هي: (مخيم جباليا، مدينة جباليا، النزلة، تل الزعتر، حي الكرامة، حي عباد الرحمن، حي الزهراء، مشروع العلمي). ويبلغ طول شريطها الساحلي على البحر الأبيض المتوسط قرابة (1.5) كم.