الهجمات على السفن في البحر الأحمر تفاقم نقص أعداد البحارة

الرأي الثالث –  رويترز 

عندما سقط صاروخ أطلقه الحوثيون في اليمن بالقرب من سفينته في البحر الأحمر، أخذ كوستاس راسياس على نفسه عهدا بأن يتوقف عن الإبحار في المياه المحفوفة بالمخاطر. 

وقال المهندس البحري اليوناني: "أُصبت بصدمة... سألت نفسي عما هو أكثر أهمية، حياتي أم دخل أفضل؟".

ومع استمرار هجمات الحوثيين على السفن التجارية تضامنا مع الفلسطينيين، يرفض البحارة المصدومون الإبحار عبر البحر الأحمر وذلك بحسب ما أظهرته مقابلات مع أكثر من 15 من أفراد طواقم السفن والمسؤولين في قطاع الشحن. 

وتفاقم الهجمات من مشكلة نقص البحارة التي تواجه القطاع بالفعل على مستوى العالم، بعدما أدت جائحة كورونا إلى إبقاء البحارة على متن السفن عدة أشهر إلى جانب الحرب في أوكرانيا التي تسببت في مخاطر في البحر الأسود.

وأكد الحوثيون، الثلاثاء، أن وقف عملياتهم العسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن مرهون بإنهاء "العدوان" والحصار الإسرائيلي المفروض على الفلسطينيين في قطاع غزة. 

وفي الثالث من مايو/أيار الماضي، وقبل أيام من الهجوم الإسرائيلي على رفح، أعلنت جماعة الحوثيين عن بدء تنفيذ مرحلة رابعة من التصعيد في هجماتها التضامنية مع غزة، "تشمل استهداف كل السفن التي تخترق قرار حظر الملاحة الإسرائيلية والمتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة من البحر الأبيض المتوسط" في أي منطقة تطاولها قوات الحوثيين. 

وباشرت الجماعة، منذ نوفمبر/تشرين الثاني، استهداف سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وغيره بصواريخ ومسيّرات، فيما بدأت واشنطن ولندن منذ مطلع العام الحالي بالردّ بشنّ غارات جوية وهجمات صاروخية على "مواقع للحوثيين" في اليمن. 

وأجبرت الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة للحوثيين شركات شحن على تحويل سفن إلى الطريق الأطول حول جنوب أفريقيا، مما يعطل التجارة العالمية عن طريق تأخير عمليات التسليم ورفع التكاليف.

وقال مصدر في القطاع مطلع على الأزمة، إن "البحارة أقل عددا وأقل إقبالا على الإبحار عبر تلك المنطقة، وصار التحدي أكبر الآن". 

وشن الحوثيون لأول مرة ضربات بطائرات مسيّرة وصواريخ على الممر المائي المهم في نوفمبر/ تشرين الثاني فيما يقولون إنه تضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة إسرائيلية. 

وتسبب أكثر من 70 هجوما في إغراق سفينتين والاستيلاء على أخرى ومقتل ثلاثة بحارة على الأقل. 
 
وقالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، الثلاثاء، إن سفينة استهدفها الحوثيون في 12 يونيو/ حزيران الحالي على بعد 66 ميلا بحريا جنوب غربي مدينة الحديدة اليمنية "يُعتقد أنها غرقت" في البحر الأحمر. 

وكان الحوثيون ومصادر أخرى قد حددوا في وقت سابق أن السفينة المتضررة هي "توتور" المملوكة ليونانيين. وسيكون غرق السفينة هو ثاني إسقاط لسفينة تجارية يستهدفها الحوثيون منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. 

وغرقت السفينة روبيمار المملوكة للمملكة المتحدة في البحر الأحمر في الثاني من مارس/ آذار الماضي، بعد نحو أسبوعين من تعرضها لأضرار بسبب هجوم الحوثيين. 

وتراجع إبحار سفن الحاويات عبر البحر الأحمر بنسبة 78% في مايو/ أيار مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، حسب ما يظهره تحليل من منصة بروجكت 44 للخدمات اللوجستية، حيث تؤثر الشركات الإبحار عبر طريق رأس الرجاء الصالح الأطول حول أفريقيا، مما يزيد التكاليف ويطيل فترة الرحلات. 

وقال راسياس، العضو في نقابة المهندسين البحريين اليونانيين(بيمين)، ردا على سؤال عما إذا كان سيعود مرة أخرى: "جوابي واضح للغاية، وهو لا". وأضاف: "نحث أعضاء النقابة على عدم الاستسلام للضغوط، ووضع سلامتهم وحياتهم في المقام الأول، والمطالبة بعدم العمل في مناطق الحرب بأي ثمن". 

وابل الصواريخ في البحر الأحمر

التقى تشارلز واتكينز، خبير علم النفس السريري والرئيس التنفيذي في مؤسسة مينتال هيلث سبورت سوليوشنز 40 بحارا من طاقمي سفينتين أبحرتا عبر البحر الأحمر. 

