«خطة الجنرالات» تمضي قدماً: جباليا تصعّب مهمّة العدو

الرأي الثالث - وكالات

 شهدت مناطق شمال قطاع غزة، ولا سيما بلدات بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، في اليوم الـ400 على بدء الحرب، أمس، قصفاً إسرائيلياً عنيفاً استهدف منازل المدنيين ومراكز الإيواء. 

ويأتي التصعيد المتواصل منذ نحو شهر، في إطار خطّة الجيش الإسرائيلي لإخلاء هذه المناطق من سكانها، وعزْلها عن بقية مدن القطاع، حيث نزح، في الأيام الماضية، عدد كبير من سكان البلدات الثلاث، إلى مناطق وسط وشرق مدينة غزة.

وكان الجيش الإسرائيلي أطلق، في الأسبوع الأول من تشرين الأول الماضي، عملية عسكرية جديدة هي الرابعة، تركّزت في مدن شمال القطاع، بهدف "منع حماس من استعادة قوتها في المنطقة".

 وتزامنت العملية مع الكشف عن خطة وضعها عدد من الجنرالات الإسرائيليين، ووافق عليها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، تهدف إلى السيطرة على شمال القطاع، وتقضي بتهجير سكان بلدات بيت حانون، وبيت لاهيا، وجباليا، من خلال فرض حصار كامل عليهم، يشمل منع دخول أيّ مساعدات إنسانية، في موازاة القضاء على المقاومين وتخييرهم بين الموت أو الاستسلام. 

وفي سبيل تحقيق الهدف المنشود، نفّذ الجيش الإسرائيلي، وعلى مدى شهر كامل، عمليات تدمير واسع وقتل ممنهج، أسفرت عن استشهاد أكثر من 1800 فلسطيني، وتدمير وحرق مراكز الإيواء والمستشفيات والمرافق الصحية، التي أُخرجت من الخدمة بشكل شبه كامل.

من جهتها، باتت عشرات العائلات التي هربت من منازلها خوفاً من القصف الإسرائيلي، لياليها في العراء. ومن بين هؤلاء، عائلة السيدة بسمة مقداد التي استشهد زوجها، وظلّت وحيدة تتحمّل مسؤولية أطفالها الأربعة الذين لم تجد لهم سقفاً يؤويهم. تقول: "حاولت جاهدة أن أبعث الطمأنينة في قلوبهم الصغيرة، رغم قسوة الواقع الذي يحيط بهم. 

كان القصف قريباً جداً، كنّا نخاف أن ينهار المنزل فوق رؤوسنا. حملت أطفالي وخرجنا مسرعين. لم أتمكّن حتى من جمع أيّ شيء من حاجاتنا الأساسية". 

وتضيف: "هربنا من المنازل إلى الشوارع كي لا نموت أسفل الركام، ولا يستطيع الدفاع المدني انتشالنا فلا نُدفن". وتلفت مقداد إلى أن أطفالها قضوا ليلتهم السابقة "يبكون من البرد والجوع، ولم أستطع أن أفعل شيئاً سوى احتضانهم ومحاولة تدفئتهم بجسدي".

وكانت طائرات الاحتلال قصفت، فجر أمس، مدرسة "فهد الأحمد الصباح" التي تؤوي نازحين في شارع يافا شرق مدينة غزة، ما أسفر عن استشهاد ستة مواطنين، من بينهم الصحافيان أحمد أبو سخيل (23 عاماً) وهو مصوّر صحافي حرّ يوثّق الجرائم الإسرائيلية، وشقيقته زهراء أبو سخيل (24 عاماً) وتعمل في موقع "الإعلامية نيوز". 

وعلى هذه الخلفية، دان "مركز حماية الصحافيين الفلسطينيين" استهداف الصحافيين أبو سخيل، مؤكداً استمرار قتل الصحافيين الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. 

وباستشهاد زهراء وأحمد، يرتفع عدد الشهداء الصحافيين في غزة، إلى 186 قضوا في سنة الحرب.

وفي بيت لاهيا، أدّى قصف استهدف منزل عائلة أبو جراد في منطقة المنشية، إلى استشهاد فلسطيني وإصابة آخرين، وفقاً لشهود عيان أشاروا إلى أن القصف المدفعي طاول مناطق غرب مخيم جباليا وبلدة بيت لاهيا، وسط إطلاق كثيف للنيران من الآليات العسكرية والطائرات الإسرائيلية المُسيّرة التي كانت تحلّق على ارتفاعات منخفضة. 

