انتخابات الرئاسة الأميركية والصين.. اتهامات متكررة بتضليل الرأي العام

الرأي الثالث -  وكالات

مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية يوم الثلاثاء المقبل، تعود إلى الواجهة مسألة التأثير الصيني وتكرار الاتهامات لبكين بالتدخل في سير الانتخابات وبث معلومات مضللة لتوجيه الرأي العام الأميركي بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. 

وكانت الحلقة الأحدث ما ذكرته وسائل إعلام أميركية، الجمعة الماضي، نقلاً عن أشخاص مطلعين، أن قراصنة صينيين اخترقوا نظام شركة الاتصالات الأميركية فيريزون كوميونيكيشنز في محاولة للحصول على معلومات من الهواتف المحمولة للمرشح الجمهوري دونالد ترامب ونائبه المحتمل جي دي فانس، وكذلك أعضاء في الحزب الديمقراطي ومعسكر المرشحة كامالا هاريس.

وقالت صحيفة نيويورك تايمز، الجمعة الماضي، إن حملة ترامب علمت خلال الأسبوع الماضي بأنه تم استهداف أرقام هواتف أشخاص داخل الحكومة وخارجها، بما في ذلك ترامب وفانس، وأن السلطات تحقق في ما إذا كان المتسللون قد نجحوا في الحصول على أي معلومات. 

ولم تؤكد حملة المرشح الجمهوري إلى انتخابات الرئاسة الأميركية ما إذا كانت هواتف ترامب وفانس قد تعرضت للاختراق، 

لكنها اتهمت هاريس بتشجيع الصين وإيران على مهاجمة البنية التحتية الأميركية، في محاولة لمنع ترامب من العودة إلى البيت الأبيض. 

وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، في بيان مشترك، إنهما يحققان في الوصول غير المصرح به إلى البنية التحتية للاتصالات التجارية من قبل أفراد لهم علاقات بالصين.
 
انتخابات الرئاسة الأميركية مسألة داخلية

في المقابل، نفت الصين هذه الاتهامات. وقال متحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن، وقتها، إنه ليس على علم بهذا الأمر، مؤكداً أن الصين كانت في كثير من الأحيان ضحية للهجمات السيبرانية، وتعارض جميع أشكال الهجمات والسرقة السيبرانية وتتخذ إجراءات صارمة ضدها. 

وأكد أن الانتخابات الرئاسية الأميركية مسألة داخلية، وليست لدى بكين أي نية ولن تتدخل في الانتخابات. 

ولطالما شددت وزارة الخارجية الصينية بعد كل اتهام ذي صلة بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية على أن بكين تلتزم دائماً في سياستها الخارجية بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، بما في ذلك أميركا. 

وقالت مراراً إن الشائعات والافتراءات التي تطلقها الولايات المتحدة مجرد إسقاطات مغرضة تفتقر للأدلة، وأن الحقائق تقف دائماً إلى جانب الصين في هذه القضية. 

أيضاً كان وزير الخارجية الصيني وانغ يي قد صرح في أعقاب اتهامات ترامب للصين بمحاولة التدخل في الانتخابات النصفية في 2020 بأن بلاده "لم ولن تتدخل أبداً في الشؤون الداخلية لأي دولة، ولن تقبل أي اتهامات لا أساس لها من الصحة".
 
مثل هذه الاتهامات تتكرر مع كل استحقاق انتخابي في الولايات المتحدة، ولعل أبرز هذه الاتهامات تلك التي حصلت في سبتمبر/ أيلول 2018، عندما انحرف الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب بشكل عرضي عن الموضوع في اجتماع لمجلس الأمن بشأن منع الانتشار النووي، واتهم الصين بمحاولة التدخل في الانتخابات النصفية الأميركية في ذلك العام. 

أيضاً خلال انتخابات 2020، روّج ترامب، الذي كان يسعى لإعادة انتخابه، وفريق حملته لـ"تدخل" الصين في الانتخابات الرئاسية الأميركية من دون أن يقدم أي دليل مادي على اتهاماته.

