Logo

نبض التراث وروح الحداثة.. عمارة المدينة المنورة تحكي قصتها

 تُدهش عمارة المدينة المنورة التراثية أبصار الزائرين، لما تحمله من إرث كبير يمتد من قبل الهجرة النبوية وصولًا إلى نحو مائة عام، تخللتها العديد من حالات التطوير لطرز العمارة، لكنها حافظت على نَسَقها الجمالي وثراء فنها العمراني.

عُرفت عمارة المدينة المنورة بتداخلٍ بين الحضارات والعصور، وهو ما ساهم في تشكيلها لتكون شاهدًا على تحولات الزمن ومرور الزمن وتحولاته.

والمدينة المنورة قبل ظهور الإسلام كانت تُعرف باسم يثرب، وتأسست قبل الهجرة النبوية بأكثر من 1500 عام.

وورد اسم يثرب في القرآن الكريم، وورد في الحديث الصحيح أن النبي محمد ﷺ سمّاها المدينة وطيبة وطابة، ونهى عن استخدام اسمها القديم. وتُعدّ أول عاصمة في تاريخ الإسلام.

مع مرور الزمن، لم تقتصر أهمية عمارة المدينة على قيمتها التاريخية فحسب، بل امتدت لتكون مصدر إلهام للتصميم العمراني الحديث، إذ تستمد المدن المعاصرة من تقنيات البناء التقليدية استدامة وجمالية؛ تُعزز من ارتباط السكان بماضيهم العريق.

فالمدينة المنورة ليست فقط موقعًا جغرافيًا بل هوية تتجسد في حجارتها وأزقتها، حيث تشكل بوابة عبور لكل من يبحث عن الجذور والتجدد في آنٍ واحد.

التراث المعماري 

ما يُميز المدينة المنورة الثراء المعماري؛ حيث تجتمع فيها ثلاثة طُرُزٍ معمارية، من بين 19 طرازًا معماريًا تعتمده خريطة المملكة العربية السعودية في جميع مدنها.

وهذه الطُرُز الثلاثة التي تتجسد في عمارة المدينة المنورة، وعمارة ريف المدينة المنورة، والعمارة الحجازية.
 
يمكن اختصار عمارة المدينة المنورة بالآتي:

 - تشمل المدينة وبدر والعيص.

 - يعتمد المخطط العام للمدينة على المسجد النبوي الشريف بوصفه قلب العمارة النابض.

 - تعكس المباني طابع العمارة الحجازية المحلية، التي تكونت من خلال التواصل الثقافي الطويل الذي شهدته المدينة.

 - تمتاز المباني بالارتفاعات المنخفضة التي تتراوح بين طابقين إلى ثلاثة طوابق.

 - يستخدم حجر البازلت الداكن في القاعدة والطبقات العليا بالأبيض العاجي.

 - تمتاز بالتفاصيل الفنية مثل الرواشين المستطيلة، والسواتر الخشبية، والأبواب المقوسة.

يمثل هذا المزج بين الحداثة والتراث كونه يعكس الجمال البصري من جهة، ومن جهة أخرى يُحقق استدامة بيئية من خلال مواد البناء المحلية التي تتكيف مع مناخ المدينة.

أما عمارة ريف المدينة المنورة فتتمثل بالآتي:

 - تنتشر في خيبر ومهد الذهب شرقي المدينة المنورة.

 - تُبنى المساكن من الحجر الرمادي في القاعدة، والطين بالألوان الترابية في الواجهات العلوية.

 - تمتاز بأسقف مرتفعة لتحسين التهوية.

 - تشتهر بالنوافذ الصغيرة والأعتاب البارزة، والسواتر الخشبية بصفتها عناصر جمالية ووظيفية.

 - ويحافظ هذا الطراز على موازنته بين البيئة الطبيعية والاحتياجات السكنية، ما يجعله مصدر إلهام لتصاميم معمارية حديثة. 