وذكر الشهود أن الجيش الإسرائيلي صعّد عمليات تدمير المباني والمربعات السكنية في مخيم جباليا وبيت لاهيا، حيث كانت أصوات الانفجارات تُسمع من مدينة غزة، مع تصاعد أعمدة الدخان.

على المستوى الصحي، قال مدير مستشفى "كمال عدوان" في شمال قطاع غزة، حسام أبو صفية،  إن الوضع في المنطقة أصبح كارثياً، حيث يواجه المستشفى نقصاً حاداً في المستلزمات الطبية الأساسية لعلاج المرضى، نتيجةً لمنع الاحتلال الإسرائيلي دخول الإمدادات الطبية. 

وأشار إلى أن القيود الصارمة التي يفرضها الاحتلال طاولت أيضاً حركة سيارات الإسعاف، ما يزيد من معاناة المرضى ويعوق القدرة على نقل الحالات الحرجة إلى المستشفى في الوقت المناسب. 

ولفت أبو صفية إلى أن المستشفى بات يستقبل حالات من المواطنين الذين يعانون من سوء التغذية، في ظلّ منع إدخال المواد الغذائية والأدوية إلى شمال القطاع، مبيّناً أن "هذا الوضع ينذر بتدهور إنساني وصحي خطير، خاصةً مع تزايد عدد المحتاجين إلى الرعاية العاجلة"، 

داعياً المؤسسات الدولية والإنسانية إلى التحرّك العاجل لضمان وصول المساعدات الطبية والغذائية، وتوفير الحماية للمدنيين والمرضى الذين يعيشون في ظروف تهدد حياتهم.

وفيما تنتشر وحدات من الجيش الإسرائيلي في بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، تواصل خلايا المقاومة هناك التصدي لها، ومنْعها من التقدّم؛ إذ أعلنت "كتائب القسام"، أمس، عن استهداف دبابة "ميركافا" في محيط منطقة الخزندار شمال غرب قطاع غزة بعبوة ناسفة. 

كما شهدت عدة مناطق في جباليا وبيت حانون اشتباكات عنيفة بين المقاومين وقوات الاحتلال المتوغّلة.

وفي الموازاة، ومن أجل تخفيف الضغط الدولي عن حكومة الاحتلال، أطلق الجيش الإسرائيلي، أمس، سراح 20 أسيراً بحالة نفسية صعبة، بعدما اختطفهم من شمال غزة خلال العملية الجارية، وأفرج عنهم في جنوب قطاع غزة. 

ويقول إيهاب زهد، أحد المُفرج عنهم، لـ"الأخبار": "اعتقلوني من داخل مستشفى كمال عدوان في شمال القطاع، حيث قيّدوني وعصبوا عيني، ثم اقتادوني مع مجموعة من الشبان إلى مستوطنة داخل إسرائيل، وهناك تعرّضنا للضرب والركل على أيدي مدنيين إسرائيليين". 

ويضيف: "بعد ذلك، وضعنا الجيش في أقفاص مخصصة للحيوانات، وكانوا يضربوننا يومياً، وننام دون أغطية رغم البرد القارس".

ووفقاً لإذاعة الجيش الإسرائيلي، فإنه "بحسب الخطة العملياتية التي وضعها الجيش، وهي فصل شمال القطاع عن مدينة غزة وإنشاء محورين، محور شمال القطاع يفصله عن غزة، ومحور نتساريم الذي يفصل غزة عن جنوبها، ولكن العائق الذي يحول دون فصل شمال القطاع عن غزة هو جباليا التي تقف في وسط المحور". 

وحذّر الناطق باسم حركة "فتح"، منذر الحايك، في تصريحات إذاعية نُشرت، أمس، من تغييرات جغرافية وديمغرافية يقوم بها جيش الاحتلال في شمال قطاع غزة. 

وقال الحايك: "خلال الأسابيع الماضية، عمل الجيش الإسرائيلي على تجزئة شمال غزة داخلياً إلى ثلاثة أجزاء "بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا"، وبذلك أصبح الاحتلال يسيطر سيطرة أمنية كاملة على شمال القطاع ضمن خطة الجنرالات التي يقوم بتنفيذها".