مشاريع بالجملة لإعادة استيطان غزة: إسرائيل متمسكة بمخطط التهجير

الرأي الثالث - وكالات

ضمن مساعيها الرامية إلى تهجير شمال قطاع غزّة وإفراغه من سكانه، ثم إعادة إنشاء المستوطنات، فعّلت إسرائيل، أخيراً، سلسلة من المخططات الإجرامية، الموّجهة ضد السكان الفلسطينيين الذين يُستخدم ضدهم أقصى حد من الوحشيّة، وذلك بدعوى «القضاء على القدرات السلطوية والمدنيّة لحركة حماس»، والمُعَرّف كأحد أهداف الحرب.

فإلى جانب ارتكاب المجازر، والتجويع والتعطيش والحصار المتواصل على القطاع عموماً، وشماله خصوصاً، وبالتحديد على مناطق جباليا وبيت لاهيا التي أُحرق الناس فيها أحياءً، في محارق تفوّق فيها «الناجون من الهولوكوست» على الأفران النازية نفسها، 

أنشأت إسرائيل، حديثاً، منصب «رئيس وحدة الجهود الإنسانية المدنية في غزة»، تمهيداً لعودة الاحتلال المباشر للقطاع والاستيطان فيه، خصوصاً أن إلعاد غورين الذي سيكون مسؤولاً عن التنسيق بشأن إدخال المساعدات وتوزيعها، والشؤون المدنية في غزة عموماً، يتولى منصبه ضمن وحدة «الإدارة المدنية» التي تدير شؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال في الضفة الغربية.

وبموازاة هذا التعيين، تبنّت الحكومة الإسرائيلية ما يُعرف بـ«خطة الجنرالات»، التي «وضعها» ضباط متقاعدون في منتدى «الضباط والمقاتلين في الاحتياط» باعتبارها «خطة لهزم حماس»، ونشرت بداية أيلول/ سبتمبر الماضي، وقامت على فكرة مفادها أن عمليات الجيش في غزة «ليست مفيدة» من دون تهجير السكان المتبقين في شمال القطاع (والمقدر عددهم بـ300 ألف)، ثم إعلان الأخير «منطقة عسكرية مغلقة»، وفرض حصار كامل عليه بما يجبر المقاتلين الفلسطينيين على «الاستسلام أو الموت»، على أن تنتقل الخطة لاحقاً، في حال نجاحها، إلى أنحاء غزة كافة.

وجاء وضع الخطة، وفقاً لما جرى الترويج له، بـ«مبادرة» من رئيس شعبة العمليات الأسبق، الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، الذي يعدّ واحداً ممن يتشاور معهم نتنياهو بانتظام خلال الحرب. 

إلا أنه في الحقيقة، لم يكن آيلاند، ولا البروفيسور غابي سيبوني، الباحث في معهد «مسغاف» (الذراع الأمنية لمنتدى «كوهيلت» الذي صاغ مخطط «الانقلاب القضائي») هما أصحاب الفكرة، بل إن عرّابها الحقيقي هو شلومو سريد، مؤسس حركة «الأمر 9»، التي دأبت على حرق ونهب شاحنات المساعدات الإنسانية ومنعها من الدخول إلى غزة. وظهر سريد في مقطع مصوّر من داخل اجتماع عقدته «لجنة الخارجية والأمن» في الكنيست، وإلى جانبه الجنرال آيلاند. 

وفي خطابه أمام اللجنة التي ناقشت «خطة الجنرالات»، ذكر سريد أنه صاحب الفكرة التي نمّقها الجنرالات والباحثون وصاغوها، مضيفاً أنه الشخص الذي أسس الحركة، وبسبب نشاطه، جمّدت الولايات المتحدة حسابه البنكي، في إطار العقوبات التي وضعتها على حركته الإرهابية. ورغم الادعاءات الإسرائيلية الرسمية التي تقول إن «الخطة لا تهدف إلى تهجير الفلسطينيين وإقامة المستوطنات على أنقاض بيوتهم»، أكد آيلاند أن ثمة في منتداه، وبين الذين صاغوا الخطة، من يؤيد عودة الاستيطان، فيما أقر سريد بأنه يعمل لذلك.

التخطيط للاستيطان في غزة

بموازاة ما تقدّم، وبالتزامن مع بدء تنفيذ مخطط التهجير على الأرض، نظّمت حركات استيطانية، في مقدّمتها «نَحلا»، التي تقودها عرابة الاستيطان دانييلا فايس، وبمشاركة من وزراء وأعضاء في الكنيست من «الليكود» و«الصهيونية الدينية» و«عوتسماه يهوديت»، مؤتمراً قبل أيام للتحضير لعودة الاستيطان إلى غزة، حيث بنى المشاركون، على مقربة من حدود القطاع، عدّة عُرَشْ احتفالاً «بعيد العُرَشْ».

