جبهة «جليدية» مهدّدة بالاشتعال: الغرب يوسّع المواجهة مع روسيا

 الرأي الثالث -  الأخبار 

لن تكون منطقة الشرق الأوسط وأوروبا ومنطقة «الهندي – الهادئ» وحدها مناطق الصراع المشتعلة حول العالم لفترة طويلة؛ إذ هناك جبهة «جليدية» خَفية، بقيت لفترة طويلة، منطقة «صراع مؤجل» بين القوى العظمى، أي بين الولايات المتحدة «والناتو» 

من جهة، والحلف الصيني – الروسي من جهة أخرى؛ والمقصود هنا، «المنطقة القطبية الشمالية»، التي تُعدّ إحدى «أغنى بقاع الأرض»، وتشهد تحركات عسكرية روسية وأميركية غير مسبوقة، فيما كانت الصين اللاعب الأبرز الذي يدخل على الخط «بقوة» أخيراً. 

ودفع التعاون الصيني – الروسي المعمّق في تلك المنطقة، وانشغال واشنطن وحلفائها بحروب عدة حول العالم، إلى خروج تحذيرات كثيرة إلى العلن، حديثاً، حول أنّ الأوان قد «فات»، على الأرجح، بالنسبة إلى واشنطن وحلفائها لمواجهة نفوذ بكين وموسكو هناك،

 على الرغم من أنّ الولايات المتحدة تسارع إلى زيادة تسليحها وجهوزيتها العسكرية في هذه البقعة من الأرض، في محاولة جديدة، على الأرجح، لاحتواء موسكو.

وتراوح أهمية تلك المنطقة ما بين الدور الكبير الذي تؤديه في صناعة النفط والغاز العالمية، وصولاً إلى البحث العلمي، وصناعة صيد الأسماك وغيرها، فيما وصل بعض المراقبين إلى حدّ التحذير من خطر اندلاع «صراع نووي» فيها، تكون لروسيا «اليد الأعلى» فيه. 

ويؤكد لي هايدونغ، الأستاذ في «جامعة الشؤون الخارجية الصينية»، في حديث إلى صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية، أنّ «القطب الشمالي سيصبح إحدى أهم قنوات نقل الطاقة العالمية في المستقبل»، ولا سيما وسط تقديرات بأنّ ذلك القطب «قد يشهد أول صيف خالٍ من الجليد بحلول عام 2030، 

فيما سيؤدي فقدان الجليد البحري إلى زيادة فعالية ممرات العبور البحرية، والوصول إلى الموارد تحت سطح البحر»، علماً أنّ المنطقة المشار إليها تُعدّ الأكثر تأثراً بظاهرة التغيّر المناخي.
 
وبداية هذا الشهر، أوردت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية تقريراً جاء فيه أنّه عندما اعترضت مقاتلات أميركية قاذفتين روسيتين واثنتين صينيتين، في «منطقة تحديد الدفاع الجوي الأميركية» فوق ألاسكا في تموز، كانت تلك الخطوة غير المسبوقة مؤشراً واضحاً إلى «الشراكة الحازمة والتوسعية بشكل متزايد بين البلدين»، على حدّ تعبيرها، 

مشيرةً إلى أنّه بعدما كنت بكين وموسكو تعملان على «إنشاء موطئ قدم استراتيجي» في المنطقة منذ أكثر من عقد، فإنّ واشنطن وبروكسل قد استيقظتا إزاء هذا التهديد، بينما الوقت «ينفد». 

ولا مبالغة في القول، بحسب التقرير، إنّ أهمية القطب الشمالي بالنسبة إلى روسيا تتمثل في حماية «وضعها النووي المهدد» في مواجهة الولايات المتحدة؛ 

ففي تبادل نووي محتمل، من المرجّح أن تطلق موسكو صواريخ باليستية بعيدة المدى - من قواعد غواصات الصواريخ الباليستية بالقرب من شبه جزيرة كولا - عبر المجال الجوي الذي لا يمكن إجراء مسح جيد له فوق غرينلاند.

 وبسبب ضعف الرؤية في القطب الشمالي، لن تكون القوات الأميركية مستعدة لاكتشاف مثل تلك الضربة والتصدي لها.
 
وإلى جانب ما تقدّم، وفي إطار شراكتها «اللامحدودة» مع روسيا، تعمل الصين على تطوير قدراتها «ذات الاستخدام المزدوج» في المنطقة أيضاً، ما يعزز قدرة روسيا «على تهديد» الولايات المتحدة وحلفائها في «الناتو»، وتشتيت انتباههم عن منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بحسب الصحيفة. 

كما زادت بكين من تعاونها الإقليمي المدني والعسكري مع موسكو، وربطت «طريق الحرير» القطبي بالقطب الشمالي الروسي من خلال الاستثمار في البنية التحتية. 

