"البريكس" .. القوى الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين

 لم يتوقّع جيم أونيل خبير الاقتصاد في بنك (غولدمان ساكس) عام 2001، أن لدراسته بعنوان بناء عالم اقتصادي أفضل "بريك"، وأن يكون لبحثّه عواقب جيوسياسيّة بعد أن أصبح المشهد الاقتصادي نقطة الارتكاز، لإعادة التوازن العالمي بين اقتصاديات الدول الكبرى وحاجة العالم إلى بناء الدول الناشئة لتحقيق النمو الاقتصادي وهكذا كان (مجموعة البريكس).

الكتاب يلقى الضوء على فكرة التأسيس، حيت إن مصطلح «بريك» BRIC، الذي وضع من قبل بنك استثمار أميركي، تمّ تبنّيه من قبل الجهات المعنية والمهتمين بشؤون العولمة. فمن خلال الجمع بين أربع دول (البرازيل، وروسيا والهند والصين)، بات هذا المصطلح يسمح بفهم أن مركز ثقل الاقتصاد العالمي تحوّل لمصلحة «الاقتصادات الناشئة»، كما بات يسمح بالتعريف بالقوى الاقتصادية والسياسية الرئيسية الجديدة في العالم، ثم انضمت جنوب أفريقيا إلى المجموعة الجديدة، وبات مصطلح "البريكس" BRICS يرمز إلى هذه القوى الناشئة الخمس كقوى ذات وزن اقتصادي في القرن الحادي والعشرين.

كتاب "البريكس- القوى الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين" للأستاذ الجامعي باسكال ريغو، يحتوي على تمانية فصول، صادر عن مؤسسة الفكر العربي، نقله طوني سعادة الى العربية.

نظام عالمي جديد

 يعتقد المؤلف باسكال ريغو أن منظمة دول البريكسBRICS  تسعى إلى خلق نظام عالمي جديد متعدد القطبيّة تقوده لاحقاً، كما تسعى المجموعة إلى تعزيز التّعاون الاقتصاديّ والسّياسيّ والثّقافيّ لتحقيق مصالح الدّول المشتركة، من خلال تشكيل نظام اقتصاديّ متعدّد الأقطاب، يكون مؤثّراً في رسم السّياسات العالميّة الجديدة، وله القدرة على الصّمود في وجه ما يعتري العالم من أحداث اقتصاديّة.

من هنا بدأت دول "بريكس" بتشكيل مجموعة من المؤسسات والأنظمة، فأنشأت مصرفاً جديداً موقعه مدينة شنغهاي الصّينيّة سُمّي "بنك التّنمية الجديد" وصندوقاً أُطلِق عليه "صندوق بريكس"، ليكونا بديلين للبنك الدّوليّ وصندوق النقد الدّولي. وتم إنشاؤهما لدعم النّموّ والتّنمية على المستوى الدولي، ما يمثّل الخطوة الأولى في مخطّط المجموعة لإنشاء نّظام عالمي جديد. 

ولعل الهدف غير المعلَن يتمثّل في إنشاء مؤسّسات دوليّة رديفة للمؤسّسات الاقتصاديّة الدّوليّة الحالية، أي لتحرير العالم من قيودها وتأثيرها، والتحكم في رسم السياسات الدولية العامة.

وجاءت التحولات الاقتصادية الكبرى لمصلحة مجموعة "بريكس" حيث اكتسبت، خلال الفترة الأخيرة، المزيد من الزخم؛ بعدما، عُقِدت القمة الرابعة عشرة المُكوَّنة من (روسيا، والصين، والهند، والبرازيل، وجنوب أفريقيا) والتي تضم في عضويتها خمس دول تسيطر على نحو 41% من سكان العالم، كما تغطي مساحة الدول الأعضاء نحو 40 مليون كيلومتر مربع؛ أي ما يعادل 26% تقريباً من إجمالي مساحة العالم، فيما تستحوذ دول التجمع على نحو 26% من الناتج الإجمالي العالمي بحسب تقديرات عام 2022. ومن المُتوقَّع أن تصل هذه النسبة إلى 33% بحلول عام. فضلاً عن ذلك، فإن إجمالي الاحتياطي النقدي الأجنبي المشترك لدول تجمع البريكس يُقدَّر بنحو 4 تريليونات دولار.

