أستعداداً لترتيبات ما بعد الحرب.. زعيم الحوثيين يلوح بخيار أسلمة الدولة اليمنية
اكتفى عبدالملك الحوثي زعيم الجماعة الحوثية المسيطرة على العاصمة صنعاء وأجزاء أخرى من اليمن، أمس الأربعاء، بإعلانه العزم على تشكيل حكومة جديدة في المحافظات الواقعة تحت سلطة جماعته.
وجاء ذلك بعد أن روّج إعلام الجماعة خلال الفترة الأخيرة لتغييرات جذرية في “هيكلية الدولة” الأمر الذي اعتبره متابعون للشأن اليمني مقدمة لتغيير نظام الحكم باتجاه تأسيس جمهورية إسلامية على طريقة إيران التي تعلن الجماعة ولاءها لها والاقتداء بمرشدها الأعلى علي خامنئي.
وقال الحوثي في وقت سابق إنّ “التغيير الجذري كان يجب أن يتم بعد ثورة 21 سبتمبر لكننا انشغلنا بالقتال”.
ويشير بهذا التاريخ إلى انقلاب جماعته على السلطة اليمنية وانطلاقها في غزو مسلّح لمناطق البلاد سنة 2014.
وقال زعيم الحوثيين في خطاب تلفزيوني بمناسبة احتفال اليمنيين بذكرى المولد النبوي الشريف “إنه سيكون هناك تغيير جذري في مؤسسات الدولة” في المناطق الواقعة تحت سلطة الجماعة، من دون أن يحدد سقفا زمنيا لذلك.
وأوضح في خطابه أن “المرحلة الأولى للتغيير الجذري هي بإعادة تشكيل الحكومة الحالية وتغييرها بحكومة كفاءات تجسّد الشراكة الوطنية، يتم فيها تصحيح السياسات وأساليب العمل بما يخدم الشعب”.
ورغم أن ما أعلن من تغييرات مرتقبة لم يرتق إلى التغيير الجذري للنظام المتّبع في البلاد منذ تأسيس الجمهورية اليمنية على أنقاض نظام الإمامة، إلا أنّه حمل بوادر أسلمة المؤسسات، وعلى رأسها مؤسسة القضاء.
وأضاف الزعيم الحوثي أنه “ضمن المرحلة الأولى من التغيير الجذري مع إعادة تشكيل حكومة كفاءات، سيجري العمل على تصحيح وضع القضاء ومعالجة الاختلالات ورفده بالكوادر المؤهلة من علماء الشرع الإسلامي والجامعيين المتخصصين”.
وأشار إلى تمسك جماعته “بالشراكة الوطنية والمفهوم الإسلامي للشورى ووحدة الشعب اليمني والمفهوم العام للمسؤولية الذي تتكامل فيه الأدوار”.
وغير بعيد عن التغييرات التي يلوّح الحوثيون بإجرائها تردّدت أنباء عن نيتهم استبدال اللون الأسود في علم الجمهورية اليمنية. وقال غمدان الشريف السكرتير الصحفي لرئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر في حسابه على منصة إكس نقلا عن مصادر وصفها بالخاصة، إن الحوثيين يدرسون تغيير اللون الأسود في العلم الجمهوري إلى اللون الأخضر.
وصنّف مراقبون ما تم إعلانه في صنعاء ضمن ترتيبات ما بعد الحرب في اليمن بعد أن لاحت بوادر على إمكانية إرساء سلام في البلد بفعل التغييرات الجذرية التي طرأت على الموقف السعودي من الوضع في البلد وحتى من الجماعة نفسها والتي كانت الرياض تعتبرها غير شرعية بالمطلق، لكنّها في الفترة الأخيرة قبلت بالجلوس معها على طاولة المفاوضات المباشرة واستقبلت وفدا منها في الرياض.
وبدا ذلك بمثابة انتصار للحوثيين الذين اقتربوا من تثبيت أوضاعهم في اليمن حيث لم يعد خيار استخدام القوة لاستعادة صنعاء وباقي المناطق من أيديهم مطروحا من قبل السعودية.
> رفض مؤتمري للتغييرات
يبدو أن الحوثيين قد وصلوا لاكتفاء ذاتي، وأنهم قادرون على فهم كيف يملؤون الفراغ في المواقع والمناصب في الجهاز الحكومي للدولة، وما هذا الإعلان عن التغيير المزعوم إلا على طريق عملية اجتثاث واسعة سوف يقومون بها، لما تبقى من أنصار المؤتمر الشعبي العام في العاصمة صنعاء- يقول مراقبون.