وطبقاً للمصدر نفسه، فإن القدرات البحرية والإلكترونية والفضائية لروسيا والصين في القطب الشمالي، أصبحت تهدد البنية التحتية للاتصالات والبيانات المتناثرة لحلف «الناتو» في المنطقة، ولا سيما أنّه لم يتم بناء كابلات الاتصالات لتكون قادرة على تحمل الحرب الهجينة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم كفاية الرادارات وطائرات المراقبة والطائرات المُسيّرة والسفن الحربية القادرة على مكافحة الغواصات وتغطية الأقمار الصناعية يجعل الولايات المتحدة «عرضة للتهديد النووي الروسي»، فيما يبقى من غير الكافي أن تطور أميركا قدراتها الخاصة لمواجهة التحدي المشار إليه، نظراً إلى وضع حلفائها أيضاً، 

إذ إن القاعدة الصناعية الدفاعية في المملكة المتحدة تكافح للوفاء بالتزاماتها تجاه الولايات المتحدة وأستراليا، فيما فنلندا والسويد بحاجة إلى التركيز على الأمن في منطقة بحر البلطيق، وتعتمد أيسلندا على الولايات المتحدة للدفاع عنها، فيما الحلفاء الوحيدون في «الناتو»، المتاخمون للقطب الشمالي، والذين يتقاسمون حالياً بشكل كبير «هذا العبء الأمني»، هم كندا والنرويج والدنمارك. 

على أنّ الدول الأخيرة تبقى أيضاً دولاً صغيرة إلى حد ما، ولديها أيضاً مسؤولية في المساهمات الدفاعية، ولا سيما في ما يتعلق بمساعدة أوكرانيا في حربها ضدّ روسيا.

ويختم أصحاب هذا الرأي بالإشارة إلى أنّ التفاوض على خطة دفاع في القطب الشمالي تكون قادرة على ردع روسيا والصين خلال العقد المقبل، أصبح «أمراً صعباً». 

وفي خضمّ هذه «المخاوف»، اتخذت الصين، بداية الشهر الجاري، خطوة وصفها مراقبون بـ»التاريخية»، بعدما أعلن «خفر السواحل الصيني» أنه دخل مياه المحيط المتجمد الشمالي لأول مرة، في إطار دورية مشتركة مع روسيا، 

مشيراً إلى أنّ الدورية «وسّعت بشكل فعال نطاق ملاحة خفر السواحل في المحيط، واختبرت قدرتها على تنفيذ مهام في مياه كانت غير مألوفة»، ما يؤشر إلى تغيّر كبير في «التوازنات» في تلك المنطقة. 

وفي وقت سابق، كانت واشنطن قد عمدت إلى تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، من خلال إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية، وإجراء تدريبات مشتركة، بشكل متكرر، مع حلفائها في «الناتو».

«حصار» جديد؟

بالنسبة إلى موسكو وبكين، فإنّ الأحداث الدائرة في المنطقة القطبية الشمالية تتجاوز مسألة «التنافس» على الموارد أو الاستفادة من «طريق الشمال» البحري، والذي يرى فيه بعض المراقبين بديلاً من «قناة السويس»،

 إذ إنّ «التهويل» الأميركي المتزايد حول التعاون بين روسيا والصين هناك، يندرج في إطار محاولة الغرب فرض «حصار جديد» على موسكو، هذه المرة على جبهتها الشمالية، 

علماً أنّ روسيا هي الدولة التي تتمتع بأكبر مساحة من الأراضي والموارد في تلك المنطقة. 

وفي الواقع، قدّرت «هيئة المسح الجيولوجي الأميركية (USGS)، هذا العام، أنّ النفط غير المكتشف في القطب الشمالي يعادل نحو ثلاثة أضعاف إنتاج النفط الخام في العالم في عام 2015،

 فيما نسبة الغاز غير المكتشف، بما في ذلك سوائل الغاز الطبيعي، تعادل حوالي 11 أضعاف إجمالي إنتاج الغاز في العالم في العام نفسه. 

وما يقرب من 84% من إمكانات النفط والغاز في المنطقة يقع في المياه؛ حيث 22% و69% من النفط والغاز البحري، على التوالي، تقع في القطب الشمالي الروسي، والباقي موزّع ما بين المساحات التابعة للولايات المتحدة وغيرنلاند وكندا والنرويج.

 أيضاً، يقع في تلك المنطقة نحو 40% من احتيطات روسيا للذهب، فضلاً عن كمية هائلة من المعادن الأخرى، من مثل الكروم والبلاتين. وبالتالي، فإنّ التوسع الروسي مدفوع، طبقاً لوجهة نظر موسكو، برغبة الأخيرة في الحفاظ على ثرواتها واستثمارها.

من جهتها، اعتبرت بكين، في غير محطة، أنّ الحديث المستمر عن «التهديد الصيني والروسي» في القطب، نابع من هدف واشنطن النهائي، والمتمثل في أن تصبح «القوة المهيمنة في كل منطقة من مناطق العالم». 

وبعدما برزت تلك المنطقة إلى الواجهة خلال الحرب العالمية الثانية، وفيما بعد خلال الحرب الباردة، عندما حاول خصوم روسيا «احتواءها»، وفشلت المهمة، فإنّ هذه الأخيرة تبدو، حالياً، أصعب من أي وقت مضى، وسط حديث خبراء غربيين عن أنّ «البصمة العسكرية للغرب» في القطب الشمالي كانت متأخرة بنحو عشر سنوات عن روسيا، قبل دخول الصين بشكل مباشر على الخط.

ريم هاني