يشير المؤلف الى أن مجموعة "البريكس" تمتلك مقومات قوة تؤهلها لتشكيل قطب دولي فاعل وقادر على وضع قواعد لهذا النظام، وفي المقابل لديها ما يكفي من عوامل الضعف التي قد تؤثر في عملها، وخاصة علاقة بعض دولها الوطيدة مع الولايات المتحدة. وبرغم هذا يرى مختصون أن عناصر القوة هذه، بإمكانها التغلّب على نقاط الاختلاف وعوامل الضعف للحد من هيمنة النظام الدولي الأحادي القطب.

توصيف الدول الناشئة

يلحظ المؤلف تصنيف الدول من قبل مجموعة البنك الدولي لاقتصادات البلدان الأعضاء في البنك الدولي (188) بلداً أو إقليماً وفقاً لثلاثة معايير رئيسية تحليلية: معيار الموقع الجغرافي، ومعيار الدخل، الذي يُحتسب بالاستناد إلى متوسط الناتج الوطني القائم للفرد، والمعيار المالي، أي فئة القروض.

يسمح متوسط الناتج الوطني القائم للفرد بالتمييز بين البلدان ذات الدخل المنخفض والبلدان المتوسطة الدخل والبلدان ذات الدخل المرتفع.

البلدان المنخفضة الدخل هي البلدان التي بلغ فيها متوسط الناتج الوطني السنوي القائم للفرد 1035 دولاراً سنوياً أو أقل، ولدى هذه البلدان مستويات معيشة منخفضة، بخاصة أنها تنتج القليل من السلع والخدمات في السوق. يُعتبر متوسط الناتج الوطني القائم للفرد مؤشّراً على الدخل، ولكنّه أيضاً مؤشّر على مستوى الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية.

نظراً لتكاثر التصنيفات والتسميات، فإن عبارة «بريك» BRIC التي اقترحها بنك الاستثمار غولدمان ساكس، ثمّ «بريكس» (2011) BRICS، فرضت نفسها، ويُفسَّر الخبراء الاقتصاديون نجاح هذه اللفظة الجديدة بتمييزها الدقيق للقوى التجارية والمالية الكبرى في المستقبل (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) من بين البلدان الناشئة ومن قدرتها أيضاً على تعريف الواقع الجيوسياسي الجديد. باختصار، هي توفّر إطاراً ومفهوماً جديدين لفهم العولمة في القرن الحادي والعشرين.

وكان هدف البنك الاستثماري الأميركي تعريف عملائه (الشركات متعدّدة الجنسيات، وصناديق التقاعد، والصناديق السياديّة، وما إلى ذلك) بالدول التي سوف تشكّل مستقبلاً مجالات رئيسيّة للنموّ في القرن الحادي والعشرين. وهي بلدان البرازيل وروسيا والهند والصين من بين الدول المرشّحة المحتملة وذات «النموّ السريع المحتمل»، بوصفها مناطق أساسيّة للاستثمار، سواء من قبل الشركات متعدّدة الجنسيات في الدول المتقدّمة – نظراً لحجم سوقها وديناميّة حركة صادراتها.

يعتقد المؤلف أنه تأكّدت الفرضية القائلة بخصوصية أو تفرّد البلدان الأربعة، ودافع الخبراء عن فرضية جريئة هي: أن الناتج المحلي الإجمالي لدول البريكس سيتجاوز في العام 2050 مثيله في الدول الصناعية الرئيسية، أي مجموعة السبع (ألمانيا، كندا، الولايات المتحدة فرنسا، إيطاليا، اليابان، والمملكة المتحدة).

