قراءات غربيّة في التصعيد الإسرائيلي: إنهاء الحرب أم «إشعال» المنطقة؟

الرأي الثالث  -  الأخبار 

 بداية هذا الأسبوع، كان لا يزال هناك تفاؤل في أوساط صنّاع السياسة في واشنطن بإمكانية تجنّب «حرب شاملة» بين إسرائيل وحزب الله، وهو ما انعكس بإعلان البيت الأبيض، الاثنين، أنّ الحديث عن مثل تلك الحرب هو «أمر مبالغ فيه».

 على أنّ الساعات القليلة التي أتت بعد ذلك كانت كفيلة بتغيير مثل تلك الحسابات. في الواقع، وعلى الرغم من أنّ استهداف عدد من المدنيين واستشهاد القيادي الكبير في حزب الله، فؤاد شكر، كان هجوماً «وارداً» بالنسبة إلى العديد من المراقبين، الذين لم يستبعدوا حتى أن يُقابل بردّ «تصعيدي» من الحزب، 

فإنّ اغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة «حماس»، إسماعيل هنية، على أراضٍ إيرانية، رفع الصراع إلى مستوى آخر كلياً، وجعل كلاً من «حماس» وإيران وحزب الله وسائر فصائل المقاومة في المنطقة، في حالة تأهب للرد على الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة.

 بمعنى آخر، فقد وضع استشهاد هنية جملة من القضايا الإقليمية الحاسمة على المحك، بما في ذلك إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وعدم توسيع رقعة الحرب، والعلاقات الإيرانية - الأميركية بشكلها الأوسع، وجعَلها رهن حجم رد قوى المقاومة في المنطقة وشكله.

وفي الغرب، تتفاوت التوقعات حول ما ستؤول إليه الحرب، بين من يرى في الضربات الأخيرة بداية لتصعيد كبير، قد يضرب عرض الحائط بجميع مساعي إنهاء الحرب والتوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول أخرى في المنطقة، 

وآخرين يرون أنّ لجوء إسرائيل إلى مثل تلك العمليات المحدودة يهدف إلى الخروج ببعض «الانتصارات»، قبل نهاية الحرب، وتجنّب التورط في «غزو شامل» للبنان، أو توسيع الصراع في المنطقة. 

ويتبنّى تقرير نشرته مجلة «ذا أتلانتيك» وجهة النظر الثانية، إذ رأى كاتب المقال، الذي زار إسرائيل قبل شهرين، أنّه على الرغم من أنّ الجميع، بدءاً من المسؤولين ووصولاً إلى المستوطنين، «بدوا متصالحين» مع فكرة الدخول في حرب مع حزب الله، بدلاً من السماح للأخير بالتحكم بمصير «الأراضي الشمالية»، وأنّ البعض رأى في الهجومين الإسرائيليين الأخيرين بداية لتلك الحرب، فإنّ «العكس قد يكون صحيحاً».

 وطبقاً للتقرير، تهدف عمليتا الاغتيال إلى إيصال رسالة «معنوية» إلى حزب الله وجماعات المقاومة الأخرى التي «تعتمد على إيران». 

ويستند أصحاب هذا الرأي إلى فكرتين، أولاهما أنّ إيران، وفي حال سعت إلى الانتقام فهي «تريد، كما حصل في السنوات الأخيرة، تجنب حرب شاملة»، وثانيتهما أنّ هنية لم يكن يمتلك القرار الأخير في مفاوضات التبادل، ولم يكن هو من يقف خلف عملية السابع من أكتوبر، «بل يحيى السنوار»، وبالتالي فإنّ اغتياله لن يوقف بالضرورة المفاوضات.

على أنّ تمسك المقاومة، بجميع فصائلها، بردٍّ انتقامي موجع على العمليات الإسرائيلية الأخيرة، جعل العديد من المراقبين في الغرب يبدأون، بالفعل، في دراسة «الشكل» الذي من الممكن أن يتخذه الرد المشار إليه.

 وفي هذا الإطار، ورد في تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، أنّ القرار النهائي بشأن آلية الانتقام يقع على عاتق المرشد الأعلى في إيران، علي الخامنئي، الذي أمر الأربعاء، «بضرب إسرائيل مباشرة» انتقاماً لاستشهاد هنية. 

وتتابع الصحيفة أنّ طريقة الانتقام ستُحدث «فرقاً» في شكل التصعيد؛ أي أنّه، بحسب التقرير، في حال شنت إيران هجمات صاروخية مباشرة، كما فعلت لأول مرة منذ 45 عاماً في نيسان، فقد تتصاعد دائرة الضربات والضربات المضادة بسهولة. 

أمّا إذا قام حزب الله بتكثيف هجماته على «شمال إسرائيل»، أو وسّع «الحوثيين» هجماتهم في البحر الأحمر، فقد تتوسع الحرب لتشمل لبنان، كما من الممكن أن تتطلب تدخلاً من القوات البحرية الأميركية لـ«إبقاء الممرات البحرية مفتوحة».

 أمّا «الخيار الأخطر» من بين كل هذه الاحتمالات، طبقاً لأصحاب هذا الرأي، فهو أنّ تقرر إيران «اتخاذ الخطوة الأخيرة نحو بناء سلاح نووي فعلي».
 
