إقالات بالجملة لرؤساء البلديات: المصالحة مع الأكراد لا تتقدّم

الرأي الثالث - الأخبار

مع صدور قرار إقالة رئيس بلدية إسين يورت المهمّة في إسطنبول، أحمد أوزير، واعتقاله، في الـ30 من تشرين الأول الماضي، وتعيين نائب محافظ المدينة، جان آقصوي، بدلاً منه، 

فاجأت السلطة الرأي العام بعدها بأربعة أيام فقط، بقرار أثقل منه، مع إقالتها ثلاثة رؤساء بلديات أكراد في جنوب شرق تركيا، هي ماردين وباتمان وحلفتي. وإذا كان أوزير، وهو من أصول كردية، ينتمي إلى «حزب الشعب الجمهوري»، فإن رؤساء البلديات الثلاثة المقالين، هم من الأكراد المنتمين إلى «حزب المساواة والديموقراطية للشعوب»؛ وهم: رئيس بلدية ماردين، والشخصية الكردية المعروفة أحمد تورك (82 عاماً)؛ ورئيسة بلدية باتمان غولستان صونوق (31 عاماً)، ورئيس بلدية حلفتي في محافظة شانلي أورفه، محمد قره يلان (57 عاماً). 

وأقدمت وزارة الداخلية على إقالة المذكورين، نتيجة صدور أحكام سجن بحقّهم بتهمة أنهم «أعضاء في منظمة مسلحة إرهابية (حزب العمال الكردستاني)، ويعملون للدعاية لها كما حملوا السلاح ضد الدولة».

 وسرعان ما عيّن وزير الداخلية، علي يرلي قايا، كلّاً من محافظ ماردين تونجاي آق قويون بدلاً من تورك، ومحافظ باتمان أكرم جان ألب بدلاً من صونوق في باتمان، وقائمقام حلفتي حاقان باش أوغلو بدلاً من قره يلان.

وأتت الإقالات في غمرة الحديث عن مسار جديد للمصالحة اقترحه زعيم «حزب الحركة القومية»، دولت باهتشلي، يسمح بإطلاق سراح زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجالان، المعتقل منذ عام 1999، على أن يعلن الأخير تسليم سلاح الحزب وإنهاء الإرهاب. 

وعليه، فإن ما حدث سينعكس حتماً بشكل سلبي على «مبادرة» باهتشلي، التي تقتصر على الطرح المتقدم، من دون الدخول في أيّ تفصيل يتعلق بالمطالب الكردية المختلفة، وهو ما ألقى ظلالاً من الشك على ماهية المبادرة، وموقف الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، منها، علماً أنه رحب بها. 

وفي ظلّ هذه الشكوك، عقد «حزب المساواة والديموقراطية للشعوب» اجتماعاً استثنائيّاً، السبت، وأَطلق دعوة مشتركة للسلطة والمعارضة للدخول جدّياً في مساعي حل المشكلة الكردية. 

وحدّد النداء أربعة أسس للحلّ: اعتماد الطرق الديموقراطية والسياسية للحلّ، إطلاق سراح عبد الله أوجالان من دون أيّ تأخير، استعداد الحزب للقيام بما يتوجب عليه، وأخيراً وقف سياسة الإقالات والتعيينات.

ومن جهتها، اعتبرت صحيفة «يني أوزغور بوليتيكا»، المؤيّدة لـ«الكردستاني»، أن إقالة رؤساء بلدية منتخبين، هو «تعدٍّ على إرادة الشعب، وأيضاً على الهوية الكردية، ورغبته في حكم نفسه بنفسه». 

وقالت الصحيفة إن هذا التدخُّل من قِبل السلطة يهدّد التراث واللغة وتاريخ الشعب الكردي ويجعل السلام الاجتماعي مستحيلاً بين الأتراك والأكراد»، معتبرة أن «مقاومة الاستسلام والاحتقار هي طريق التحرير الوحيد للأكراد».

 وفي الصحيفة نفسها، كتب أوبار أوزانيان أن «تركيا تحوّلت منذ مئة عام إلى سجن كبير للأقليات القومية والمعتقدات، ولا سيما الأكراد والعلويين منهم». 

ورأى أن «الإبادة التي نُفّذت قبل مئة عام بحقّ الأرمن والأشوريين والأيزيديين، يواصلون تنفيذها بحقّ الأكراد».
 
ومع أن الأكراد يركّزون في معارضة الإقالات والتعيينات المضادة على بعدها المتعلّق بالشعب الكردي، غير أن زعماء المعارضة يربطونها بطموحات إردوغان الرئاسية، ولا سيما بعدما امتدّ سيف الإقالات ليشمل بلدية إيسين يورت في إسطنبول، على مقربة من موقع أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول الكبرى. ويقول زعيم «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، أوزغور أوزيل، في هذا الإطار، إن «رسالة إردوغان إلى الجميع هي أن كل من خسر المعركة على رئاسة بلدية ما، سيربحها من جديد بإقالة الرئيس المنتخب لألف سبب، وتعيين نائب المحافظ بدلاً منه».

وفي الاتجاه نفسه، رأى الكاتب مراد يتكين أن إردوغان وضع خطّة تهدف إلى إقصاء كل منافسيه المحتملين على الرئاسة لعام 2028، رغم أن أيّ ترشيح جديد للرجل يتطلّب تعديلاً دستوريّاً غير متوافر إلى الآن. 

كذلك، تساءل كيف يمكن لإردوغان أن يعدّل الدستور من دون كسب تأييد نواب «حزب المساواة والديموقراطية للشعوب» الكردي؟

 ووفقاً ليتكين، فإن رئيس الجمهورية لا يستهدف فقط تصفية إمام أوغلو، بل أيضاً رئيس بلدية إسطنبول، منصور ياواش، المنتمي إلى «الشعب الجمهوري»، والذي تشير استطلاعات الرأي إلى أن حظوظه لرئاسة الجمهورية ليست أقلّ من حظوظ إمام أوغلو.

وإذا كانت التهمة لإمام أوغلو موجودة أصلاً، وهي قضية اتهامه بتحقير اللجنة العليا للانتخابات عام 2019، والتي لا تزال مفتوحة منذ ثلاث سنوات للضغط عليه متى اقتضت الضرورة، فإن أوزغور أوزيل قال إن رئيس الاستخبارات، إبراهيم قالين، أوعز، بأمر من إردوغان، بالبحث عن أيّ دليل ضد ياواش، فيما جرت فبركة خبر عن أن الأخير يريد الاستقالة. ونقل يتكين عن مسؤول في «العدالة والتنمية»، قوله، في اجتماعات داخلية للحزب، إن الأوامر صدرت بأن «يأكل الذئب الغنم».

 وتساءل الكاتب: «ألا يعني هذا اغتصاب إرادة الملايين التي صوّتت لإمام أوغلو وياواش؟».

محمد نور الدين