مسكنة بعد عربدة | الإسرائيليون في أمستردام: إنها «بوغروم الثانية»!

الرأي الثالث - الأخبار

 «دعوا الجيش الإسرائيلي ينتصر ويزني بالعرب»؛ هكذا بدأ مشجّعو منتخب «مكابي تل أبيب» استفزازهم للجاليتين العربية والمسلمة في أمستردام، والذي تطور إلى الاعتداء على أملاك خاصة، عبر إزالة أعلام فلسطين عن جدران بيوت أبناء الجالية ونوافذها،

 وهو نهج دائماً ما اعتمده مشجعو المنتخبات الإسرائيلية ونواديهم، في ألعاب كرة القدم التي تجمع بين منتخبات مدن ومستوطنات إسرائيلية وأخرى لبلدات ومدن في الأراضي المحتلة عام 1948. 

بتعبير آخر، تصرف مشجّعو المنتخب وكأنهم في أحد الإستادات في تل أبيب أو القدس أو سخنين؛ حيث الشرطة الإسرائيلية تقدّم لهم مظلة حماية لاستفزازاتهم وسلوكياتهم العنصرية واللاأخلاقية.

وعقب المباراة التي مُنيوا بهزيمة ساحقة فيها، عبر تسجيل منتخب «أياكس» الهولندي خمسة أهداف مقابل لا شيء لمنتخب «مكابي تل أبيب»، اندلعت أحداث عنف؛ إذ لاحق أبناء الجاليتين العربية والمسلمة المشجعين الإسرائيليين في الشوارع والأزقة، وأوسعوهم ضرباً وفق ما وثّقته مقاطع مصوّرة انتشرت على الشبكات الاجتماعية. 

على أن خلفية هذه الأحداث بطبيعة الحال «ليست الرمانة»، ولكن «القلوب المليانة» بعد 76 عاماً من الاحتلال والتنكيل المتواصل بالفلسطينيين، وسنة من حرب الإبادة المستمرة على أهالي قطاع غزة، فضلاً عن أنه لا علاقة حتماً لديانة المشجعين بها. 

غير أن المسؤولين الإسرائيليين وماكينة الدعاية الصهيونية، التي تعلن نفسها وصيّة على يهود العالم، سرعان ما صوّرت الحادثة باعتبارها جريمة «ضد الساميّة» و«بوغروم» (المذابح التي تعرّض لها اليهود قبل الهولوكوست إبان الحرب العالمية)، وصولاً إلى تسميها «ليلة البلور الثانية»
 
وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، أصيب نحو 15 مشجعاً إسرائيلياً بجروح متفاوتة، فيما فقد الاتصال مع ثلاثة آخرين في أمستردام، قبل نفي سلطات الأخيرة ذلك، وإعلان الخارجية الإسرائيلية في وقتٍ لاحق أنه تم التواصل مع جميع من فقد الاتصال بهم، والعثور عليهم في المستشفيات. كما أعلنت السلطات الهولندية اعتقال 62 شخصاً «تورطوا في الأحداث العنفيّة».

 وبينما وافقت الحاخامية على إرسال طائرتين لإجلاء نحو ألفي إسرائيلي في هولندا، وبعدما كانت الطائرتان على وشك الإقلاع، لم توافق السلطات في أمستردام على ذلك، لتُلغى «عملية التخليص»، فيما توجّه وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، إلى هناك. 

وفي وقتٍ لاحق، أعلن عن إرسال طائرة إجلاء واحدة من تل أبيب وأخرى من لارنكا، لإجلاء الإسرائيليين.
 
وكانت أظهرت صور نشرت في قنوات وشبكات اجتماعية، عثور المهاجمين على جوازات سفر مع بعض المشجعين المُعتدى عليهم، والذين تبيّن أنهم جنود في الجيش الإسرائيلي. وعقب ذلك، أعلن الأخير، في بيان، أنه «وفقاً لتقييم الوضع، تقرر منع جميع الخادمين في الجيش من السفر إلى هولندا حتّى إشعار آخر».

