Logo

عطش عربي يهدّد الأمن الغذائي

 دخلت بلدان عربية مرحلة "الخط الأحمر" مائياً، إذ تهاوى مخزون السدود بشكل كبير خلال الصيف الجاري، الأمر الذي يهدّد الأمن الغذائي لهذه الدول. 

ويأتي العراق في مقدمة قائمة العطش العربي إذ انخفض فيه الخزين الاستراتيجي للسدود والبحيرات إلى حدود 14 ملياراً بعدما كان يناهز 60 ملياراً في فترات سابقة.

أما مصر فتشهد واحدة من أخطر أزماتها الاستراتيجية، التي تفرض عليها العيش في ظل معركة "بقاء مائي" يومية دفعها إلى رفع أسعار مياه الشرب، كما جاءت كل من السودان والصومال واليمن في قلب أزمة العطش.

وتشهد مصر واحدة من أخطر أزماتها الاستراتيجية، وهي ندرة المياه، تفرض على الدولة العيش في ظل معركة "بقاء مائي" يومية، بعد تراجع مستوى نصيب الفرد من المياه إلى أقل من مستوى خط الفقر المائي للفرد ليصبح 550 متراً مكعباً المحدد عالميا بنحو 1000 متر مكعب للفرد سنوياً.

 تدفع الأزمة الحكومة إلى رفع أسعار مياه الشرب وتلك المستخدمة بالصناعة بمعدلات مرتفعة ودورية، وفرض رسوم هائلة على تركيب طلمبات (مضخات) رفع المياه بالمناطق الصحراوية وحول نهر النيل، 

مع سعي دؤوب منها لبيع مياه النيل للمزارعين، وتجريم مستخدمي المياه النظيفة في غسل السيارات والشوارع.

ويرى خبراء الري أن الجهود التي تقوم بها الحكومة لمواجهة أزمة المياه تنقصها الشفافية، خاصة في إدارة ملف سد النهضة، الذي شهد غياب اتفاق قانوني ملزم مع إثيوبيا وترك مصر عرضة لمخاطر كبيرة خلال فترة الجفاف أو عند تشغيل سد النهضة بكامل سعته مع ضعف كفاءة استخدام المياه في الزراعة والإسراع نحو تحليه مياه البحر،

 في ظل أزمة مالية حادة وارتفاع قيمة الديون الأجنبية وعدم قدرة السلطات على تغيير أنماط استهلاك المياه المستخدمة في المنازل والزراعة والصناعة، وتجريف الأراضي القديمة والتوسع في إنشاء مساحات زراعية ومدن بأراض جديدة تحتاج إلى كميات هائلة من المياه.

وتعمّق مشكلة المياه والجفاف أزمة الغذاء في اليمن، وسط تحذيرات أممية من تدهور واسع في الإنتاج الزراعي، نتيجة شح المياه واستمرار الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، ما يُنذر بتداعيات خطيرة على الأمن الغذائي والزراعة في البلاد.

لم تتوقف تأثيرات أزمة المياه عند حدود تدهور قطاعات اقتصادية حيوية، وتراجع إنتاج الحبوب والبن وعديد المحاصيل الغذائية، 

بل وصلت إلى مستوى انعدامها للشرب والاستخدامات اليومية في ظل تفجر أزمات وصراعات واحتجاجات شعبية مرشحة للتصاعد خلال الفترة القادمة.

وتؤكد منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، إلى استمرار ارتفاع درجات الحرارة فوق المعدل خلال مايو/أيار الماضي، حيث تجاوزت 42 درجة مئوية في المناطق الشرقية والساحلية، وأدت هذه الظروف إلى زيادة معدلات التبخر، وانخفاض رطوبة التربة، وإجهاد المحاصيل، حتى في مناطق المرتفعات التي تتميز عادةً بدرجات حرارة أكثر برودة.

وتتعرض الموارد المائية لضغوط إضافية شديدة وصلت إلى ذروتها هذا العام في اليمن، بسبب ضعف تدفق المياه وارتفاع الحاجة إلى الري. 

