«الناتو» يحتفي بذكراه الـ75: تخلخل «القيادة الأميركية» يظلّل القمة

الرأي الثالث  –  الأخبار 

 لا تبدو ظروف انعقاد قمّة «حلف شمال الأطلسي»، في العاصمة الأميركية، لمناسبة الذكرى الـ75 لتأسيسه، مريحة للرئيس جو بايدن. 

وخلال ساعات، سيجتمع قادة الحلف الـ38 في قاعة أندرو ميلون، حيث تمّ التوقيع على معاهدة «الناتو» أواخر الأربعينيات، حين كان عدد أعضائه لا يتجاوز الـ12، 

في وقت تتشابك فيه التحديات المحدقة بالأطلسي، بدءاً بالسؤال الإشكالي حول مستقبل عضوية أوكرانيا فيه، وما يرتبط بذلك من تساؤلات فرعية حول وحدة موقف بلدانه من الحرب الروسية - الأوكرانية، وليس انتهاءً بالخشية الأوروبية على مستقبل «الدور الريادي» للولايات المتحدة، 

إنْ في ضوء إقحام الموقف من «الناتو» في لُبّ الجدل السياسي الأميركي الداخلي، أو بالنظر إلى القلق من تبعات إصرار واشنطن على المضيّ قدماً في «استراتيجية الاستدارة نحو الباسيفيك»، على حساب حضورها في مناطق حيوية أخرى.

سياق داخلي وخارجي

يبدو الرئيس الأميركي، الذي لطالما تباهى بدوره في ما يسمّيه «تعزيز تماسك ووحدة الناتو» في أعقاب حرب أوكرانيا، مسكوناً بهاجس «تسويق أهليته الرئاسية» لحلفائه الخارجيين، أسوة بجمهوره المحلي قبيل حلول موعد الانتخابات الرئاسية مطلع تشرين الثاني المقبل، 

وهو ما كان قد أقرّ به بنفسه خلال مقابلة مع شبكة «إيه بي سي»، الجمعة، حين اعتبر أن «هناك طريقة جيدة لتقدير (مدى تمتّعي بالكفاءة لتولّي منصب الرئيس)، من خلال الإصغاء إلى ما سأقوله خلال القمّة، ومن ثم ترقّب أقوال وردود أفعال الحلفاء في هذا الخصوص».

وفي هذا السياق، يتبلور الخوف الأوروبي ممّا تظهره استطلاعات الرأي من ارتفاع حظوظ الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، المشكّك في جدوى «الناتو»، والذي سبق أن تعهّد بدعم حلّ تفاوضي بين أوكرانيا وروسيا، 

وهدّد علناً بالخروج من الحلف، وإهمال مساندة الدول الأوروبية عسكرياً ضدّ روسيا، في حال إخلالها بتعهداتها برفع نفقاتها العسكرية. وتصاعدت هذه المخاوف بعد الأداء السيّئ الذي أَظهره بايدن أمام ترامب، في مناظرتهما الرئاسية الأولى.
 
وفي ظلّ هذه الأجواء السياسية المتشنّجة على ضفتَي الأطلسي، توالت المؤشرات إلى استعداد الحلفاء الأوروبيين الأساسيين لواشنطن، للتعامل جدّياً من الآن مع فرضية عودة ترامب إلى البيت الأبيض،

 وذلك عبر مناقشة الخيارات الإستراتيجية المتاحة أمام «القارة العجوز» لمواجهة روسيا، في حال انقطاع الإمداد المالي والعسكري والاستخباري الأميركي.

 ومن بين تلك الخيارات، ما تمّ التباحث في شأنه بين قادة «الناتو»، وخصوصاً الأوروبيين منهم، قبل أشهر قليلة، حول إنشاء قيادة جديدة للحلف، تناط بها مهمّة ضمان استمرار المدد العسكري لكييف، على المدى الطويل، في ما لو انسحبت الولايات المتحدة من «الناتو»، في عهد ترامب. 

ومن المؤشرات إلى حالة الاستنفار العسكري الأوروبي، شروع العديد من دول القارة في زيادة إنفاقها العسكري في الآونة الأخيرة، حيث وصل عدد بلدان «الناتو» الملتزمة برفع سقف الإنفاق إلى مستوى يعادل 2% من ناتجها القومي، إلى 20 عضواً، في مقدّمهم ألمانيا، وإنْ كانت دوافعها متّصلة إلى حدّ كبير بالاستجابة لتحديات الحرب في أوكرانيا.

