القوميون بلا قومية.. واليسار بلا مشروع
ما جرى في المؤتمر القومي العربي في بيروت لم يكن مفاجئا، ولم يكن وليد اللحظة كما يحلو للبعض أن يصوره، كان المشهد امتدادا طبيعيا لانهيارات فكرية وسياسية متراكمة،
بدأت منذ أن تخلى اليسار العربي عن مشروعه التحرري المستقل، وارتمى في أحضان التحالفات الملتبسة، تحت شعارات فضفاضة لا تسمن فكرا ولا تبني وطنا..
وما المؤتمر القومي العربي في بيروت إلا انعكاس صارخ لهذه التناقضات، اجتمع فيه قوميون بلا قومية، ويساريون بلا يسار، يتحدثون عن العروبة وهم يشرعنون الولاءات العابرة للحدود، ويتغنون بالتحرر وهم يبررون الخضوع للمحاور الإقليمية، لم يكن مؤتمرا للفكر أو المراجعة، بل كان طقسا احتفاليا لإعادة إنتاج العجز وتجميل الانقسام..
لقد أصبح اليسار العربي اليوم تيارا بلا هوية، فاقد البوصلة، يتكئ على ذاكرة قديمة من النضال ولا يملك مشروعا للمستقبل، تحالفاته ظرفية، ومواقفه رمادية، وصوته خافت في وجه الاستبداد كما في وجه الاحتلال، بل إن بعض فصائله باتت جزءا من منظومات الاستبداد ذاتها، تتغذى على خطاب المقاومة بينما تعيش في حضن السلطة أو في ظلالها..