غير أنه كان لافتاً في هذه الدورة الانتخابية ما ذكرته وسائل الإعلام الأميركية، نقلا عما يسمى بالنتائج التي توصل إليها الباحثون والمسؤولون الحكوميون، أن المتصيدين السيبرانيين الصينيين كانوا يتظاهرون بأنهم مؤيدون لترامب في محاولة للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية وأن الصين ستستخدم الذكاء الاصطناعي لتعطيل الانتخابات.
 
غياب الحجة والمنطق

وتعليقاً على الاتهامات الأميركية، قال الباحث في معهد جيانغ شي للدراسات السياسية لين وي ، إنه في جميع الاتهامات الحالية والسابقة لم تقدم الولايات المتحدة أدلة مادية وملموسة على تورط الصين في هذه المسألة، ما يشير إلى أن الأمر لا يعدو كونه أداة سياسية لاستقطاب الناخبين. 

ولفت إلى أن التشهير بالصين بسبب تدخلها في انتخابات الرئاسة الأميركية تكتيك شائع أيضاً تستخدمه واشنطن لصرف الانتباه عن الصراعات الداخلية. 

واعتبر أن مثل هذه الافتراءات لتجريم بكين تنم عن افتقار الولايات المتحدة للشهامة واللياقة الدبلوماسية التي ينبغي أن تتمتع بها أي دولة كبرى.
 
واعتبر لين وي أنه ليست لدى بكين تفضيلات بين المرشحين للرئاسة الأميركية سواء كانوا من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، لأن الحزبين يتنافسان في ما بينهما على معاداة الصين وتصويرها على أنها التهديد الأكبر والاستراتيجي للولايات المتحدة،

 لذلك ليس من المنطقي أن يتم السعي لتغيير نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية ما دام أي رئيس قادم، بغض النظر عن هويته وتوجهاته السياسية، سيناصب الصين العداء.

دوافع بكين

في المقابل، قال لونغ يوان، الباحث الزميل في جامعة تايبيه الوطنية (تايوان)، إن الصين ليست بريئة تماماً من الاتهامات الأميركية، ولديها مصلحة كبيرة في التأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية لعدة أسباب، 

يأتي في مقدمتها ترجيح كفة المرشح المفضل بالنسبة لها، مثل دونالد ترامب، الذي تعاملت معه وخبرت جميع أساليبه وطورت أدوات مكنتها من الالتفاف على حزم العقوبات والتعرفات الجمركية، بينما سوف تضطر في حال نجاح هاريس إلى أن تبدأ من نقطة جديدة، لأن سياستها الخارجية يكتنفها الغموض. 

وأضاف أن هناك مصلحة أيضاً في تأجيج الاضطرابات لإرباك المشهد السياسي وإظهار هشاشة الوضع الأميركي الداخلي، في رسالة للداخل الصيني ولحلفاء بكين وأنصار الأنظمة الاشتراكية. 

ولفت إلى أن بكين لديها القدرة فعلاً على التأثير على انتخابات الرئاسة الأميركية من خلال إعادة توجيه الرأي العام عبر نشر استطلاعات رأي مزيفة وترويج شائعات باستخدام حسابات وهمية على منصات التواصل وشبكات الإنترنت.

تصدير للأزمة

من جهته، قال الخبير في العلاقات الدولية لي وين، الذي يقيم في بكين ، إن ما يسمى التدخل الصيني في الانتخابات الرئاسية الأميركية أمر مثير للسخرية. 

وأضاف: بدلاً من التفكير في الأسباب الجذرية للاستقطاب السياسي والفساد في الولايات المتحدة، يعمل الساسة الأميركيون بشكل صريح على ربط الفوضى التي ترافق الانتخابات بالصين، وهذا ليس أكثر من تصدير للأزمة، حسب قوله، وتحريض للمشاعر الأميركية المناهضة للصين.

وأضاف أنه من المهم التذكير بأن وكالة المخابرات المركزية الأميركية أطلقت في 2019 عملية سيبرانية مناهضة للصين، شملت إصدار تعليمات لفريق من العملاء باستخدام حسابات زائفة لنشر "روايات سلبية عن الصين على منصات التواصل الاجتماعي الصينية، وهدفت العملية في حينه إلى تشويه سمعة الحكومة الصينية وتحريض الرأي العام ضد الحزب الحاكم".

