إسرائيل تبطش بصحافيّي فلسطين... والعالم متواطئ

 «هذه أميرتي الجميلة زينة حياتي «زينة». شهور طويلة قضيتها بعيداً عنها ومع أمها، نمت أغصانها وزاد جمالها، طال انتظاري لها واشتياقي. أسال الله أن يجمعني معها ونحن سالمين». بهذه الكلمات عبّر الصحافي إسماعيل الغول عن اشتياقه العميق لطفلته الصغيرة، التي حُرم من رؤيتها على مدى أشهر بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. الغول كان من الصحافيين الذين اختاروا البقاء في شمال القطاع لنقل الجرائم والمجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. لكنه، إدراكاً للخطر المحدق، فضّل أن ينقل زوجته وابنته الوحيدة إلى جنوب القطاع، قبل أيام من إغلاق إسرائيل المنطقة وعزل شمال غزة عن جنوبها.
 
واغتالت دولة الاحتلال الغول قبل أن يحقق أمنيته بلقاء طفلته الوحيدة عشيّة 31 تموز (يوليو) 2024 مع زميله المصوّر رامي الريفي بقصف استهدفهما في مدينة غزة بُعيد تغطيتهما لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، من منزل هنية المدمَّر في القطاع.

كانَ الغول قد ظهر في بثّ مباشرٍ على شاشة «الجزيرة» قبل دقائق من اغتياله. ورغم استجابة الصحافي للتهديد الإسرائيلي بقصف المنطقة التي كان يتواجد فيها فضلاً عن ارتدائه سترة الصحافة، فقد تعمَّدت مسيّرة إسرائيلية مطاردة السيّارة التي كان يستقلّها مع صديقه المصوّر وأطلقت عليهما صاروخاً موجّهاً، ما أدّى إلى استشهاد الاثنين على الفور. وكان الغول قد اعتُقل في 18 آذار (مارس) 2024 من قبل قوات الاحتلال، مع عشرات آخرين إثر اقتحام قوات الاحتلال لـ «مجمع الشفاء الطبي» في مدينة غزة، قبل أن تفرج عنه بعد 12 ساعة من التحقيق.

وبينما احتفل العالم في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) بـ «اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين»، أفاد بيان صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي بأنّ إسرائيل قتلت 183 صحافياً وصحافية منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، آخرهم الشهيد بلال محمد رجب المصور الصحافي في فضائية «القدس اليوم». واستشهد رجب جراء قصف طائرات الاحتلال مجموعة مواطنين في محيط سوق فراس في مدينة غزة، في الأول من تشرين الثاني. وقال توفيق سيد سليم، رئيس «التجمع الإعلامي» في غزة، إن استهداف الصحافيين الفلسطينيين جريمة جسيمة تتطلّب المساءلة وفقاً للقوانين الدولية التي تكفل حماية الصحافيين أثناء النزاعات المسلحة. وأوضح لنا إنّ دولة الاحتلال تتعمد استهداف الصحافيين بشكل واضح، ضاربةً بعرض الحائط كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تضمن حماية الصحافة، إذ تستفيد من الدعم السياسي والقانوني الذي تقدمه لها الولايات المتحدة الأميركية، ما يمنحها حصانةً ضمنية لتكرار هذه الانتهاكات من دون خشية من العقاب.

وأضاف سليم أنّ الاستهداف الممنهج للصحافيين يكشف بوضوح عن سلوك كيان الاحتلال، مستغرباً تقاعس المجتمع الدولي وصمته أمام هذه السياسات التي تهدد حياة الصحافيين وتعيق عملهم. وشدد على أن الهدف الرئيسي من هذه الاعتداءات هو حجب الحقائق عن العالم، وتعتيم الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين، لافتاً إلى أن السكوت عن هذه الانتهاكات يسهم في تكريس بيئة الإفلات من العقاب، ما يشجع على استمرارها.
 
وصنّف رئيس «الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) »، صلاح عبد العاطي، جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحافيين الفلسطينيين بأنها «جريمة حرب». وقال لـ «الأخبار» إنّ «القانون الدولي وكل القرارات الأممية والمواثيق الدولية تنص على توفير الحماية للصحافيين، واستهدافهم المتعمد هو جريمة حرب تستدعي المحاسبة». وأشار إلى أن الهدف الرئيس لاستهداف الصحافيين الممنهج هو حجب الحقيقة عن العالم والتغطية على جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني.

ولفت عبد العاطي إلى أن استهداف الصحافيين، نموذج لحالة متكررة، منذ بدء الهجوم على قطاع غزة؛ إذ حولت إسرائيل -القوة القائمة بالاحتلال- الصحافيين ومؤسساتهم إلى أهداف مشروعة ومستباحة، ضمن سياسة ممنهجة هدفت إلى ترهيب الصحافيين وإسكات صوتهم ضمن محاولاتها التعتيم وإخفاء الفظائع الإنسانية التي تقترفها وجريمة الإبادة المتواصلة في القطاع.

وطالب عبد العاطي المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالتسريع في اتخاذ إجراءات عملية لإنجاز التحقيق بالجرائم المرتكبة على إقليم دولة فلسطين، بما فيها جرائم قتل الصحافيين الذين يدفعون حياتهم ثمناً لإظهار الحقيقة، والمضي بالخطوات اللاحقة.