وجه حضاري متجدد.. "مصيرة" العمانية تشهد نهضة عمرانية
تتجه سلطنة عُمان إلى تعزيز حضورها التنموي في ولاياتها الساحلية بما يتماشى مع خطط التنويع الاقتصادي على مستوى الخليج.
وتبرز ولاية مصيرة نموذجاً واضحاً لهذا التوجه، حيث تجمع بين موقع استراتيجي على بحر العرب، وموارد طبيعية تزخر بالفرص، واستثمارات حكومية موجهة للإسكان، والنقل، والأنشطة البحرية.
كذلك تعمل الجهات المختصة على تطوير مخططات سكنية جديدة، وإنشاء قرية متكاملة للصيادين، وتوسيع المرافق البحرية لرفع كفاءة النقل وتعزيز الاقتصاد المحلي، في خطوات تعكس ديناميكية التخطيط العمراني العُماني وانسجامه مع "رؤية عُمان 2040".
تخطيط حضري
وفي إطار ذلك، اعتمدت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني المخطط الهيكلي لولاية مصيرة نهاية عام 2023، لتصبح أول ولاية في السلطنة تحصل على خطة حضرية متكاملة.
كما أشارت صحيفة "عُمان"، في 23 أغسطس 2025، إلى أن هذا المخطط، الذي بدأ العمل عليه منذ 2013، يستهدف تنظيم النمو العمراني، وتقليل البناء العشوائي، وتسهيل تقديم الخدمات العامة بكفاءة أقل كلفة.
ومن أبرز مخرجاته استحداث 6 مخططات سكنية متكاملة، تضم شبكات طرق، وخدمات كهرباء ومياه، ومواقع مخصصة للمرافق العامة، وقد بدأ تسكين المستحقين في المخطط الأول، فيما يجري اعتماد بقية المواقع تدريجياً.
ولم يقتصر العمل على الجانب السكني فقط، بل شمل تعزيز الأنشطة الاقتصادية، إذ وقّعت الوزارة 59 عقد انتفاع تجاري وصناعي، ما يسهم في تنشيط الاستثمار المحلي وخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة.
وفي إطار الأمن الغذائي، يجري التعاون مع وزارة الثروة الزراعية والسمكية لتخصيص أراضٍ لمشاريع نوعية مثل استزراع المحار الصخري وخيار البحر وتربية الدواجن، بهدف تحسين الاكتفاء الذاتي وفتح مجالات استثمارية جديدة، تمثل جانباً مهماً من استراتيجية الدولة في تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط والغاز.
مكانة تاريخية وتجارية
يؤكد الباحث حارث سيف الخروصي أن جزيرة مصيرة تتمتع بموقع استراتيجي هام في بحر العرب، وقد ذكرتها العديد من المدونات التاريخية، حيث نزل بها الرحالة ابن بطوطة، وكان ربان السفينة من أهلها، مما يدل على أهميتها التاريخية والتجارية.
ويضيف الخروصي :
- الجزيرة تضم مقومات اقتصادية عديدة، أبرزها خام النحاس الذي تم تعدينه منذ عصور قديمة.
- صيد الأسماك يظل النشاط الاقتصادي الأهم لسكانها، وهي أكبر جزر سلطنة عُمان، كما أنها كانت قاعدة مهمة للقوات البريطانية بعد الحرب العالمية بفضل موقعها الحيوي على طرق الملاحة العالمية.
- مصيرة تفتقر إلى طريق بري يربطها بالمدن العُمانية الأخرى، ويعتمد السكان بشكل كبير على النقل البحري، بالإضافة إلى النقل الجوي الذي يربطها بالعاصمة مسقط.
- تسعى الحكومة العُمانية لتوفير موارد اقتصادية جديدة للسكان، ويمكن لإقامة قرية نموذجية للصيادين أن تعزز صيد الأسماك الحرفي، ويوفر دخلاً لشريحة واسعة من المواطنين.