 ولفت إلى أن نشر هذه الشائعات على شبكة الإنترنت بواسطة العملاء أيضاً شكل من أشكال حرب المعلومات التي تشنها وكالات الاستخبارات الأميركية ضد الصين،

 وبالتالي من الواضح أن الولايات المتحدة تستخدم جرائمها الخاصة لتلفيق التهم للآخرين في وقت تشهد فيه الساحة السياسية الأميركية فوضى مستمرة.

وكانت شبكة "أن بي سي" قد ذكرت في تقرير في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي أن المسؤولين الصينيين يتوقعون أوقاتاً عسيرة في المستقبل، بغض النظر عمن يفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية، 

إذ إن ترامب تعهد بمضاعفة الحرب التجارية التي بدأها مع الصين، لكنه قد يؤجج عدم الاستقرار العالمي لصالح بكين، فيما هاريس، التي قد تكون أكثر تصالحية على المدى القصير، يمكن أن تحشد حلفاء الولايات المتحدة ضد النفوذ العالمي المتنامي للصين.

وأشارت إلى أنه وعلى الرغم من أن الرئيس الصيني شي جين بينغ لم يتحدث مطلقاً عمن يفضل للرئاسة، فإنه خلف الكواليس قد يكون لدى المسؤولين الصينيين تفضيل طفيف لهاريس، حتى لو كان ذلك فقط للحفاظ على التقدم الأخير الذي أحرزته إدارة الرئيس جو بايدن في تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، كما قال جيا تشينغ قوه، العميد السابق في كلية الدراسات الدولية في جامعة بكين. 

وأشار إلى أن ترامب "لا يمكن التنبؤ بتصرفاته إلى حد كبير، ويمكن أن يكون عاطفياً للغاية. قد يتخذ إجراءات من شأنها أن تخلق مشاكل كبيرة بين الصين والولايات المتحدة". 

كما وافقه في الرأي الأستاذ في جامعة هونغ كونغ بريان وونغ، الذي أشار في تصريح للشبكة إلى أن بكين قد تفضل هاريس قليلاً، معتبراً أنها من المرجح أن تتبع سياسات "أكثر قابلية للإدارة" قدمها بايدن على الرغم من أنها ليست بالضرورة صديقة للصين، 

مضيفاً: "من الناحية النظرية، يمكن أن يكون الرئيس السابق أكثر مرونة في القضايا المتعلقة بتايوان".

وذكرت شبكة "سي أن بي سي"، في 15 أكتوبر الحالي، أن تركيز الصين الجديد على التدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية لم يعد مركزاً على هاريس وترامب بل على محاولة التأثير على انتخابات الولايات، بحسب تحذير لمسؤولين في الاستخبارات الأميركية. 

وأشارت الشبكة إلى أن هذا الأمر جزء من استراتيجية صينية لبناء علاقات مع المسؤولين الذين يمكن أن يعززوا مصالح بكين. 

وقال براندون ويلز، نائب رئيس استراتيجية الأمن السيبراني في مركز "SentinelOne"، للشبكة: "هناك حاجة لمزيد من الوعي الوطني بمدى عدوانية الجهود الصينية لتشكيل البيئة السياسية الأميركية.

 لم تحظ الجهود الصينية بالمستوى نفسه من التركيز، وهذا يخلق مشاكل طويلة الأجل بالنسبة لنا".

يشار إلى أن وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) الرسمية، كانت قد ذكرت أخيراً في أحدث تعليق لها على الاتهامات الأميركية أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تضع جانباً قلقها الاستراتيجي بشأن الصين في أقرب وقت ممكن، وأن تتبع المبادئ الثلاثة المتمثلة بالاحترام المتبادل، والتعايش السلمي، والتعاون المربح للجانبين، وأن تعمل مع الصين لرفع التوقعات الإيجابية باستمرار العلاقات الصينية الأميركية، ودفع العلاقات بين البلدين قدماً نحو التطور في اتجاه مستقر.