تسارع وتيرة التهديدات | إثيوبيا- الصومال: ذروة التصعيد أقرب

الرأي الثالث - الأخبار

 كشفت خطوة تأجيل جولة المحادثات الثالثة بين إثيوبيا والصومال، والتي كان مقرَّراً عقدها، أول من أمس، برعاية تركية، عن حجم التوتّر الذي بلغه إقليم القرن الأفريقي، وآفاق تطوّره إلى مواجهات مفتوحة، في حال مضت أديس أبابا قُدماً في قرارها عدم الاستجابة لمطلب مقديشو إلغاء مذكرة التفاهم التي وقّعتها الأولى مع ولاية أرض الصومال (المطالبة بالانفصال عن الصومال) لاستئجار شريط ساحلي فيها بطول 20 كيلومتراً، ولمدة 50 عاماً، وسحب قواتها من البلاد بحلول نهاية العام الجاري، وهو ما ستتعامل معه مقديشو لاحقاً باعتباره «عدواناً عسكريّاً مكتمل الأركان».

 وجاء التأجيل وسط تصعيد ديبلوماسي غير مسبوق في السنوات الأخيرة بين البلدين، وحديثاً على خلفية تعميق التعاون الصومالي - المصري، والذي شمل للمرّة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود، الجانب العسكري.

آفاق الصدام الإثيوبي - الصومالي: جبهات متعدّدة

مثّل السجال الذي دار بين وزير الخارجية الصومالي، أحمد فقي، ومسؤولين إثيوبيين، والذي هدّد فيه الأول ضمناً (12 الجاري) بدعم بلاده «المتمردين والانفصاليين» في إثيوبيا كخيار محتمل لمواجهة «اعتداءات» الأخيرة على سيادة الصومال، وما قابله من تهكُّم إثيوبي واضح على قدرة مقديشو على تنفيذ تهديدها، عودةً قوية لأجواء مقدمات حرب «الأوجادين» بين البلدين في أواخر سبعينيات القرن الماضي، من دون أن تغيب عن المشهد الحالي تبدّلات المواقف الإقليمية والدولية في دعم الطرفين.

ومن جهتها، بادرت أديس أبابا إلى شنّ هجوم مرتدّ على الحكومة الفدرالية في مقديشو، بإعلانها أن قواتها الموجودة في الصومال، والتي تتمركز في عدد من المطارات في الولايات المختلفة خارج العاصمة، ستحول دون استخدام هذه المطارات لنشر القوات المصرية في مطلع العام المقبل. 

واستُكمل ذلك التصعيد بإلغاء رحلات الطيران بين مقديشو ومدينة بيدوا في ولاية جنوب غرب الصومال (الواقعة على الطرف الجنوبي للحدود الإثيوبية - الصومالية، والمعروفة بصلاتها الوطيدة مع أديس أبابا منذ تدخل الأخيرة لمواجهة جماعة «الشباب»، ومعارضتها القوية خطة نشر قوات مصرية تحت مظلة الاتحاد الأفريقي)، في موازاة مبادرة الحكومة الفدرالية إلى نشر قوات تابعة لها في براوة، عاصمة الولاية المطلّة على ساحل المحيط الهندي، جنوب غرب مقديشو.

لكن مصادر صومالية اعتبرت أن التصعيد الحالي بين مقديشو وبراوة ليس متّصلاً بـ«المسألة المصرية»، إذ يمكن وضعه في سياق الخلافات المتأصّلة بين العاصمة الفدرالية وعدد من الولايات حول مسار الوحدة الوطنية في الصومال بعد فشل محادثات رئيس الولاية، عبد العزيز محمد لفتاغرين، مع رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، في التوصّل إلى تفاهمات في هذا المسار. 

وهو فشل أعقب اشتراط الأول إقالة وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور، ووزير الأوقاف والشؤون الدينية مختار روبو، وهو نائب سابق لقائد اتحاد المحاكم الإسلامية ومتحدث سابق باسم «جماعة الشباب» قبل خروجه عليها في عام 2017، ما أهّله للترشّح في انتخابات الرئاسة في ولاية جنوب غرب الصومال، ومنافسة لفتاغرين نفسه قبل فوز الأخير (في انتخابات 2018) بدعم منسّق من مقديشو والقوات الإثيوبية حينذاك.