توقعات فريق غولدمان ساكس، بقيادة جيم أونيل Jim O'Neill، حدّدت شروط هذا المعطى الجديد. أولاً، نمو دول البريك لن يكون متساوياً في ظلّ نموّ أكبر وأقوى للناتج المحلي الإجمالي في الهند والصين من مثيله في روسيا والبرازيل. ومع ذلك، وأياً كان وضع البريك، فإن نموّه سيكون أسرع بكثير من نموّ البلدان الصناعية، حتى على مدى طويل. ثم إن تغيّر تراتبية مواقع القوّة الاقتصادية سيحصل في الأول من القرن قبل حلول العام 2050، ستصبح الصين أكبر قوة اقتصادية وستتقدّم على الولايات المتحدة. وحدهما الولايات المتحدة واليابان ستبقيان من ضمن الاقتصادات الستة الكبرى في العالم، وستحتل الهند المركز الثالث متقدمة بذلك على اليابان. باختصار، سوف يكون الوضع بين دول البريكس ومجموعة الدول الصناعية السبع G7 بشكل معاكس لما هو عليه اليوم.

التحولات الاقتصادية الكبرى 

ب. بطاقات هويات دول البريكس

جمهورية البرازيل الاتحادية هي اتحاد مقسم إلى 26 ولاية، ومقاطعة اتحاديّة.

الاتحاد الروسي يتكون من 21 جمهورية، فضلاً عن 10 دوائر انتخابية وطنية، و6 أقاليم و51 منطقة منها 49 إقليماً ومنطقتان مدينيّتان هما سانت بطرسبرغ، وموسكو. جمهورية الهند هي اتحاد ولايات و7 أقاليم. جمهورية الصين الشعبية هي دولة مركزية مقسمة إلى 22 مقاطعة، و5 مناطق حكم ذاتي و4 بلديات مستقلة. 

جمهورية جنوب أفريقيا هي دولة اتحادية تتألف منذ العام 1994 من 9 محافظات.

تتميز البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا بأن لديها أنظمة سياسية مختلفة،  فهي تتميز بحجمها، فهي مجموعة مؤلفة من خمس دول ذات حجم وازن على المستوى القاري، إذ تمثل روسيا والصين خمس مساحة الكرة الأرضية، فيما تقع البرازيل والهند في المرتبتين الخامسة والسابعة على التوالي من حيث المساحة. أما جمهورية جنوب أفريقيا، ولئن كانت الأصغر مساحةً من بين دول بريكس الخمس، إلا أنها واحدة من أكبر دول أفريقيا، وتبلغ مساحتها 1.2 مليون كيلومتر مربع، وهي مساحة أكبر من مصر أو نيجيريا. 

تنتشر عبارة الأسواق الناشئة بطريقة متكررة في الكتاب، وتعرف في المنظمات الدولية (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية) لأنها تحمل دلالة إيجابية. هذا المصطلح المقترح من قبل بنك الاستثمار الأميركي، له فائدة في التعريف - بقصص نجاح مختلفة - بخمس قوى قارّية وديموغرافية شهدت نمواً قوياً على مدى فترة طويلة من الزمن، بقدر ما شهدت أسواقها المالية تطوّراً سريعاً. وهكذا فإن عبارة "بریکس" فرضت نفسها على الجميع عندما أصبحت واقعاً جيوسياسياً. في 16 حزيران / يونيو 2009، بعدما اجتمع قادة دول البرازيل وروسيا والهند والصين في إيكاترينبورغ (روسيا) لعقد اجتماع قمة؛ فأصبحت «البريك» قائمة رسمياً. في كانون الأول /ديسمبر 2010، وبمبادرة من الحكومة الصينية، دُعيت دولة جنوب أفريقيا - البلد الأفريقي الوحيد العضو في مجموعة الـ20 - للانضمام إلى النادي الجديد. فباتت «البريكس» الآن مادة للتحليل الاقتصادي وواقعاً سياسياً.