وكردة فعل أولية وردا على تهديد زعيم مليشيا الحوثي بإجراء تغييرات وصفها بـ "الجذرية" على مؤسسات الدولة الخاضعة لسيطرتهم، أعلن فرع حزب المؤتمر الشعبي العام في العاصمة صنعاء أول أمس الأحد وعلى لسان صادق أمين أبو رأس، رفضه أي تغييرات تتناقض مع ثورة 26 سبتمبر.
وقال الحزب في بيان له بمناسبة الذكرى الحادية والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر "إن أي تحول أو تغيير يجب أن يرتبط وينطلق ويستمد مشروعه وقيمه ومبادئه من الأهداف الستة لثورة 26 سبتمبر وقيمها ومثلها الوطنية"، مضيفا "إن قيم وأهداف 26 سبتمبر كانت وستظل شعاع النور والتنوير الذي يجب أن نهتدي به في كل مراحل التحولات التي تمر بها اليمن واليمنيون"، مشيرا إلى أن المؤتمر ولد من رحم ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 2691م.
وجدد الحزب في البيان تأكيده أنه سيظل يكرر مواقفه في التمسك والدفاع عن الثوابت الوطنية المتمثلة بالثورة اليمنية وأهدافها، والنظام الجمهوري والوحدة الوطنية، والنظام الديمقراطي الذي يكفل للشعب اختيار حكامه، وحق التعبير عن آرائه وقناعاته وتوجهاته، وفقاً لنظام دستوري وقانوني يكفل المواطنة المتساوية، وتحقيق العدالة الاجتماعية ورفض النزعات المتطرفة مذهبية كانت أو مناطقية أو قروية أو انفصالية.
وتذهب بعض التوقعات إلى أن التغيير الجذري المزمع تنفيذه على عدة مراحل، يستهدف ابتداء إعادة الهيكل التنظيمي العام للدولة، الذي يشمل الجهاز الإداري الحكومي، مع دمج بعض الوزارات وإلغاء بعض الهيئات والمؤسسات الحكومية، وفق استراتيجية جديدة تخدم المشروع الطائفي والسلالي الاستحواذي، علاوة على إعطاء "سلطة المشرفين" صلاحيات كاملة وإزالة كل العراقيل التي تقف أمام هذا المشروع المدمر للدولة والمجتمع ومن هنا يتساءل كثيرون، كيف تبشر الجماعة الحوثية الشعب بالتغيير، وهي تستحوذ على 80 بالمائة من الوظائف في المكاتب والمؤسسات والهيئات والمصالح الحكومية، وما تبقى من 20 بالمائة من الوظيفة العامة، هي لعامة الموظفين الذين يحتاجون لهم في وظائف تخصصية في مجالات تفتقر الجماعة لمؤهلين موالين يمكن أن يشغلوها.
ويتوقع متابعون أن هذه التغييرات قد تطال إجراءات تمكنهم من السيطرة الكاملة على ما تبقى من السلطة الرمزية للبرلمان اليمني، بالإضافة إلى إجراء تغييرات قانونية، بموجبها يمنح الجماعة صلاحيات الحق في سحب الحصانة عن الأعضاء الذين ينتقدون فساد الجماعة وطريقة أدائها لإدارة الدولة كالقاضي أحمد سيف حاشد وآخرين.
> ترحيب ممزوج بالسخرية
قوبل إعلان زعيم المليشيا الحوثية بما سماها "بالتغييرات الجذرية" مباركة وترحيب من قبل أنصاره، وتحفظات وسخرية من قبل آخرين.
ويعتقد كثيرون أنه طالما يجري الحديث عن تجزئة التغيير على مراحل، فإن الحديث هنا يشير إلى برامج عمل لا أكثر، وبالتالي لن يجري التغيير إلا على يد "سلطة المشرفين" الحاليين، ومنظومة الحكم للجماعة نفسها التي تدير المشهد السياسي والاقتصادي في صنعاء، بشكل عبثي منذ انقلابهم المشؤوم على مدى التسع سنوات الفائتة.
ووفق زعيم الجماعة الحوثية، فإن الأسس والمنطلقات التي سيعتمد عليها هذا التغيير الجذري هي ما وصفها "بالهوية الإيمانية" في إطار القواسم المشتركة والشراكة الوطنية، وتحقيق الاستقلال والحرية لليمن، حد زعمه.