وهكذا، يبدو أن أوراق إثيوبيا في الشأن الصومالي متنوعة وبالغة التأثير. وفي المقابل، فإن تهديدات الصومال بدعم «المتمردين والانفصاليين» في إثيوبيا قد لا تكون واقعية تماماً، إلا في حالة التعاون مع «جبهة تحرير التيغراي الشعبية»، وبتنسيق مع أطراف إقليمية، من مِثل إريتريا التي كانت فاعلة في إنقاذ نظام آبي أحمد، بعد استقدامها فرقاً قتالية صومالية لتدريبها والدفع بها للمشاركة في حرب التيغراي دعماً لحكومة آبي. 

ويعدّ ذلك السيناريو قائماً، في ضوء تحوّلات العلاقات الإثيوبية - الإريترية من جهة، وأيضاً في إطار الحراك الذي تقوم به «جبهة تحرير التيغراي» لتحقيق مصالحة مع إريتريا، وفقاً لما اتّضح في المحادثات بين الجانبَين، والتي استضافتها الإمارات في الربيع الفائت، فضلاً عن احتمال توقيع مصر وإريتريا اتفاقاً مهمّاً للتعاون العسكري، هو الأول من نوعه بين البلدين، قد تتجاوز تأثيراته الإقليمية حدود الاتفاق المصري - الصومالي.

أزمة القرن الأفريقي: أميركا على الخط!

يرى خبراء أن منطقة القرن الأفريقي دخلت بالفعل مرحلة إعادة تشكيل، ربّما يكون في صلبها الابتعاد الأميركي عن نظام آبي أحمد. إذ اتخذت واشنطن، في الأسابيع الأخيرة، مواقف أعلى سقفاً تجاه أديس أبابا، وهو ما اتّضح في زيارة المبعوث الأميركي الخاص إلى القرن الأفريقي، مايك هامر، إلى العاصمة الإثيوبية، مطلع الجاري، والتي ركّزت على تطبيق الحكومة والأطراف الإثيوبية الأخرى (لا سيما الإدارة الانتقالية في التيغراي) اتفاق بريتوريا لوقف العدائيات، ومناقشة مدى جدّية الحكومة الإثيوبية في معالجة الأزمات في إقليمَي الأمهرا وأوروميا «عبر الحوار». 

وتلى ذلك مباشرة تمديد إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن (6 الجاري)، برنامج العقوبات المفروضة على مسؤولين إثيوبيين لمدّة عام آخر.

وفي المقابل، أبدى مسؤولون أميركيون، في مقدمّتهم هامر، ما سموه حرْص بلادهم على وحدة الصومال وسيادته على أراضيه، مشددين على ضرورة التزام إثيوبيا بمقررات العمل الجماعي التي يقرّها «الاتحاد الأفريقي».

 وترافقت جولة هامر مع لقاء بين قائد فرق البحرية الأميركية الجنرال مايكل لانغلي، والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، وكبار المسؤولين العسكريين في البلاد، تناولت إمكانية نشر قوات أميركية إضافية في الصومال، في وقت أكد فيه لانغلي، خلال زيارته إلى نيروبي بعد مقديشو، وجود تعاون لصيق مع القوات الكينية كشريك رئيس للصومال (في تجاهل واضح لإثيوبيا).

وفي منتصف الجاري، جدّد هامر دعوته كلاً من إثيوبيا والصومال إلى حلّ خلافاتهما سلمياً، في حين شدد السفير الأميركي في مقديشو، ريتشارد ريلي، على ضرورة قبول إجراءات لتسوية بديلة للنزاع (لم يكشف تفاصيلها) بدلاً من «قرع طبول الحرب» بينهما، 

مشيراً إلى أن بلاده لا تعترف بمذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال. ويأتي ذلك فيما يدور الحديث بالفعل عن رؤية بديلة للتسوية، عنوانها إلغاء المذكرة وتمكين إثيوبيا من الوصول إلى منفذ بحري في الصومال، ولكن بشروط تحافظ على سيادة الأخير.