في المقابل، يجادل العديد من مساعدي بايدن بأن ارتفاع الإنفاق العسكري لحلفاء واشنطن الأوروبيين، وفقاً للنسب المشار إليها، لا يرقى إلى مستوى مجابهة البيئة الأمنية المعقّدة في أوروبا والعالم، 

معتبرين أن خطط هؤلاء للاستعداد لعصر يحمل سمات المواجهة مع روسيا لعقود، لا تنعكس عبر إقرار زيادات فعلية متناسبة مع تلك الخطط في ميزانياتهم العسكرية. 

وفي الواقع، تجد هذه التقديرات الأميركية من يؤيّدها على المقلب الأوروبي، إذ يشير الرئيس المشارك لـ»المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» ورئيس وزراء السويد الأسبق، كارل بيلت، إلى أن الدول الأوروبية «ستحتاج إلى مضاعفة ميزانياتها العسكرية مرة أخرى من أجل ردع التهديدات من جانب النظام الروسي».

أهداف القمة... بين إشكاليتَي دعم أوكرانيا ووحدة الحلف

مع ذلك، أكّد البيت الأبيض، في بيان، أن بايدن لن يعمد خلال قمة «الناتو» إلى ممارسة ضغوط على حلفائه من أجل حثّهم على زيادة إنفاقهم العسكري. 

وبحسب محلّلين أميركيين، فإن المشكلة الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى الرئيس الأميركي وسائر حلفائه الأوروبيين، تتركّز على محاولة تجنّب وقوع خلاف علني بينهم وبين الرئيس الأوكراني بخصوص ملف انضمام بلاده إلى الحلف، على غرار ما حدث خلال قمة الأخير في ليتوانيا العام الماضي، حين طالب زيلينسكي بوضع جدول زمني واضح في هذا الصدد.

وفي هذا السياق، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز»، نقلاً عن مصادر دبلوماسية في الحلف، أن دول «الناتو» عكفت، منذ أشهر، على محاولة تجاوز ذلك الخلاف مع أوكرانيا، من خلال محاولة التوصّل إلى صيغة (تعاقدية) معينة يمكن إزاءها طمأنة كييف حول مستقبل عضويتها في الأطلسي، ومن دون المخاطرة بمنحها العضوية الفورية فيه. 

وبحسب المصادر عينها، فقد خلصت مباحثات أعضاء الحلف إلى ضرورة إرساء نهج جديد لناحية تهدئة الهواجس الأوكرانية في ما يتعلّق بملف العضوية، إذ يُتوقع أن تشهد قمة واشنطن الإعلان أن الملف المذكور «لا رجعة فيه».

 إلا أن محللين غربيين لا يتوقّعون أن يسهم اعتماد التعبير المشار إليه في إزالة هواجس زيلينسكي، وإنْ كان يحمل دلالات على وعد قطعي من الحلف للقيادة الأوكرانية.

وإذا كان البحث في «سيناريوات» تهدئة روع كييف، يُعدّ الملف الأكثر إلحاحاً في القمة، إلا أنّه ليس الوحيد. فوفقاً لتقديرات محللين غربيين، فإن واشنطن وبروكسل، وبصرف النظر عن خلافاتهما حول مسائل عدة، متّفقتان على البحث في سبل الحدّ من الضرر الذي باتت تلحقه السياسات الخارجية «المتمايزة» لبعض بلدان الحلف، كتركيا والمجر، اللتين لا تزالان تفضّلان نهجاً دبلوماسياً لوقف الحرب في أوكرانيا، بوحدة «الناتو».

وبرأي محللين، فإن ذلك النهج يتعارض مع رغبة الحلف، الذي يريد، من على منبر قمة واشنطن، توجيه «رسالة وحدة وتحدٍّ» إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وغيره من الخصوم الإستراتيجيين للغرب، وهذا ما يفسّر انتقاد منسّق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، لزيارة أجراها أخيراً رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، إلى موسكو، ودعوته من هناك إلى وقف الحرب في أوكرانيا، والاستجابة لبعض المطالب الروسية.