الجيش السودان «يبشّر» بحسم عسكري: إرادة «الاستفراد» باقية

الرأي الثالث - وكالات

 مع انسداد الأفق أمام الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب الدائرة في السودان بصورة سلمية، ودفْع ملفّ الأزمة إلى التدويل تحت عناوين إنسانية تتبنّاها دول كبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا)، تبدو قيادة الجيش متمسّكة بمبدأ الحسم العسكري على الأرض. 

ويأتي ذلك في ظلّ تزايد المطالبات الموجّهة إليها بضرورة استغلال موسم الأمطار، لتحسين أوراقها الميدانية بوجه «الدعم السريع»؛ على اعتبار أن الأمطار تشكل عائقاً طبيعياً أمام تحرّك مركبات قوات «حميدتي» في مناطق الجزيرة وكردفان وسنار، 

بالإضافة إلى شرق البلاد.وأعلن عدد من القادة العسكريين، بمن فيهم قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أخيراً، أن «الجيش الآن في أفضل أحواله»، بعدما تمكّن من تعزيز ترسانته بـ»أسلحة نوعية»، من شأنها أن تُحدث «تحوّلاً كبيراً في سير المعارك»، فيما أُعلن عن تشكيل قوات جديدة داخل الفرق، للدفع بها إلى أرض المعركة. 

ووفق حديث مساعد قائد الجيش، ياسر العطا، لدى مخاطبته جنود منطقة شندي العسكرية في ولاية نهر النيل شمال البلاد، فإن «الأسلحة النوعية الجديدة ستُحدث تحوّلاً كبيراً على الأرض، وستُسهم في تدمير الميليشيا».

 وقال العطا إن «نهاية الدعم السريع باتت قريبة»، متحدّثاً عن «تحرّك القوات المسلحة في القريب من جميع الاتجاهات لتحرير كل شبر من السودان».

وفي هذا الإطار أيضاً، بدا لافتاً حديث نائب رئيس «مجلس السيادة»، مالك عقار، الذي حدّد قيداً زمنياً لإنهاء الحرب، أثناء مخاطبته، نهاية الأسبوع الماضي، مؤتمراً للخدمات الصحية في شرق السودان، إذ قال: «الحرب ستنتهي في كانون الأول المقبل، 

وحينها سيمكنك السير في الشوارع من دون أن تحمل حتى عصا»، معتبراً أن النزاع الحالي «ليس حرباً تقليدية، بل هي حرب شنّها مرتزقة بلا هدف أو عقيدة قتالية، تدفعهم وتقودهم دولة الإمارات». 

وجاءت تصريحات المسؤولين السودانيين، في وقت كثّف فيه الجيش من هجماته الجوية على معظم المحاور القتالية، إذ استهدف تموضعات لـ»الدعم السريع» في ولايات الخرطوم، والجزيرة، ودارفور، وسنار، وكردفان.
 
وفي الموازاة، يرى مراقبون أن قيادة الجيش بدأت في تهيئة المسرح الداخلي لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب، بعدما شدّد عدد من وجوهها على عدم تسليم السلطة لأيّ جهة، إلا عبر صناديق الاقتراع. 

غير أن تصريحات نُسبت إلى العطا أثارت أخيراً موجة من التساؤلات، بعدما أكّد أن البرهان «سيبقى على رأس السلطة بكامل الصلاحيات السيادية حتى بعد قيام الانتخابات لمدة ثلاث إلى أربع دورات انتخابية»، في ما اعتبرته بعض القوى السياسية متعارضاً مع تعهدات سابقة للجيش بتسليم السلطة. 

وفي هذا الإطار، استنكر رئيس «حزب المؤتمر السوداني»، عمر الدقير، ما جاء على لسان العطا، معتبراً أنه يثير العديد من علامات الاستفهام حول مصير تعهدات البرهان قبل الحرب وبعدها بتسليم السلطة للمدنيين عبر صناديق الانتخابات وعدم رغبته في الحكم.

 كما تساءل الدقير عن مصير تلك التعهدات، قائلاً: «هل تراجعت القوات المسلحة عن تعهداتها، أم أنها كانت وعوداً في الهواء، أم أن الأمر يعكس عدم انضباط عسكري بحيث تصبح تصريحات القائد العام المعلنة عرضة للتناقض من قبل مرؤوسيه؟»، 

مشيراً إلى أن «تصريحات العطا تكشف عن نزعة وصائية على الشعب تسلبه حقّه في اختيار مَن يحكمه».

ويرى محلّلون في حديث العطا تفسيراً لما يرون أنه تلكّؤ قيادة الجيش في حسم المعركة عسكرياً، وميلها إلى الحلّ التفاوضي، بحيث تضمن لها بنوده البقاء في كرسي الحكم. 

ويقول هؤلاء إن «حديث العطا بمثابة جس نبض للرأي العام المحلّي لمعرفة مدى قبوله باستمرار القيادات الحالية في الحكم». 

من جهته، يعتبر المحلّل السياسي، عقيل ناعم ، أن «أطماع العسكر في السلطة غير مرتبطة بالحرب»، إذ «تتضح أطماع قيادات الجيش الحالية في السلطة منذ بداية الفترة الانتقالية، وما نصّت عليه الوثيقة الدستورية، مروراً بعرقلة عمل الحكومة المدنية، ثم الانقلاب على حكومة حمدوك في 25 تشرين الأول 2021... جميعها مؤشرات تدل على أن قيادات القوات المسلحة راغبة في السيطرة على السلطة والاستمرار فيها».

 ولا يتوقّع عقيل أن تتنازل المجموعة التي على رأس قيادة الجيش الآن عن السلطة، أو أن تشرك المدنيين في الحكم، إلا في إطار المجموعات المدنية المتحالفة معها، «وهذا بالتأكيد لن يقلّل من سلطتهم المطلقة»،

 مضيفاً أن «تصريحات العطا تدلّ على أنهم يعتمدون على تحقيق نصر كاسح للجيش يخوّله الانفراد الكامل بالسلطة». 

ولكن، وفق ناعم، فإن «تقنين الانفراد بالسلطة لن يكون عبر صناديق الانتخابات، إنّما عبر فترة انتقالية يتمّ تجديدها باستمرار، وبهذا يضمن الجيش بقاء القائد العام على رأس السلطة».