 ومن جهتها، نقلت صحيفة «معاريف» عن مشجّعين اعتُدي عليهم أو لوحقوا، تفاصيل ما عايشوه ليلة الخميس - الجمعة؛ إذ قال أحدهم: «حاولت الهروب والاختباء من المهاجمين في سيارة أجرة، غير أن سائق الأخيرة رفض إدخالي إلى السيارة بل حتّى إنه قدّم المساعدة للمهاجمين».

 وهو ما نفته مديرة شركة سيارات الأجرة في أمستردام (TCA )، هايدي بورمين، مشيرة إلى أنه «لم يتورط أي من سائقي الشركة في أحداث العنف، وإن ثبت تورط أحدهم ستتخذ الشركة إجراءات ضده».

 وادعى مشجعون آخرون أن «العرب والمسلمين رموا قنابل صوتية على الأماكن التي كنّا نقيم فيها»، فيما انتقدوا جميعهم تعامل الشرطة الهولندية مع الحدث، واستجابتها «الضعيفة» للسيطرة على المناوشات. 

والجدير ذكره أن المشجعين الإسرائيليين لم يستفزوا العرب فقط؛ إذ رفضوا، قبل بدء المباراة، الوقوف دقيقة حداد على أرواح ضحايا فيضانات فالنسيا الإسبانية، بل أشعلوا أيضاً ألعاباً نارية فيما جمهور «أياكس» وقف صامتاً، وذلك تعبيراً منهم عن عدم احترام الضحايا الذين اعترفت بلادهم بالدولة الفلسطينية، ومنعت سفينة تحمل أسلحة لإسرائيل من الرسو في مينائها.

وعلى خلفية تلك الأحداث، أجرى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مشاورات مع سكرتيره العسكري ووزير الخارجية، ساعر، طالب عقبها الحكومة الهولندية وقوات الأمن المحلية بـ«العمل بصرامة وفوراً ضد المهاجمين والمشاغبين وضمان سلامة المواطنين الإسرائيليين».

 كما تحدث نتنياهو هاتفياً مع نظيره الهولندي، ديك سكوف، مطالباً بـ«ضمان حماية الإسرائيليين» المتواجدين على الأراضي الهولندية، قائلاً: «أنظر بخطورة بالغة إلى الهجمات المعادية للسامية، والمخططة ضد مواطني إسرائيل... ينبغي تعزيز الحماية للجالية اليهودية في هولندا».

 كذلك، ندّد الزعيم الهولندي اليميني المتطرف، خيرت فيلدرز، الذي ينتمي حزبه إلى الحكومة الهولندية، بشدة بالأحداث، قائلاً: «يبدو أنها مطاردة لليهود في شوارع أمستردام...أشعر بالخجل من أن هذا يمكن أن يحدث في هولندا».

 ووصف الهجوم بأنه «بوغروم في شوارع أمستردام»، معرباً عن أسفه لأن هولندا أصبحت «غزة أوروبا».

ومن جهتها، أصدرت المبعوثة الأميركية لـ«مكافحة معاداة السامية»، ديفورا ليبستادت بياناً قالت فيه: «لقد شعرت بالرعب من الهجمات التي وقعت الليلة في أمستردام، والتي تذكرنا بشكل رهيب ببوغروم كلاسيكي»، 

مضيفة: «إنني منزعجة جداً أيضاً من المدة التي استمرت فيها الهجمات المبلغ عنها، وأدعو الحكومة إلى إجراء تحقيق شامل في تدخل قوات الأمن وفي كيفية حدوث هذه الهجمات الدنيئة».

 وتابعت أنه «في مفارقة تاريخية فظيعة، يحدث هذا قبل يومين من الذكرى الكئيبة لليل البلور في عام 1938، عندما اندلعت البوغرومات ضد اليهود بموافقة النازيين في جميع أنحاء الرايخ الألماني».

بيروت حمود