قراءة مقارنة لتجارب النهوض الكبرى

أنشغلت كثيرا في الأيام الأخيرة بقراءات مقارنة حول تجارب النهوض الكبرى: النهضة الأوربية، نهضة اليابان، نهضة الهند والنمور الآسيوية.

ليس صحيحا أن "الإحياء" او العودة للماضي او البناء عليه كان احد أسس هذه النهضات.

العكس تماما..

كان التمرد على الماضي وتأسيس قطيعة معرفية وشعورية معه شرطا لكل تجارب النهوض والإصلاح.

عودة الاوربيين الى التراث اليوناني في عصر النهضة لم يكن عودة للماضي، لأن ماضي اوربا آنذاك كان الثقافة المسيحية التي سيطرت 1500 سنه.
أما التراث اليوناني الروماني فكانت المسيحية قد اجتثته وحولته الى "جاهليه".
فعودة اوربيي عصر النهضة لمنجزات الفلسفة والعلوم اليونانية كان الهدف منها الخلاص من الماضي المسيحي وليس العودة الى الماضي كما توهم اغلب المصلحين العرب في قراءتهم للتجربة الأوربية.
ثم ما لبث الاوربيون أن رفضوا التراث اليوناني رفضا لا هوادة فيه، و "استوردوا" منجزات العلوم التطبيقية الإسلامية التي كانت "ماضي" المسلمين للتخلص مما تبقى من ماضيهم القروسطي.
في النهضة اليابانية أيضا كان التمرد على الإقطاع والثقافة الاقطاعية ونظام التراتب الطبقي والعقلية الخرافية والتواكلية التي رسختها تعاليم كونفوشيوس ابرز أسس نهضة اليابان.
والقراء العرب لا زالوا يخلطون بين التمسك ببعض جوانب التراث "النافع" وبين أعمدة واسس النهضة.
فاليابان احتفظت بالعديد من جوانب ثقافتها التقليدية مثل قيم الإخلاص والولاء واحترام العائلة والكبير. لكن هذه الجوانب لم تكن أساس نهضتها ولا لعبت دورا في صعودها المعجز.
جل ما في الأمر أن اليابانيين رأوا ان هذه القيم مفيدة. أما نهضتهم فبنوها على العلم والحضارة والقيم العصرية والتعليم العصري والانفتاح غير المشروط على العالم.
الماضي(التراث) قد يكون مفيدا في بعض جوانبه ، لكنه لم يكن أبدا اساسا لأي نهضة.

من حائط الفيس بوك