- تنفيذ مخططات سكنية جديدة سيعزز التخطيط العمراني ويساعد في إعداد إحصاءات سكانية متكاملة.
- مصيرة تعد وجهة جذابة لهواة صيد الأسماك والتخييم من دول الخليج، ومن المهم توفير بنية تحتية ملائمة في هذا القطاع، مثل السكن والإعاشة، لدعم السياحة وتنميتها.
- البحث وإجراء دراسات معمقة حول القطاعات التعدينية قد يعزز الموارد الاقتصادية لسكان مصيرة، كما أن التفكير في إنشاء موانئ لإعادة التصدير ومناطق اقتصادية متكاملة سيكون له مردود اقتصادي كبير.
استثمارات بحرية
وتمثل الثروة السمكية أحد أعمدة الاقتصاد المحلي في مصيرة، إذ يعتمد عدد كبير من السكان على الصيد مصدراً رئيسياً للدخل.
كما تشير البيانات الرسمية إلى أن الإنتاج بلغ 25 ألف طن، بقيمة 23.2 مليون ريال عُماني (نحو 60.2 مليون دولار)، وهو رقم يعكس أهمية هذا القطاع في تحسين المستوى المعيشي لسكان الولاية.
ولتعزيز قدرات الصيادين، يجري تنفيذ قرية نموذجية تتسع لنحو 100 صياد، مزودة بمرافق خدمية وسكنية تشجع على ممارسة المهنة بشكل منظم، وتقلل من التحديات التي يواجهها العاملون في البحر.
كما تعمل الوزارة على مشروع ميناء متعدد الأغراض يهدف إلى توفير بنية تحتية متطورة لإنزال وتسويق الأسماك، وتحقيق قيمة مضافة عبر تعزيز السياحة والنقل البحري.
بدوره أوضح مدير عام الموانئ بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، مهنا بن موسى بن باقر، أن "الوزارة أسندت أعمال مناقصة الخدمات الاستشارية لتأهيل مرفأي شنة ومصيرة، ضمن خططها الاستراتيجية لتطوير البنية الأساسية للموانئ".
كما أشار، في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية، في 16 أغسطس الجاري، إلى أن "المشروع سيستغرق نحو 8 أشهر من الدراسات والخدمات الاستشارية، ويتضمن أعمال تأهيل للأرصفة وكواسر الأمواج والجسر المؤدي إلى المرفأ، إضافة إلى وضع مخطط عام وتنظيم شامل يواكب احتياجات النقل البحري المتزايدة".
ويتكون الميناء المرتقب من كواسر أمواج بطول يتجاوز 4 كيلومترات، وأرصفة ثابتة يبلغ طولها نحو 590 متراً، و13 مرسى عائماً للقوارب وسفن الصيد والنزهة، إضافة إلى سوق للأسماك مطروح للاستثمار بنظام الدلالة لتوفير أسعار عادلة للصيادين.
وتأتي هذه التحديثات بالتوازي مع دور الشركة الوطنية للعبارات التي نقلت أكثر من 110 آلاف مسافر و30 ألف مركبة بين يناير ويوليو الماضيين عبر عبارتين رئيسيتين، وتُسير الشركة 8 رحلات يومياً بطاقة استيعابية تصل إلى 150 راكباً و38 مركبة في الرحلة الواحدة، رغم التحديات الموسمية الناجمة عن الرياح الموسمية وارتفاع الأمواج.
كما يعكس هذا الزخم في المشاريع توجهاً خليجياً أوسع نحو استثمار الموارد الساحلية وتطوير البنية التحتية البحرية، ليس فقط لدعم المجتمعات المحلية بل لفتح آفاق جديدة للسياحة والخدمات اللوجستية.
ومع استمرار هذه الجهود تبدو ولاية مصيرة مثالاً على كيفية توظيف الموقع الجغرافي والموارد الطبيعية في خدمة التنمية المستدامة.