اقتصاد البرازيل

والبرازيل هو البلد الوحيد من دول البريكس الذي لم يضع خطة خمسيّة. ومع ذلك، أطلقت حكومتها في كانون الثاني / يناير 2007 برنامجاً للنمو المتسارع. البرنامج هو عبارة عن مجموعة من التدابير الرامية إلى تعميق تحرير الاقتصاد (إزالة الحواجز التي تعيق الإنتاج وخفض الضرائب وزيادة الاستثمارات العامة في البنية التحتيّة) على حد سواء، وبخاصة أن  البرازيل هي القوة الاقتصادية الرئيسية في أميركا اللاتينية. فبعد عقود من الصعوبات الاقتصادية والمالية، شهدت البلاد سنوات مجيدة مع ارتفاع معدلات النمو والسيطرة على التضخم. كما أن صعود طبقة وسطى جديدة يتطلب من الحكومات اهتماماً أكبر بتمويل البنى التحتية، وذلك لخدمة أكبر عدد من الناس (وسائل نقل عام، وصرف صحي، وطاقة، إلخ)، فضلاً عن ضرورة إيلاء الأهمية لمسألة عدم المساواة في الأجور. ولذلك، فإن التحدّيات ستكون أكبر بما أن النمو في البلاد آخذ في التباطؤ.

التحولات الاقتصادية في روسيا

يُصنف الاتحاد الروسي ضمن مجموعة الدول ذات مستوى التنمية العالي (المركز 55). فيما لم يؤثر الانتقال إلى اقتصاد السوق على نمو الناتج المحلي الإجمالي على المدى القصير فقط، وإنما على نوعية الحياة أيضاً. ومع ذلك، ومنذ العام 2005، يتحسّن مستوى التنمية البشرية في جميع المناطق في روسيا الإتحادية، مسجّلاً متوسط نمو سنوي بلغ نحو 0.8% خلال العقد الماضي. أما الآن فقد تغيرت الظروف المعيشية إيجاباً ( طبعاً قبل الحرب الأوكرانية)، ما وضع الاتحاد في المرتبة 55 من أصل 188 دولة، في حين كان ترتيبه فوق الـ70 في العقد الماضي. فقد ارتفع متوسط الناتج الوطني القائم للفرد وفقاً لقياس القوة الشرائية إلى 14808 دولار كما تعدّل متوسط العمر المتوقع عند الولادة (69)، وذلك على الرغم من أنه لا يزال أقلّ من نظيره في الدول المتقدمة. وبات متوسط عدد سنوات الدراسة (11.7 عاماً) الأعلى من بين دول البريكس. وفضلاً عن ذلك، تتمتع روسيا بأعلى معدلات معرفة القراءة والكتابة بين البالغين في العالم (معدل دول البلطيق وكوبا نفسه).

خلافاً لبلدان البريكس الأخرى، لا تتوافق مؤشرات الفقر في روسيا مع الخصائص الكلاسيكية للبلدان الناشئة. فالشعب الروسي لم يواجه ما يعيقه عموماً للحصول على المعرفة ولتأمين مستوى معيشي لائق؛ وكان حوالى 11% من الأسر يعيشون تحت خط الفقر. لكن هذا المعدّل الوطني يبقى مع نظيره في الصين، أدنى بكثير من المعدّلات التي سُجِّلت في باقي دول مجموعة البريكس.

روسيا هي أكثر بلد من بلدان البريكس تقدّماً وأكثرهم (هشاشة) على حدّ سواء. فهذا البلد الذي يتمتع بواحد من أعلى مستويات معرفة القراءة والكتابة لدى الراشدين في العالم، لكنه يواجه عقبات في تنويع صناعته وفرض نفسه في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية. فالنُخب الاقتصادية، وحتى السياسية والعسكرية أيضاً، تعيش على ريع الموارد المالية للنفط والغاز. وهذا ما يجلب موارد نقد أجنبي ضخمة، لكن من دون أن يحول ذلك دون تبيّن الأعطاب القائمة في البلاد، سواء في المجال المالي أم السكاني.