 ورغم أن المؤتمر ليس الأول من نوعه، فقد شكل انعقاده في هذا التوقيت منعطفاً خطيراً؛ إذ تضمن دعوات واضحة إلى قتل من تبقى من الفلسطينيين، وطردهم نهائياً ليس من شمال غزة فحسب بل من كل القطاع، وإقامة المستوطنات على أنقاض منازلهم. 

واتفق المشاركون في المؤتمر على أهمية احتلال القطاع عسكرياً، وبقاء الجيش هناك لتدفيع الفلسطينيين ثمناً باهظاً على عملية «طوفان الأقصى»، إلى جانب إنشاء المستوطنات كجزء من العقيدة اليهودية التي تعتبر الاستيطان في «أرض إسرائيل» فريضة إلهية، يجلب التخلف عنها العقاب لـ«شعب إسرائيل»، ومن العقيدة الأمنية التي تعتبر الاستيطان إحدى ركائزها.
 
وفي كلمتها خلال مؤتمر، قالت وزيرة المساواة الاجتماعية، ماي غولان، إن «من تسلّم أرضاً واستخدمها لتنفيذ محرقة جديدة ضد الإسرائيليين سيستقبل من إسرائيل نكبة سيستمر في الحديث عنها لأكثر من ثمانين عاماً لأحفاده وأحفاد أحفاده»، فيما ذهبت فايس أبعد من ذلك، مؤكدة أنه «دفعنا ثمن 40 مبنى نخطط للدخول بها إلى داخل غزة». وأضافت: «اجتمعنا بهدف واضح هو تعزيز خطوة كبيرة ومهمة نحو الاستيطان اليهودي في كل منطقة غزة. هذا هو الهدف. 

ولتعزيز هذا الهدف، اجتمع هنا اليوم ممثلون عن 700 عائلة من ست نوى استيطانية، يعتزمون الاستيطان داخل منطقة غزة».

 وتابعت أن «الغزيين لن يبقوا في غزة. لا يوجد أي حل آخر سوى قتل جميع أفراد حماس، ومن يرغب في حياة طبيعية نسمح له بالخروج إلى دول العالم. لا مجال بعد السابع من أكتوبر لأن يعيش الفلسطينيون في غزة، وأن يعيش غزيون في غزة».

 ومن جهته، اعتبر وزير المالية، والوزير في وزارة الأمن، بتسلئيل سموتريتش، أنه «من الواضح لي أنه في النهاية سيكون هناك استيطان يهودي في قطاع غزة. 

كما كان واضحاً لي منذ طردنا من منطقة غوش قطيف أنه لن يمر وقت طويل حتى نحتاج إلى احتلال غزة مرة أخرى».

والمؤتمر الأحدث يمثل حلقة في سلسلة من المؤتمرات والأنشطة، بدأت منذ نهاية العام الفائت حينما نظّمت 15 حركة استيطانية، تنضوي ضمن «نحلا»، مؤتمرَ «الاستعداد العملي للاستيطان في قطاع غزة».

 ورغم من أن الفكرة في حينه بدأت بعدد محدود، فإن المخططين للاستيطان أظهروا تصميماً قوياً على تحقيق أهدافهم، وهم حظيوا بدعم واسع من القطاعات الإسرائيلية، خصوصاً لامتلاكهم الكثير من أدوات الضغط والتأثير ضمن دوائر صنع القرار الإسرائيلية. 

وبعد ذلك، في نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، نظّم هؤلاء مؤتمر «معاهدة النصر وتجديد الاستيطان»، الذي شارك فيه وزراء وأعضاء كنيست من الائتلاف الحاكم. واعتبر رئيس حركة «نيتسح يسرائيل»، شاي كيلخ، في حينه، أن إعادة الاستيطان في غزة تستند إلى أن «وجود المستوطنات يعزز الأمن القومي».

كذلك، نُظّمت مسيرات استيطانية عدّة بينها عند معبر «إيريز»، وأخرى في «سديروت»، ومناطق عدّة من «غلاف غزّة» تحت شعار «الاستيطان في غزة سيحقق الأمان». 

كما نظُمت جولة بالقوارب البحرية مقابل شواطئ غزة، شارك فيها مئات المستوطنين الذين تجوّلوا مقابل الساحل المهدّم، معلنين أنهم «يعاينون المناطق التي سيستوطنون فيها ويقيمون عليها بيوتهم لاحقاً».