وفي هذا السياق سارع المجلس السياسي الأعلى للحوثيين بالمباركة والترحيب بما سماها بـ "قرارات التغيير الجذري"، التي ستتخذها قيادتهم في المولد النبوي الشريف، ووصفها بالجريئة والشجاعة تلك التي سيتخذها زعيم الحوثيين باعتباره هو الجدير باتخاذ مثل هذه القرارات.
ويتوقع محللون سياسيون أن التغييرات قد تطال المجلس السياسي الأعلى وهيكلته من جديد، وإجراء تغييرات ربما لن تستثني رئيس المجلس الحالي المشاط نفسه، مع الدفع بأعضاء جدد موالين للجماعة، فضلا عن تشكيل حكومة تشاركية صورية لا تقدم ولا تؤخر فيما يخص حياة المواطنين ومعيشتهم.
ووفق تقارير صحفية، فإن هناك توقعات بمشاركة رمزية لبعض المكونات الجنوبية التي تعيش في صنعاء في المجلس السياسي أو الحكومة الخاضعين لسلطتهم، لكن ضمن عنوان الجماعة ذاته "الهوية الإيمانية"، وليس ضمن عنوان آخر كالهوية الوطنية الجامعة على سبيل المثال.
ومؤخرا ظهر عضو المجلس السياسي للجماعة علي القحوم في لقاءات بالعاصمة صنعاء مع القيادي في الحراك الجنوبي المشارك في مؤتمر الحوار الوطني "باراس"، وتم تفسيرها في إطار هذا السياق السياسي.
ويطرح معارضون لحكم الجماعة تساؤلات عدة بهذا الخصوص من هذا القبيل: ما هي صفة من أعلن عن هذا التغيير من الناحية الدستورية والقانونية، وما هو مسماه الوظيفي في الهيكل التنظيمي أو ضمن السلطات الثلاث الذي أقرها دستور الجمهورية اليمنية؟
وسخروا من هذه المسميات والعناوين التي تجري الجماعة تحتها التغيير، كونها تخص "الجماعة" واتباعها، ولا تعني الشعب اليمني بشيء، فالتغيير الذي ينشده الشعب هو فك الارتباط بين سلطة المسئول والمشرف والمندوب، لصالح تفعيل دولة القانون وعمل المؤسسات الذي لا يستثني أحد سواء أكانوا أحزابا وكيانات أو أشخاصا وجماعات.
واستنادا إلى هذه الحقائق الجديدة بدأ الحوثيون يتصرّفون كطرف منتصر في الحرب ويصعّدون من شروطهم، ملوحين بمواصلة خيار الحرب وذلك لتقديراتهم بأن هذا الخيار سقط من حسابات السعودية.
وقام هؤلاء مؤخراً بتنظيم عرض عسكري ضخم في صنعاء، كما استهدفوا بطائرات مسيرة تجمّعاً لقوات التحالف داخل أراضي السعودية ما أسفر عن مقتل وجرح عدد من الجنود البحرينيين.
ويقول مراقبون إنّه في حال مضى الحوثيون بعيدا في تغيير أسس الدولة اليمنية باتجاه أسلمتها على الطريقة الإيرانية، فإن السعودية ستكون مضطرّة للتعايش مع نموذج إيراني مصغّر على حدودها الجنوبية.
وفي سياق مواصلة التصعيد اللفظي ضدّ التحالف الذي تقوده السعودية، قال الحوثي “أنصح التحالف بإنهاء الاحتلال وإنجاز ملفات الحرب، وإلا فإصراره على استمرار سياسته العدائية ستكون عواقبه وخيمة عليه، وشعبنا يملك عناصر القوة”.
ويدير الحوثيون من صنعاء ما يسمونه “حكومة الإنقاذ الوطني” وذلك بشراكة صورية مع مكونات سياسية موالية لهم.
ختاماً.. لا يأمل كثيرون من هذا الإعلان أي تغيير إيجابي لمصلحة الشعب من قبل الجماعة التي انقلبت على الدولة ابتداء، علاوة على أن التغيير المعلن عنه يجري على أساس "الهوية الإيمانية للجماعة" وليس على أساس الكفاءة والقدرة والمؤهلات والمواطنة المتساوية.
كما أنه في الوقت نفسه يخشون من أن تطال هذه التغييرات مبادئ وأسس الجمهورية اليمنية ونظامها الجمهوري، وتحول النظام السياسي في صنعاء باتجاه تأسيس جمهورية إسلامية.
قسم التحرير والمتابعة