«هدنة غزة»... «الخطة ج» عقبة في طريق الوسطاء

الرأي الثالث  – وكالات

 خطة إسرائيلية جديدة للحرب بقطاع غزة تضع جهود الوسطاء بشأن مفاوضات بين «حماس» وتل أبيب على المحكّ، وسط ما يشبه «الجمود» بعد مقترح للرئيس الأميركي، جو بايدن، لإنهاء الحرب، بسبب تبادل طرفَي النزاع «شروطاً معرقِلة».

الخطة الجديدة عدَّها خبراء بمثابة «عقبة» أمام جهود الوسطاء، وتضع المفاوضات أمام «طريق مسدود»، مشترطين «ضغوطاً أميركية حقيقية لإفشالها»، للذهاب لهدنة تُوقِف الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
 
والاثنين، أبلغ وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، المبعوث الأميركي الخاص، آموس هوكستين، باعتزام الانتقال إلى «مرحلة جديدة» في حرب غزة، وأن تل أبيب «مستعدة عسكرياً وسياسياً» للخطوة.

وتشير «المرحلة الجديدة» التي تستهدفها إسرائيل، وتسمّيها أيضاً «المرحلة الثالثة (ج)»، إلى قتال أقل حدة، وعمليات دقيقة لتصفية قيادات «حماس» في القطاع، بموازاة مساعٍ إسرائيلية لإيجاد بديل لحكم الحركة في القطاع، حسب إعلام إسرائيلي.

واستبق طرح «المرحلة الجديدة» حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأحد، عن أن الحرب في قطاع غزة ستدخل قريباً مرحلة جديدة، لافتاً إلى أن «الحرب ليست على وشك الانتهاء، لكن مرحلتها المكثّفة هي التي على وشك الانتهاء».

تزامَن مع ذلك تأكيد نتنياهو «استعداده لعقد صفقة جزئية» لاستعادة بعض المحتجزين في غزة، لكنه سيستأنف الحرب بعد ذلك لاستكمال أهدافها.

ومثل إسرائيل وضعت «حماس» تعديلات بشأن مقترح بايدن، وتمسّك إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، في كلمة متلفزة، الأسبوع الماضي، بـ«دور الوسطاء، وإعطاء مدة كافية لإنجاز مهمتهم»، مؤكداً أن «الحركة جادّة في التوصل إلى اتفاق يتضمن البنود الأربعة: وقف إطلاق النار الدائم، والانسحاب الشامل من غزة، والإعمار، وصفقة تبادل للأسرى».

وفي 12 يونيو (حزيران) الحالي، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في مؤتمر صحافي بالدوحة، إن حركة «حماس» اقترحت «عدة تغييرات» في ردّها على مقترح وقف إطلاق النار، وإن بعضها قابل للتنفيذ، مؤكداً «مواصلة العمل مع الوسطاء لسد الفجوات للوصول إلى اتفاق».

ووقتها، قال رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في المؤتمر ذاته: «ملتزمون في قطر مع شريكي (الوساطة) مصر والولايات المتحدة، بجسر الهوة، ومحاولة حل هذه الفروقات؛ لإنهاء الحرب في غزة في أسرع وقت ممكن».

وصرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن الحرب في قطاع غزة ستدخل قريباً مرحلة جديدة.

وقال نتنياهو، في مقابلة تلفزيونية، الأحد، إن «مرحلة القتال الشديد في غزة على وشك الانتهاء». 

وأضاف: «هذا لا يعني أن الحرب على وشك الانتهاء، لكن مرحلتها المكثفة هي التي على وشك الانتهاء».

إلا أن هذه التصريحات لا تجلب أي ارتياح وطمأنينة للفلسطينيين بعد أكثر من نصف عام من إراقة الدماء المروّعة، فقد أوضح نتنياهو أنه ليس مستعداً لوقف الحرب قبل القضاء على «حماس».
 
ويظل أي حل دبلوماسي في غزة غير مرجح في الوقت الحالي، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن ائتلاف نتنياهو من المرجح أن ينهار إذا أوقفت إسرائيل القتال في غزة دون إزالة «حماس» من السلطة.

ومع ذلك، يزعم بعض الخبراء أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ربما يشير إلى أن إسرائيل، بعد الانتهاء من عمليتها العسكرية الحالية في رفح، المدينة الواقعة في أقصى جنوب غزة، لن تسعى إلى شن عمليات غزو برية كبيرة للمدن في وسط القطاع.

وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية 4 سيناريوهات للمرحلة المقبلة من حرب غزة. وهذه السيناريوهات هي:

عمليات عسكرية أصغر في غزة

بمجرد انتهاء الحملة الإسرائيلية في رفح خلال الأسابيع المقبلة، من المتوقع أن تركز إسرائيل على عمليات تحرير رهائنها، بصورة شبيهة لما حدث في مطلع الشهر الجاري بعد تحريرها أربعة من المحتجزين في عملية عسكرية موسعة في مخيم النصيرات بوسط غزة، وُصفت بـ«المجزرة»، إذ راح ضحيتها 210 قتلى وأكثر من 400 مصاب من المدنيين الفلسطينيين.