التحولات الاقتصادية في الهند

يعتقد المؤلف أن أزمة المدفوعات في الهند في العام 1991، وسياسات الإصلاح البنيوي التي فرضها صندوق النقد الدولي في مقابل منح مساعدات مالية أسهمت في تسريع اعتماد استراتيجية نمو جديدة تقوم على تحرير الاقتصاد والانفتاح الدولي الذي تجذرت في ثمانينيات القرن الماضي. الإصلاحات الحكومية الذي قادها مانموهان سينغ (1996-1991) ترجمت إلى عملية خصخصة كبرى، وانضمام البلاد إلى منظمة التجارة العالمية (OMC)، وزيادة الانفتاح على الاستثمار الأجنبي، فضلاً عن إصلاحات في شروط تمويل الاستثمارات.

علماً أن الاقتصاد الهندي لا يخفي التحدّي الرئيسي الذي يواجه هذا العملاق الديموغرافي وهو مكافحة الفقر. ومع ذلك، قامت الحكومة بتلبية التطلعات المتنامية للطبقة المتوسطة التي تتطلب ما هو أكثر من البرامج الاجتماعية، ولاسيما تطوير البنية التحتية التي تصاحب التحضّر أو التمدن في البلاد.

ولئِن تميّز رصيد ميزان الخدمات بفائض هيكلي، فإن الهند لا تزال تمثل اقتصاداً صناعياً يواجه العديد من المعوّقات، لعلّ من أبرزها الاعتماد الكبير على واردات الطاقة والتكنولوجيا. غير أن الهند لا تخلو من الموارد ولاسيما أن مستوى عالياً من التعليم يعم كلّ شرائح المجتمع، بحيث يُتوقع أن ينتج عن ذلك تحسين في إنتاجية القوى العاملة اللازمة لاندماج الشركات الصناعية والخدماتية الهندية في الاقتصاد العالمي.

التحولات الاقتصادية في الصين  

وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي، فإن الناتج المحلّي الإجمالي (PIB) في الصين بلغ في العام 2017 نحو 12714 مليار دولار. وقد أصبحت الصين، وهي أكبر اقتصاد في دول البريكس، ثاني أكبر اقتصاد في العالم أيضاً، متقدمة بذلك على اليابان. قبل الألفية الثانية، شكّلت حصة الصين في الإنتاج العالمي أقل من 7% فيما تبلغ هذه الحصة اليوم 15%؛ لكن من المتوقع أن يتعزّز موقعها في الاقتصاد العالمي لأن حصتها في الإنتاج العالمي تجاوز في السنوات الماضية 18%. في العام 2014، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي  في الصين إلى حوالى 19778 مليار يوان رنمينبي (أو 9641.9 مليار دولار). وعلى مدى العقد الماضي (2000-2010)، سجل الناتج المحلي الإجمالي أعلى معدل نموّ بين دول البريكس، بزيادة قدرها 394.8%، أي أربعة أضعاف تقريباً من الثروة المنتجة خلال عشر سنوات. كما شهدت البلاد نموّاً قوياً وتحسّناً في الأداء التنموي. وبالتالي، فإن الصين هي الدولة الناشئة التي برزت أو صعدت» عالمياً.

التحولات الكبرى في جنوب أفريقيا

وفقاً لتوقّعات صندوق النقد الدولي، فإن الناتج المحلّي في جنوب أفريقيا ارتفع إلى 549.2 مليار دولار في السنوات الماضية، واقتصاد جنوب أفريقيا هو أصغر اقتصاد في بلدان البريكس، لكنّه الركيزة الأفريقية لهذه القوى الناشئة. ومن المتوقع أن تستقر حصة جنوب أفريقيا في الاقتصاد العالمي على 0.7% من الإنتاج العالمي.