تحقيق «نقاط»

على الضفة نفسها، في أعقاب التصعيد الإسرائيلي الأخير، تركزت الأنظار على الزيارة التي أجراها رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لواشنطن، وما إذا كان قد حصل على «تفويض» أميركي بإشعال الحرب في المنطقة. 

وفي السياق، ورد في تقرير نشره «معهد الشرق الأوسط»، أنّه في حين لا يزال من غير الواضح ما إذا كان نتنياهو قد بحث العمليتين الأخيرتين أو نسقهما بشكل مباشر في الولايات المتحدة، 

إلا أنّ الانطباعات التي أخذها من الوضع الداخلي الأميركي قد ساعدته، على الأغلب، في اتخاذ القرار الحاسم بشنّهما. 

وفي الواقع، لقي نتنياهو داخل الكونغرس الأميركي «استقبال الأبطال»، فيما لمس لدى كل من المرشحَين للرئاسة كامالا هاريس، ودونالد ترامب، رغبة قوية في إنهاء الحرب «سريعاً».

 وبالتالي، فإنّ نتنياهو قد شعر، وفقاً لوجهة النظر هذه، بأنّ أمامه أشهراً قليلة لـ«تصفية حساباته مع (حماس) وحزب الله وإيران»، ولمس في الوقت عينه، أن الولايات المتحدة لن يكون لديها خيار سوى «الوقوف معه» بمجرد بدء نزول الصواريخ على إسرائيل.

وبناءً على ما تقدّم، يمكن حصر النيّات الإسرائيلية في خانتين: الأولى أنّ اغتيال قادة «حماس» وحزب الله (مع بعض العمليات الأخرى التي قد تتبعها)، وضرب كل من طهران وبيروت، يهدفان إلى إظهار «القوة» للجمهور الإسرائيلي في الداخل، والتمهيد «لإعلان النصر وإنهاء الحرب في غزة من موقع القوة»، 

أو - وهو الاحتمال الثاني - افتعال تصعيد كبير ضد حزب الله وإيران، من أجل إشعال حرب أكبر، وتمكين إسرائيل من توسيع أعمالها ضدّ الحزب، بما في ذلك من خلال غزو بري محدود، أو التصعيد مع إيران، ما سيجبر الولايات المتحدة، كما حدث في نيسان، على الوقوف إلى جانب إسرائيل، والانضمام إلى المواجهة العسكرية ضد طهران.

وبحسب تقرير آخر نشره المعهد نفسه، وإذ ساد شعور بـ«الإنجاز والرضى» في إسرائيل بعد ضربتَي بيروت وطهران، اللتين ذكّرتا إسرائيل بـ«الإنجازات العسكرية» السابقة، والتي اتّسمت بعمليات «دقيقة وبعيدة المدى وشجاعة وناجحة»، على عكس الإخفاقات التي فضحتها عملية السابع من أكتوبر، فإنّ الطاولة على وشك أن «تنقلب»، إذ دخل الإسرائيليون «فترة انتظار جديدة»، ترقّباً لردّ حزب الله، وحركات المقاومة الأخرى على الأرجح، وما قد يتبعه.

المفاوضات

على عكس التوقعات «القاتمة» التي تلت عملية اغتيال هنية، بدا أن هناك إصراراً أميركياً على الإيحاء بأنّه لا تزال هناك إمكانية لاستمرار المفاوضات، ووضع حدّ للحرب. 

وطوال يوم الأربعاء، كان المسؤولون الأميركيون يتواصلون مع نظرائهم في إسرائيل ولبنان والعراق وقطر ومصر والأردن والسعودية، بهدف منع تصاعد وتيرة العنف، «وإنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار». 

وأثناء مغادرة فريق من المفاوضين الأميركيين من روما، كان فريق آخر يتجه إلى القاهرة لمواصلة «الجهود» في هذا الاتجاه.

بيد أنّه طبقاً لتقرير منفصل نشرته «نيويورك تايمز»، وعلى الرغم من أنه بعد انسحابه من السباق الرئاسي، كان جو بايدن يأمل باستغلال وقته المتبقّي في المنصب لإنهاء الحرب في غزة، وربما التوصل إلى صفقة بين إسرائيل والسعودية قد «تغيّر شكل المنطقة»، فإنّ عمليات الاغتيال التي شنّها العدوّ صعّبت، على المدى القصير أقلّه، كلا الهدفين. 

وفي الصورة الأعم، يرى مراقبون أنّ الهجوم سيتسبب بأزمة كبيرة في العلاقات بين واشنطن وطهران، في وقت كان فيه الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، قد تعهّد، في حفل تنصيبه، بـ«إعادة التوازن» إلى العلاقات الخارجية لبلاده، والتخفيف من حدّة العقوبات. 

وبالتالي، فإنّ أيّ تصعيد إقليمي مع إسرائيل سيُغلق «النافذة الضيقة» أمام التبادلات الديبلوماسية، والتي وإن كانت «ضيقة»، فهي لم تكن، حتماً، بحسب «نيويورك تايمز»، «مغلقة».