وتوقعت "الفاو" أن يؤثر استمرار الظروف المناخية نفسها بإنتاج الحبوب خلال العام الجاري 2025، حيث "ستؤدي توقعات نقص المياه وجفاف الطقس وارتفاع درجات الحرارة بين إبريل/نيسان ويونيو/حزيران إلى انخفاض رطوبة التربة بشكل أكبر، ما يُقلل من فرص إنتاج المحاصيل.

وتتكرر أزمة عطش السودانيين سنوياً في فصل الصيف، وتتراءى مشاهد نقل المياه من نهر النيل والآبار عبر الدواب والعربات، في وقت يشهد فيه السودان انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي المغذي للمحطات الناقلة للمياه التي تعرّض الكثير منها للتخريب على أيدي مليشيات الدعم السريع، حسب تصريحات حكومية.

وتظهر ملامح العطش القادم بوضوح في مدن وقرى كثيرة في السودان، وبينها العاصمة الخرطوم، التي تعاني أحياء كثيرة فيها من أزمات دائمة في الحصول على المياه الصالحة للشرب، في وقت تبلغ نسبة المياه المستغلة من المصادر الجوفية حوالي 60% في مقابل 40% من المصادر النيلية،

 حسب مسؤولين شكوا من ضعف التمويل لإنشاء محطات نيلية توفر مزيداً من مخزون المياه.

وفي وقت سابق، كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، عن تضرر 70% من مرافق المياه في 13 ولاية من أصل 18، جراء تدمير البنية التحتية، وقالت في بيان سابق إن النزاع دمّر البنية التحتية للمياه، ما أثر بعمل مرافق المياه بنسبة 70% بسبب الأضرار الجزئية أو الكاملة.  

خبير السدود والمياه الصادق شرفي أرجع أسباب أزمة المياه إلى الضخ المباشر بدون إجراء اختبار، وإهمال فكرة الخزانات العلوية، وإقامة الآبار العشوائية، فضلاً عن عدم تجديد الشبكات، وتخريب الكثير من المحطات أثناء الحرب.

ووصل الأردن إلى مرحلة الخطر المائي، إذ أعلنَ رسمياً عن وصول مخزون السدود في البلاد إلى الخط الأحمر نتيجة لتراجع الهطولات المطرية وتدني ضخ المياه الجوفية، ما استدعى وضع خطط طوارئ للتعامل مع هذه التحديات بما يضمن توفير المياه للمواطنين والقطاع الزراعي قدر المستطاع.

ويعاني الأردن في الأصل عجزاً مائياً كبيراً، حسب تصريحات سابقة لوزير المياه رائد أبو سعود، الذي قال إنّ العجز المائي ارتفع إلى حوالى 400 مليون متر مكعب سنوياً،

 إذ تراجعت المصادر المائية وإجمالي المياه المتوفرة من جميع المصادر التي تقدر بنحو 1115 مليون متر مكعب، منها نحو 510 ملايين متر مكعب للاستخدامات البلدية، و570 مليون متر للاستخدامات الزراعية والحيوانية، ونحو 35 مليون متر مكعب للاستهلاك الصناعي إضافة إلى الاستخدامات الأخرى.

كما توسعت الزراعة المروية حسب أبو السعود وتقلصت الزراعات البعلية في المرتفعات البالغة (حوالى 2.8 مليون دونم) وهي تستهلك نحو 580 مليون متر مكعب من المياه الجوفية والسطحية والمعالجة.

ويصنف الأردن واحداً من أكثر بلدان العالم فقراً في المياه، إذ تبلغ حصة الفرد نحو 60 متراً مكعباً سنوياً مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 500 متر مكعب، 

ونتيجة لتراجع هطول الأمطار وربما انحباسها الموسم الحالي، فإنّ حصة الفرد في الأردن مرشحة للانخفاض إلى أقل من ذلك خلال السنوات المقبلة، إضافة إلى الآثار التي ستلحق بالقطاع الزراعي وتأثره كذلك بتراجع مساحات الأراضي المزروعة.