تمكنت جنوب أفريقيا من البروز كقوة أفريقية على الصعيد العالمي. وقد وضع البلد تحوّله السياسي وتدويل اقتصاده في صدارة الأولويات. وغالباً ما يجري مدح صدقية المؤسسات الخاصة ونوعية الأسواق المالية في جنوب أفريقيا من قبل مراكز الفكر في جميع أنحاء العالم (كالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس). أما بورصة جوهانسبرغ للأوراق المالية، فهي الأكبر في أفريقيا وواحدة من الأسواق العشرين الأكثر أهمية في العالم. 

ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من التحديات، سواء على الصعيد الاقتصادي أم الاجتماعي وكما هو الحال في جميع دول البريكس، أصبح فساد البيروقراطية الحكومية هو التحدّي الذي يواجه تماسكاً اجتماعياً، وعلى نطاق أوسع.

أهداف مجموعة "البريكس"

ثمَّة أهداف متعددة قد تُفسِّر دوافع الدول الخمس الأعضاء في مجموعة "البريكس"، لتعزيز أطر التعاون المشتركة بينها، وخاصةً في ظل التداعيات التي فرضتها الحرب الأوكرانية على العالم. ويمكن الإشارة إلى أبرز الأسباب المُفسِّرة لتلك التحركات المتصاعدة فيما يلي:

1- الالتفاف على العقوبات الغربية: أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده بصدد تغيير مسار التجارة البينية والصادرات النفطية إلى دول مجموعة "بريكس" وغيرها من الأسواق الناشئة نتيجة العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، في محاولة لإحلال تلك الأسواق محل نظيرتها الغربية، في إشارة للالتفاف على العقوبات الغربية. وبالرغم من أن البعض قد يرى أن ذلك التعاون قد يأتي في ظل تحالف شرقي بين الدول الثلاث، بالإضافة إلى كوريا الشمالية، فإنه لا يمكن إغفال أن ذلك قد يصبُّ في مصلحة التجمع؛ إذ يثبت فاعليته باعتباره نظاماً بديلاً تُقدِّمه روسيا بالشراكة مع بقية الدول الأعضاء،  بالاشتراك مع شركائها في "بريكس"، مثل توسيع نطاق نظام الدفع الروسي  MIR، وبحث إمكانية إنشاء عملة احتياطية دولية على أساس سلة عملات التجمع.

2- مواجهة أزمة الغذاء: دفعت المخاوف بشأن تهديدات الأمن الغذائي العالمي، أعضاء "بريكس" إلى تبادل المحاصيل الاستراتيجية التي تتمتع بها كل دولة بوفرة كبيرة في إنتاجها، وأهمها الحبوب، الأمر الذي يمثل مصدراً جذاباً إضافياً للدول الأخرى يشجعها على الانضمام إلى التجمع، أو تكثيف التعاون معه كحد أدنى.

3- تأكيد مكانة التجمع في النظام الدولي: أعربت دول "بريكس"، عن افتقارها إلى أدوات التأثير في المؤسسات الدولية التي يهيمن عليها الغرب. إذ تسعى كل من البرازيل والهند وجنوب أفريقيا حالياً إلى رفع مكانتها في النظام الدولي، عن طريق الضغط للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولكن من دون جدوى حتى الآن. 

إن نجاح دور تجمع البريكس في بناء نظام اقتصادي عالمي جديد، لا تهيمن فيه الدول الغربية بمؤسساتها المختلفة على السياسات الاقتصادية، مرهوناً بتجاوز عدة تحديات رئيسية، من أبرزها:

1- التأثير المعاكس للنزاعات الداخلية: تُواجِه دول "بريكس" نزاعات وخلافات داخلية فيما بينها، منها خطة توسيع عضوية التجمع؛ حيث قد تعيق نيودلهي مساعي بكين لإدراج أعضاء جدد في التجمع، نتيجة عدم رغبتها في رؤية المزيد من الأعضاء في مجموعة تلعب فيها الصين دوراً مهيمناً، لأنها تخشى المزيد من النفوذ الصيني على الصعيد العالمي. 