وفي ما يخص طراز العمارة الحجازية الساحلية:

 - تمتد بمحاذاة البحر الأحمر.

عُرفت بتأثرها بالطبيعة الساحلية، والتفاعل الثقافي والتنوع الجغرافي.

تتأثر تجمعاتها العمرانية بالخلجان الطبيعية والشواطئ، ما جعلها تتكيف مع الظروف البيئية من خلال:

          - استخدام مواد محلية مثل الحجر المرجاني والخشب.

          - طلاء الجص الأبيض للحماية من التآكل.


الأحجار الطبيعية وأثرها في العمارة 

من بين أبرز العناصر الأساسية في العمارة التقليدية للمدينة المنورة، برز البازلت الأسود والجرانيت، إذ استُخدما عبر التاريخ في بناء المنازل والقلاع والأسوار والمعالم، وما تزال العديد من هذه المباني تحتفظ بجمالها ومتانتها حتى اليوم.

ولعل من أبرز خصائصها:

 - المحافظة على مستوى العزل الحراري للمسكن.

 - خفض درجة الحرارة عن محيطه الخارجي.

وتبرز هذه الأحجار في عمارة المسجد النبوي، والمساجد الكبرى، والمواقع التاريخية، والمعالم الأثرية.

هذه الأحجار أسهمت في الحفاظ على الهوية العمرانية للمدينة المنورة وتطويع البناء؛ ليتماشى مع البيئة والمناخ المحلي.

ولخصوصيتها التاريخية والبيئية والجمالية، استُخدمت هذه الأحجار في مشاريع الترميم والتأهيل التي تنفذها هيئة تطوير المدينة المنورة وهيئة التراث، مما أعاد إحياء عدد من المواقع الأثرية بطابع يجمع بين الأصالة والحداثة.

اليوم يشاهد زائر المدينة المنورة الطابع المعماري للعديد من المواقع التاريخية التي استُخدمت الأحجار الطبيعية في بنائها، بجدرانها السميكة، وأحجارها المتناسقة، ولونها الموحّد، وأحجامها المتقاربة.

وجسّدت تلك المواقع مهارة الحرفيين في الاستفادة من الحجر في إعادة تأهيلها، وتوظيف النوع ذاته في استكمال الأجزاء المهدمة، وبأحجام مناسبة؛ لتُعيد للموقع الأثري جميع مكوناته، وشكله المعماري المتميز.

الحي التراثي  

أحد أبرز جهود الحفاظ على الهوية العمرانية تمثل في تدشين الحي التراثي عام 2015، الذي يجسد صورة حية للمدينة المنورة القديمة بكل تفاصيلها المعمارية والفلكلورية.

يُقدم الحي تجربة اجتماعية وتاريخية تفاعلية تتيح للزائر العيش في قلب تراث المدينة، ويخلق فرص عمل مستدامة لأبناء المنطقة، ما يعكس توازنًا بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على الهوية الثقافية.

ومن أهم ما يتميز به الحي:

  -وجود محلات تقدم منتجات تراثية متنوعة.

 - يعرض مهناً حرفية عريقة مثل المنسوجات والصناعات الفخارية والنجارة والحدادة.

 - مطاعم تقدم الأكلات الشعبية التي تذكر الزائر بأجواء المدينة القديمة.

 - جميع هذه المشاهد التي يحتضنها الحي ترسم بانوراما حية للتاريخ الحجازي، تمنح الزائر والسائح فرصة للتأمل والاستمتاع، وعيش فترة مقتطعة من أزمنة قديمة.

 - الاهتمام والتطوير الحكومي بعمران المدينة المنورة والحفاظ على تراثها ساهم بشكل كبير في زيادة عدد الزوار من داخل وخارج المملكة.

وفي أحدث تقاريرها، كشفت هيئة تطوير منطقة المدينة المنورة عن أن المدينة شهدت أكثر من 14 مليون زائر خلال عام 2023، بزيادة وصلت إلى 124% مقارنة بالعام 2014.