ويقول المسؤولون العسكريون الإسرائيليون، أيضاً، إنهم سيواصلون مداهمة الأحياء التي استولوا عليها خلال المراحل السابقة من الحرب، وذلك لفترة وجيزة «لمنع مقاتلي (حماس) من استعادة قوتهم في تلك المناطق».
 
ومن أمثلة هذا النوع من العمليات -وفقاً للمسؤولين- عملية اقتحام الجيش الإسرائيلي وحصاره «مجمع الشفاء» الطبي في مدينة غزة خلال مارس (آذار)، التي استمرت أسبوعين، 

وقالت إسرائيل، وقتها، إنها «استهدفت نشطاء (حماس) الذين اتهمتهم بالعمل من المجمع»، وأيضاً العملية التي استمرت ثلاثة أسابيع في مايو (أيار) في مخيم جباليا، التي خلّفت دماراً كبيراً في المنازل والممتلكات.

فراغ في السلطة بغزة

إذا داهمت إسرائيل غزة بانتظام لمنع «حماس» من العودة إلى قوتها السابقة بها، فإن ذلك من شأنه أن يطيل أمد فراغ السلطة بالقطاع.

ومن شأن هذا الفراغ أن يزيد من صعوبة إعادة بناء غزة وتوزيع المساعدات وتخفيف معاناة المدنيين.
 
ومن المتوقع أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على حدود غزة مع مصر. 

ومن المتوقع أيضاً أن تستمر في احتلال قطاع من الأراضي يفصل بين شمال غزة وجنوبها، ما يمنع حرية الحركة بين المنطقتين.

حرب مع «حزب الله»... أو تهدئة

هناك مخاوف كبيرة من أن تكون المعركة التالية في لبنان مع قوات جماعة «حزب الله»، الموالية لـ«حماس».

وقال نتنياهو، في مقابلة الأحد، إنه بمجرد انتهاء مرحلة القتال الضاري في غزة فسيكون من الممكن إعادة نشر بعض القوات في الشمال، إذ تشترك إسرائيل في حدود مع لبنان.

ومن خلال نقل مزيد من القوات إلى حدودها الشمالية، سيكون الجيش الإسرائيلي في وضع أفضل لغزو لبنان، ما قد يساعده على إجبار مقاتلي «حزب الله» على الابتعاد عن الأراضي الإسرائيلية.
 
لكن حشد القوات هناك يمكن أن يؤدي أيضاً إلى مزيد من الهجمات الصاروخية من جانب «حزب الله»، ما قد ينذر بوقوع حرب شاملة.

وحذر زعيم «حزب الله»، حسن نصر الله، الأسبوع الماضي، من أن الجماعة قد تغزو إسرائيل.

إلا أن بعض المحللين يعتقدون أن إعلان إسرائيل أنها تنتقل إلى مرحلة جديدة في غزة يجري فيها تقليص القتال يمكن أن يوفر سياقاً لتهدئة التصعيد.

وفي فبراير (شباط)، قال نصر الله إن جماعته ستتوقف عن إطلاق النار على إسرائيل «عندما يتوقف إطلاق النار في غزة».

وقد تدفع فترة من الهدوء النسبي على طول الحدود اللبنانية النازحين الإسرائيليين إلى العودة إلى ديارهم. وهذا بدوره من شأنه أن يخفّف الضغط على الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد «حزب الله».

استمرار التوترات مع إدارة بايدن

من خلال إعلان الانسحاب من غزة، قلّل نتنياهو من أحد مصادر التوتر مع الرئيس الأميركي جو بايدن، لكنه أبقى على مصادر أخرى.

وانتقد بايدن سلوك إسرائيل في الحرب، حتى مع استمرار إدارته في تمويل تل أبيب وتزويدها بالأسلحة. ومن ثم فإن حرباً أقل تدميراً في غزة ستقلّل من خلافات إسرائيل مع واشنطن حول الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية.
 
لكن رفض نتنياهو صياغة خطة واضحة لحكم غزة بعد الحرب، فضلاً عن احتمال غزو إسرائيل لبنان، قد يتسبّب في خلاف كبير مع واشنطن.

وبحسب تقرير «نيويورك تايمز»، تريد إدارة بايدن إنهاء القتال مع «حزب الله»، وقد ضغطت على نتنياهو لعدة أشهر، لتمكين قيادة فلسطينية بديلة من حكم غزة. لكن نتنياهو أبقى مستقبل غزة غامضاً، وسط ضغوط من شركائه في الائتلاف اليميني لاحتلال المنطقة وإعادة الاستيطان بها.