اختتام قمة «بريكس»: لا شرعية للمنظومة الغربية بعد الآن

الرأي الثالث - وكالات

في القمة التي استمرت على مدى ثلاثة أيام، ناقش قادة الدول الأعضاء في "البريكس" إنشاء عملة موحدة، وخلق نظام مصرفي وعالمي "مستقل عن الغرب" ، 

جنباً إلى جنب دعوة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى إطلاق آلية تشاور حول عمل "منظمة التجارة العالمية"، لجعل القواعد الاقتصادية العالمية "أكثر عدلاً"، وإنشاء "بورصة لتبادل الحبوب"، قد تتوسع في ما بعد لتشمل تبادل السلع الأخرى. 

وكانت الحرب الدائرة في غزة، وفشل الغرب في وضع حد للمجازر والانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين في القطاع ولبنان، حاضرة في معظم اللقاءات الثنائية والمشتركة بين رؤساء الدول، كما في خطاباتهم أمام القمة. 

وفي حين تبقى القدرة على فرض الإجراءات الاقتصادية المشار إليها وفعاليتها رهن الوقت، فمن الثوابت الأساسية التي رسختها القمة الأخيرة، تراجع الثقة لدى خصوم واشنطن وحلفائها على السواء، بـ"شرعية الغرب وأدواته" في تسوية الحروب أو وضع حدّ لها، ورغبة هؤلاء في التوصل إلى نوع من الاستقلالية عن هيمنة الدولار والعقوبات الغربية،

 فيما بدا أن هنالك إجماعاً في أوساط المراقبين في الغرب على أنّ محاولة عزل روسيا على الساحة العالمية، بعد ثلاثة أعوام على الحرب في أوكرانيا، قد سقطت، فور وصول عشرات قادة دول العالم، الثلاثاء، إلى مدينة كازان الروسية للمشاركة في فعاليات القمة. 

وفي ختام الأخيرة أمس، صدر إعلان مشترك أكدت فيه الدول المشاركة ضرورة وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، ودانت استهداف إسرائيل للعمليات الإنسانية ومراكز توزيع المساعدات في القطاع، كما اعتبرت الدول المذكورة أنّ تفجيرات أجهزة "البايجر" في لبنان تعدّ خرقاً للتشريعات الدولية. . 
 
وفي ما يتعلق بأبرز المواقف التي صدرت عن رؤساء الدول المشاركة خلال الأيام الماضية، اعتبر رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، الذي كانت لبلاده "صولات وجولات" مع الأمم المتحدة و"محكمة العدل الدولية" في ما يتعلق بالحرب الدائرة في غزة، أنّ "مجلس الأمن" التابع للأمم المتحدة قد فشل في تعهده بحفظ السلام والأمن الدوليين، وسط استمرار العديد من الصراعات المستعرة في جميع أنحاء العالم، 

معتبراً أنّ على المجس أن يكون "تمثيلياً وشاملاً". 

وإذ رأى رامافوزا أنّ الأمم المتحدة "لا تمثل مصالح المجتمع العالمي، وبالتالي، لا تملك الوسائل الكفيلة بتحقيق الرغبة العالمية في السلام"، اعتبر أنّ على دول "البريكس" أن تستخدم صوتها لفرض تغيير فعلي في هذا الصدد، مذكراً بأن أعضاء المنظمة توصلوا إلى إجماع حول ضرورة "إصلاح" المجلس، في القمة التي عقدت في جوهانسبرغ العام الماضي.
 
ومن جهته، اعتبر الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، أنّ "ما نشهده في فلسطين يرسخ الإهمال والتهاون إزاء الحقوق الشرعية للشعوب، التي تدافع عن حقها في دولة مستقلة"، 

داعياً المنظمة إلى توظيف قدراتها لوقف الحرب في غزة ولبنان وخفض التوتر الإقليمي. 

وخلال لقائه رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أمس، على هامش القمة، أكد الرئيس الإيراني أنّه دخل "الساحة الرئاسية بهدف تحقيق الوفاق والانسجام والتماسك الاجتماعي داخل بلادي وتعزيز العلاقات والتعاون مع العالم"، 

لافتاً إلى أنّ "الكيان الصهيوني يعرقل عملية تحقيق تلك الأهداف" منذ بدء ولايته الرئاسية، لاسيما عندما عمد إلى "اغتيال الشهيد إسماعيل هنية عندما كان ضيفاً رسمياً لدى الجمهورية الإسلامية الإیرانیة". 

وأردف: " إذا ارتكب الكيان الصهيوني خطأً ضد الجمهورية الإسلامية واتخذ إجراءات ضدنا، فسيتلقى رداً حازماً". كما دعا بزشكيان إلى مكافحة هيمنة الدولار، وتوسيع الاعتماد على العملات المحلية، والآليات المستقلة عن الدولار في التسويات المالية.

