الليثيوم: معدن نائم يصنع الثروات والصراعات

 يتحول هذا المعدن الفضي الناعم الذي يطلق عليه الليثيوم إلى بناء ثروة جديدة للشعوب في الدول النامية في أفريقيا وأميركا اللاتينية. وهي ثروة كانت نائمة حتى وقت قريب حينما انتبه العالم لأزمة التلوث البيئي ودوره في "التسخين الحراري" الذي يهدد كوكب الأرض وحياة الإنسان.

ومن المتوقع أن يلعب كل من الليثيوم والغاز الطبيعي دوراً رئيسياً في التحول نحو الطاقة النظيفة في العالم خلال السنوات المقبلة. إذ باتت السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات القابلة لإعادة الشحن تُخرج معدن الليثيوم من ثروة خاملة إلى ثروة جديدة للعديد من الشعوب.

وأصبح الليثيوم مكوناً أساسياً لهذه البطاريات التي تعتمد عليها صناعة السيارات الكهربائية، وكذلك الأجهزة المحمولة، كذلك يعمل وسيطاً لتخزين الطاقة.

وحسب دراسة لمعهد بروكنغز للدراسات في واشنطن، يواجه العالم حالياً تحديات كبيرة في تحديد مصادر المعادن الضرورية للصناعة عالية الدقة، التي تساهم في الانتقال إلى مصادر الطاقة منخفضة الكربون والصناعات عالية التقنية والشرائح الإلكترونية.

ويتزايد التنافس بين الولايات المتحدة والصين على هذه الثروات خلال الأعوام المقبلة. ودفع هذا التنافس أسعار الليثيوم إلى الارتفاع لأكثر من 11 ضعفاً في العامين الماضيين من 6 آلاف دولار للطن في مارس/ آذار 2020 إلى أكثر من 70 ألف دولار عند ذروتها في 2022. ومن المتوقع أن تواصل الأسعار الارتفاع خلال الأعوام المقبلة مع زيادة استخدام السيارات الكهربائية كبديل للسيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري.

ووفقاً لأحدث البيانات، تمتلك أميركا اللاتينية 60% من جميع موارد الليثيوم المحددة في العالم. وتشكل كل من بوليفيا والأرجنتين وتشيلي أو ما يطلق عليه اسم "مثلث الليثيوم" الدول الرئيسية التي يحتاجها العالم لصناعة البطاريات.

ومن بين الدول الأخرى إلى جانب دول أميركا اللاتينية، اكتُشِفَت احتياطيات كبيرة من الليثيوم في جميع أنحاء القارة الأفريقية، مع وجود إمدادات ملحوظة في زيمبابوي وناميبيا وغانا والكونغو الديمقراطية ومالي. وهو ما سيزيد من الصراع العالمي على الثروات الأفريقية ويؤجج الحروب الداخلية والانقلابات العسكرية ويفاقم عدم الاستقرار في هذه القارة المنكوبة، وفق محللين.

وقد وافقت الولايات المتحدة، قبل أسابيع، على تعزيز التعاون مع اليابان في سلاسل توريد المعادن الأساسية وتوسيع نطاق الحصول على الإعفاءات الضريبية، حيث يهدف الرئيس الأميركي جو بايدن إلى مواجهة هيمنة الصين على قطاع بطاريات السيارات الكهربائية.

وبعد إبرام الاتفاقية، ستؤهل المركبات الكهربائية التي تستخدم المواد التي جُمعَت أو عولجَت في اليابان للحصول على حوافز بموجب قانون "الحد من التضخم" الأميركي، وفقاً لما قاله وزير التجارة الياباني ياسوتوشي نيشيمورا نهاية مارس/ آذار الماضي.

يشبه هذا الاتفاق اتفاقاً تتفاوض عليه واشنطن مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما من شأنه أن يوسع نطاق الحصول على ما يصل إلى 369 مليار دولار من المساعدات والإعفاءات الضريبية المتاحة على مدى العقد المقبل بموجب قانون بايدن للحد من التضخم، في مجالات متعددة شملت طاقة الرياح والطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية.

ولا تزال الولايات المتحدة تعتمد كثيراً على الصين، حيث يُتوقع أن تشهد المعادن الأساسية طلباً هائلاً خلال السنوات المقبلة، حسبما قالت وزيرة الخزانة جانيت يلين الشهر الماضي خلال شهادة أمام لجنة "الطرق والوسائل" في مجلس النواب.

كذلك تمتلك أستراليا هي الأخرى احتياطيات كبيرة من الليثيوم، وتتجه لاستخدام الليثيوم ثروة جديدة بديلة لثروة الفحم الحجري. ووفقاً لمعهد "أيمبر" العالمي لدراسات الطاقة، وهو معهد عالمي، تتخلف أستراليا كثيراً في سباق إزالة الكربون.

وحسب الدراسة فإن الأستراليين أسوأ ملوثي طاقة الفحم في العالم. وفقاً لمقياس "أمبر" فإن أستراليا أكبر ملوث للبيئة في دول مجموعة العشرين ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.

ووفقاً لتحليل المعهد، فإن متوسط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لدى الأسترالي يبلغ أربعة أضعاف متوسط ما ينبعث منه الشخص العادي حول العالم. والفحم أحد أعمدة الاقتصاد الأسترالي، والحكومة هناك مترددة في الابتعاد عنه.

لكن العلم يشير بشكل متزايد إلى أن الاقتصاد (والبيئة) الأستراليين سيستفيدان في النهاية من الانتقال بعيداً عن أقذر أنواع الوقود الأحفوري في العالم.