العالم يرضخ لانقلاب اميركا على القانون الدولي لحماية إسرائيل
الرأي الثالث - الأخبار
يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة بينما يشن عدواناً واسعاً على المدنيين في جنوب لبنان والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت.
ولا تسعى أي دولة من دول «العالم الحر» الى وقف الجرائم الإسرائيلية التي تشكّل من دون ادنى شك خروقات خطيرة للقانون الجنائي الدولي والقانون الدولي الإنساني.
فقد ضاقت على ما يبدو مساحة منشدي سيمفونيات القانون الدولي في قاعات الجامعات وكليات الحقوق الأميركية والأوروبية العريقة، بعدما انقلبت الولايات المتحدة تدريجياً على منظومة القانون الدولي International Law System عبر تقديم «النظام الدولي القائم على القواعد» Rule-Based Order عليها. يعني ذلك،
عملياً، أنّ واشنطن قررت أنّ أيّاً من مجلس الأمن الدولي أو محكمة العدل الدولية أو الجمعية العامة للأمم المتحدة لا يحدد «قواعد» النظام الدولي، بل ينبغي ان تكون المصالح الأميركية والأوروبية هي البوصلة.
وسّع الجيش الإسرائيلي جرائمه الى لبنان بعد عام كامل من قصف المستشفيات وقتل المدنيين وطواقم الإسعاف والصحافيين والعاملين في منظمات الأمم المتحدة وفي الهيئات الإنسانية في غزة.
وبقي العالم متفرّجاً بسبب رضوخه للنظام العالمي الجديد الذي استبدل عملياً نظام القانون الدولي. ولم تعد هناك حدود للإجرام بل تبريرات بحجّة حق «اسرائيل» في الدفاع عن النفس.
وواكبت معظم وسائل الاعلام الغربية وبعض وسائل الاعلام العربية الانقلاب على القانون الدولي وبرّرته من خلال تركيزها على هجمات السابع من تشرين الأول 2023 واختلاق روايات عن قطع رؤوس أطفال واغتصاب نساء من أجل تكريس «حقّ إسرائيل بالدفاع عن النفس»، من دون اية حدود أو ضوابط.
فيحقّ لإسرائيل، مثلاً، قتل موظفي الأمم المتحدة في غزة أو تهديدهم في جنوب لبنان، واستخدام أسلحة محرّمة دولياً في لبنان، واستهداف الدفاع المدني والهيئة الصحّية وقتل الأطباء والمسعفين وتدمير المستوصفات والمستشفيات.
تعريف النظام البديل
سأل البروفيسور الجنوب أفريقي المتخصص في القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان جون دوغارد: «ما هو هذا المخلوق المسمّى النظام الدولي القائم على القواعد الذي استشهد به القادة السياسيون الأميركيون بشكل متزايد منذ نهاية الحرب الباردة بدلاً من القانون الدولي؟
وهل هو مرادف للقانون الدولي كما اقترح الزعماء الأوروبيون أم أنه شيء آخر يهدف إلى استبدال هذا القانون الذي حكم سلوك الدول لأكثر من 500 عام؟».
وحدد دوغارد، في مقال نشرته جامعة كامبردج، أسباب تفضيل الولايات المتحدة الاحتكام إلى «نظام دولي قائم على القواعد» بدل الالتزام بتعريف «القانون الدولي»، كالتالي:
أولاً، الولايات المتحدة ليست طرفاً في عدد من المعاهدات المتعددة الأطراف المهمة التي تشكل سمة أساسية للقانون الدولي. فهي ليست طرفاً في اتفاقية قانون البحار، ما يعني أنها مضطرة إلى توبيخ الصين لتهديدها «النظام الدولي القائم على القواعد» في بحر الصين الجنوبي بدلاً من القانون الدولي.
وهي ليست طرفاً في عدد من الاتفاقيات: المعاهدات الأساسية التي تحكم القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك بروتوكولات عام 1977 الملحقة باتفاقيات جنيف بشأن قوانين الحرب، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية الذخائر العنقودية، واتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد. كما أنها ليست طرفاً في اتفاقية حقوق الطفل أو اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
وهذا حتماً يجعل من الصعب على الولايات المتحدة محاسبة الدول على انتهاكات القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان إلى الحد الذي لا تعتبر فيه الولايات المتحدة هذه القواعد جزءاً من القانون الدولي العرفي.
ثانياً، وضعت الولايات المتحدة تفسيرات للقانون الدولي تبرّر استخدام القوة وانتهاك القانون الإنساني الدولي، وهي تفسيرات مثيرة للجدل ومتنازع عليها. وتفسيرها لحق الدفاع عن النفس للسماح بضربات استباقية واستخدام القوة ضد المتمردين/المسلحين الموصوفين بالإرهابيين هو أمر محل خلاف واسع.
واللجوء إلى استخدام القوة كنوع من التدخل الإنساني كما في قصف بلغراد عام 1999 تحت رعاية حلف شمال الأطلسي، محل خلاف أيضاً. وقد تعرضت التفسيرات التي وضعتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لقرارات مجلس الأمن للسماح باستخدام القوة في العراق عام 2003 وفي ليبيا عام 2011، لانتقادات كثيرة باعتبارها ذرائع غير قانونية لتغيير النظام.
وكان حرمان جنود طالبان المحتجزين في خليج غوانتانامو من حقوق أسرى الحرب في أعقاب الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2002 موضع تساؤل لانتهاكه المادة 4 من الاتفاقية المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب.
استخدام الطائرات من دون طيار في أفغانستان والعراق واليمن لقتل المسلّحين/الإرهابيين المعادين، وهو ما بررته الولايات المتحدة باعتباره دفاعاً مسموحاً به عن النفس، تم انتقاده باعتباره انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان.
ويبدو أن الولايات المتحدة تجد أن من الأسهل - والممكن - دعم مفهومها للقانون الدولي عبر «قواعد مكتب عمليات حفظ السلام»، بدلاً من تبريرها بموجب «قواعد القانون الدولي».
ثالثاً، لا ترغب الولايات المتحدة في تحميل بعض الدول، مثل إسرائيل، المسؤولية عن انتهاكات القانون الدولي. ويتم التعامل معها باعتبارها حالة استثنائية تتيح تحقيق المصلحة من دون مساءلة.
وقد أوضحت الولايات المتحدة هذه الاستثنائية في إعلانها المشترك مع إسرائيل لدى زيارة الرئيس بايدن لإسرائيل في تموز 2022، «الروابط غير القابلة للكسر بين بلدينا»، وتصميم «الدولتين على مكافحة كل الجهود الرامية إلى مقاطعة إسرائيل أو نزع شرعيتها، أو حرمانها من حقها في الدفاع عن النفس، أو تمييزها في أي منتدى، بما في ذلك الأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي».
ويفسر هذا الالتزام رفض الولايات المتحدة المستمر لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها المتكررة للقانون الإنساني، ورفض محاكمتها أمام المحكمة الجنائية الدولية، ومنع إدانة هجماتها على غزة».
عمر نشابة