وخلص إلى أن الكثيرين منهم أصيبوا بصدمات بينما يفكر بعضهم في ترك المجال. وقال واتكينز: "يمكن أن تحدث لهم اضطرابات في النوم وكوابيس، ويمكن أن يصابوا بالذعر بسهولة ويمكن أن يشعروا بالتوتر، ويمكن أن تتطور لديهم رغبة مفاجئة في عدم تناول أي طعام".

ونشرت معظم السفن فرق حراسة مسلحة على متنها للمساعدة في الدفاع عن الطاقم إذا ما تعرضت لهجمات، لكن نادرا ما يتم تدريب الطاقم أو تجهيزه لمواجهة صراع. 

وقال جون بافلوبولوس، رئيس منظمة سي غارديان التي قامت فرق منها من الحراس المسلحين بتأمين آلاف الرحلات عبر المنطقة "غالبية أطقم السفن التجارية ليس لديهم أي تدريب عسكري على الإطلاق... يتسبب أدنى انفجار في إرباك وتوتر لهم". 
 
وقال بوريس باسينكو، القبطان الأوكراني لناقلة البضائع السائبة "زوجرافيا" المملوكة لليونان والتي أصابها صاروخ هذا العام بالقرب من اليمن، إنه يشك في أنه سيبحر مرة أخرى عبر المنطقة. 

وأردف قائلا: "تتساقط الصواريخ على مدينتي كل يوم، لكن صاروخا أصابني وأنا على بعد بضع مئات الأميال" من أوكرانيا. وأضاف: "كل أفراد طاقمي في ذلك الوقت تقريبا لم يرغبوا في العودة إلى البحر الأحمر".

وكان الفيليبيني جونريز بالبوا (26 عاما)، الذي يتدرب على تشغيل المحركات وصيانتها ويقضي أول تسعة أشهر له في البحر، على متن أول سفينة تمر عبر البحر الأحمر في ديسمبر /كانون الأول بعد اختطاف سفينة غالاكسي ليدر. 

وظل طاقمه "يحرس (السفينة) من القراصنة" ويمسح المياه بحثا عن الخاطفين. وقال: "كنا نشعر بالخوف والقلق. فحراسة سفينتنا مخيفة". 

وذكر جون كانياس رئيس العمليات البحرية في الاتحاد الدولي لعمال النقل أن الاتحاد يساند البحارة إذا اختاروا عدم الإبحار.

ومن حق ما يقرب من 360 ألف بحار تغطيهم اتفاقية الاتحاد الدولي لعمال النقل في جميع أنحاء العالم رفض الإبحار في مناطق حرب محددة، والمطالبة بالعودة إلى الوطن على نفقة الشركة المالكة للسفينة. 

وقال كانياس إنه تم توسيع إحدى هذه المناطق في البحر الأحمر، والمعروفة باسم "منطقة العمليات الحربية"، بناء على طلب الاتحاد الدولي لعمال النقل. 

وتابع قائلا: "أصبحت شركات متعددة مالكة لسفن أكثر ترددا الآن في الإبحار عبر المنطقة، لأنها ببساطة لا تريد تعريض حياة البحارة للخطر". 

زيادة الطلب على البحارة

يتم شحن أكثر من 80% من التجارة العالمية عن طريق البحر، ويعمل ما يقدر بنحو 1.8 مليون بحار في السفن، ويزداد نقص عدد البحارة المؤهلين. 

ووفقا لأحدث تقرير عن القوى العاملة البحرية نُشر عام 2021، هناك حاجة إلى انضمام حوالي 18 ألف بحار إضافي كل عام لتلبية الطلب، وإلى آلاف البحارة رفيعي المستوى لخدمة الأسطول البحري البالغ قوامه 80 ألفا.
 
وقال مسؤول من الاتحاد إن بعض البحارة اليونانيين طلبوا بالفعل نقلهم إلى سفن أخرى لتجنب البحر الأحمر. وذكر مسؤولون أن أربع شركات يونانية على الأقل قررت في الأشهر القليلة الماضية عدم عبور المنطقة. 

وقال جورج لوجوثيتيس الرئيس التنفيذي لشركة ليبرا جروب الخاصة في الولايات المتحدة: "لا نحب التربح من آلام الآخرين. لن نرسل سفننا إلى هناك". بينما تنظر شركات أخرى في أمر كل حالة على حدة وتقيّم المخاطر التي قد تتعرض لها الأطقم والسفن.

وقال رينيه كوفود أولسن الرئيس التنفيذي لشركة في.غروب، إحدى أكبر شركات إدارة السفن وتوفير الأطقم في العالم، إن عدد مرات عبور أسطولها بطريقة منظمة انخفض منذ بداية الصراع. 

وأضاف أنه في الحالات التي اختار فيها العملاء من أصحاب السفن الإبحار عبر المنطقة "نعطي البحارة لدينا فرصة عدم الإبحار وبإمكاننا تغيير الطاقم".