أما الرئيس الصيني، شي جين بينغ، فشدد، خلال القمة، على أنّه يجب وقف إطلاق النار وقتل المدنيين في غزة ولبنان "فوراً"، وتطبيق "الحل العادل للقضية الفلسطينية"، وهو موقف انسحب على تصريحات غالبية المشاركين. كما تطرق شي إلى الحرب الأوكرانية، 

معتبراً أنّ على روسيا وأوكرانيا التمسك بـ"المبادئ الثلاثة"، المتمثلة في عدم توسيع نطاق المعركة، وعدم تصعيد القتال وعدم استفزاز أي طرف، للعمل على وقف التصعيد "في أقرب فترة ممكنة".

السخط «العالمي»

قمة بعد قمة، تزداد التحليلات الغربية تشاؤماً إزاء وضع الغرب على الساحة العالمية؛ وهو تشاؤم عمّقته، بشكل لافت، طبقاً لهؤلاء، الحرب الدائرة في الشرق الأوسط، واستشراس الغرب في فرض عقوباته أحادية الجانب على العديد من الدول. 

وفي السياق، أوردت مجلة "فورين بوليسي" تقريراً جاء فيه أنّه "خارج واشنطن و(مجموعة السبع) و(الاتحاد الأوروبي)، يصبح من الصعب تصور مدى الاستياء من النفاق والهيمنة الغربية"، وهي كلها عناصر قوية تساهم في الترابط بين دول "البريكس" الكثيرة، "رغم التناقضات" في ما بينها. 

وعلى رأس العوامل المسببة لذلك "الاستياء"، بحسب المجلة، "الصراع في الشرق الأوسط، وفرط استخدام سلاح العقوبات الأميركية، والتكلفة الباهظة بالنسبة للبلدان متوسطة الدخل أمام الامتيازات التي يتمتع بها الدولار". 

وتنقل المجلة عن أسلي أيدينتاسباس من "معهد بروكينغز" قوله إنّ الدول الأعضاء في المنظمة "قد لا تشكل كتلة متماسكة، لكنها تعبر عن رسالة متماسكة، وهي الرغبة في نظام عالمي بديل". 

ويردف التقرير أنّ الدول الأعضاء أرست، خلال السنوات الماضية، روابط "غر مرئية، إنما مهمة للغاية، من خلال سلسلة من الاجتماعات متوسطة المستوى، لتعميق العلاقات في التجارة والاستثمار والدبلوماسية والقانون والتمويل وغيرها".

وطبقاً للرأي المتقدم، فإنّ جميع البلدان على اختلافاتها، لاسيما تلك التي في المنظمة، والتي تتمتع بثقل اقتصادي أكبر من النفوذ الجيوسياسي، تريد رؤية إصلاحات في الطريقة التي يدار بها العالم؛ 

مما يعني مراجعة كيفية عمل الأمم المتحدة، والحصص والقيادة في المؤسسات المالية متعددة الأطراف مثل "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي"، وسط شعور مشترك بضرورة التأكيد المعمق للسيادة، كمبدأ ينظم العلاقات الدولية، جنباً إلى جنب التفلت من هيمنة الدولار، حتى في أوساط حلفاء واشنطن المخلصين خارج المنظمة، مثل فرنسا وألمانيا. 

وجميع تلك الدول تستشرف، وإن بدرجات مختلفة، عالماً لم يعد فيه الغرب الذي يشهد حالة تدهور، القوة الوحيدة على الساحة، ما يجعل من الضروري، بالنسبة لهم، الاستعداد لما سيأتي بعده، "إن لم يتم التعجيل به" حتى، بحسب "فورين أفيرز".

ويتساءل عدد آخر من الخبراء، في تقرير نشره "معهد بروكينغز"، أنّه من "كان يظن أنه بعد عامين ونصف عام فقط من غزوه الوحشي لأوكرانيا، سيستضيف الرئيس الروسي قمة يحضرها العشرات، بما في ذلك شركاء الولايات المتحدة مثل مصر وتركيا حليفة (الناتو)، والتي أعربت عن اهتمامها بالعضوية؟"، على حدّ تعبيرهم،

 معتبرين أنّه لا يجب "الاستخفاف" أبداً بـ"الرمزية السياسية" التي تمثلها القمة؛ فمجرد انعقادها، عكس التحول في السياسة العالمية والسخط من دور الولايات المتحدة حول العالم. 

ويتابع التقرير أنّه في أعقاب الحرب في غزة، "سخّرت روسيا والصين بشكل أكثر فعالية الشعور المعادي للغرب"، مستندتين إلى "الإحباط من المعايير المزدوجة الغربية واستخدام الغرب للعقوبات والإكراه الاقتصادي". 

وإذ قد لا يعني ذلك أنّ القوى الوسطى "تريد استبدال الهيمنة الأميركية بالصينيين"، إلا أنّه يشير إلى أنها أصبحت منفتحة على الانحياز إلى روسيا والصين من أجل عالم أكثر تجزئاً واستقلالية. 

وينصح أصحاب هذا الرأي، واشنطن، بتنشيط "مجموعة العشرين" وتقديم شراكات ذات مغزى للقوى الوسطى الرئيسة مثل تركيا والبرازيل والسعودية، 

محذرين من أنّه في حال لم يتم التعامل مع "تجمعات" مثل "البريكس"، فإنّ البلدان المشاركة ستتحد في النهاية حول أجندة سياسية واقتصادية أكثر تماسكاً.