2- قدرة الأسواق الناشئة على الانضمام إلى التكتل: بالرغم من أن البعض يتوقع أن يشهد التكتل مزيداً من الزخم في ظل وجود رغبة حقيقية من دول عدة في الانضمام إليه، مثل مصر والسعودية والجزائر وتركيا والأرجنتين وإيران، فإن ذلك النجاح لا يزال مرهوناً بأمرين؛ أولهما درجة الضغط الأميركي على تلك الدول لإجبارها على عدم الانضمام إلى تجمع غير متحالف مع النظم الاقتصادية الغربية، خاصةً أن الدول الراغبة في الانضمام لا تزال في حاجة كبيرة إلى مساعدات المؤسسات الاقتصادية الغربية، ثانيهما درجة اتساق المواقف السياسية والاقتصادية للدول الأعضاء، خاصةً تركيا التي تتمتع بعضوية حلف الناتو؛ الأمر الذي قد يزيد التعقيدات حول مدى تقارب وجهات النظر فيما بينها.

3- معضلة الاتفاق على إزالة الدولرة: تقود كل من روسيا والصين مبادرة لإزالة الدولرة داخل دول "بريكس"، وقد أيَّدت الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا تلك المبادرة، وقد ظهر ذلك جلياً عندما اتجهت كل من الصين والهند إلى تنشيط حركة التجارة الدولية مع نظيرتهما الروسية باستخدام العملات المحلية الثلاث. ومن ثم سيعتمد نجاح أداء هذا التكتل على مدى قدرته على تقليل الاعتماد على الدولار في مبادلاتها الدولية، على الأقل فيما بينها، خاصةً أن دول التجمع، ما عدا روسيا، لا تزال تتمتع بعلاقات اقتصادية وثيقة بالدول الغربية، ومن ثم سيصعب عليها فكرة التخلي الكامل عن استخدام الدولار والاعتماد على سلة عملات "بريكس" فقط. 

وما سيعقد الأمور أكثر هو احتمالات انضمام دول أخرى إلى المنظمة، ومدى قدرتها على التخلي عن الدولار واستبدال العملات الأخرى به.

إن النمو الاقتصادي القوي الذي تحقق وتطبيق الإصلاحات الاقتصادية، فضلاً عن استراتيجيات التنمية التي جسّدت خيارات معبّرة عن كيفية الاندماج في الاقتصاد العالمي، هي  عناصر جعلت من دول البريكس قوى منافسة للدول المتقدّمة، بقدر ما سمحت لكل منها بإعادة تحديد مواقعها في إطار ما أثارته القضايا الاقتصادية العالمية من رهانات وتحديات منها:

- لماذا توصف دول البريكس بأنها "دول ناشئة"؟

- ما هي التحوّلات الاقتصادية الكبرى في البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا؟

- ما هي مكانة البريكس في الاقتصاد العالمي؟

- هل تشكّل دول البريكس قوّة جيوسياسية جديدة؟

تحتل دول البريكس مكانة مهمّة في الاقتصاد العالمي. وقد شهدت هذه الدول نموّاً بارزاً على مدى العقد الماضي، وذلك بفضل النمو القوي لصادراتها. وللمفارقة، فقد أظهرت الأزمة المالية والاقتصادية متانة نموذج التنمية الاقتصادية لدول البريكس، حتى لو اضطرّت هذه الدول إلى إعادة توجيه نموذجها في النموّ نحو الأسواق المحلية.

ودول البريكس، وبوصفها داعمة للنظام التجاري المتعدّد الأطراف، تقود أيضاً سياسة تجارية ترمي إلى تعزيز دورها كقوة جارية إقليمية، بحيث أدى نجاح تخصّصاتها الإنتاجية ودينامية أسعارها المناسبة إلى زيادة عائدات التصدير التي تشكل أصلاً الاحتياطيات الأجنبية التي تغذّي الصناديق السيادية. وبذلك يمكن للقوى الاقتصادية الناشئة الجديدة أن تكتسب صفة القوة المالية لبلدان بريكس كي تصبح بالفعل القوة الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين.

كمال مساعد - كاتب وباحث لبناني مختص بالشؤون الدولية.