«الذاتية» تتطلّع إلى مقعد في المفاوضات: انتخابات بنكهة التعيين

الرأي الثالث - الأخبار

بعد تأجيل متكرر، باشرت «الإدارة الذاتية» الكردية انتخابات مجالسها البلدية، بعدما أدخلت تعديلات على نظام الانتخابات وآلية الترشيح، بما يراعي تحفّظات الولايات المتحدة، وحساسية تركيا تجاهها. 

وبدأت «الذاتية»، قبل نحو أسبوعين، تنظيم انتخاباتها البلدية، بشكل سرّي، في كل من مدينتَي الرقة والطبقة، فيما ظهر الأمر إلى العلن من خلال نشر قوائم المراكز الانتخابية والمرشحين للانتخابات البلدية في بلدات ريف دير الزور. 

لكنّ الأكراد لجأوا إلى إلغاء نظام الانتخاب الجماهيري الشعبي، لتقتصر البطاقات الانتخابية على موظّفي «الذاتية» و»قسد» من مدنيين وعسكريين، مع تجهيز قوائم شبه مغلقة، ولتتخذ المسألة طابع التعيين، أكثر من كونها انتخابات.

ولعلّ اللجنة المشرفة على سير الانتخابات، تعمّدت أخيراً تسريب صور للبطاقة الانتخابية، للتأكيد أنها أقرب إلى قوائم جاهزة، وأيضاً لاختبار موقف كلّ من واشنطن وأنقرة إزاءها. 

والظاهر أن الانتخابات جرت بعد نقاشات مطوّلة بين تيارَين داخل «الذاتية»؛ الأول، طالب بإلغاء الانتخابات لعدم تناسبها مع الظروف العامة للمنطقة والتهديدات التركية الجدّية بتنفيذ هجوم برّي جديد؛ 

والثاني، اعتبرها إجراء يثبّت تطبيق «العقد الاجتماعي» الجديد، والذي أصبحت بموجبه مناطق سيطرة «قسد» تُسمّى بـ»إقليم شمال شرق سوريا».

ويرى منظّمو الانتخابات أن الإصرار على إقامتها، ولو بصورة محدودة، يعطي انطباعاً بوجود «مؤسسات» في المنطقة، ويسمح لـ»الذاتية» بالانتقال إلى نظام إداري جديد مختلف عن ذاك المعمول به، 

فضلاً عن أنه يمنحها نوعاً من الشرعية المحلّية. وكانت «الذاتية» أقرّت عقداً اجتماعياً جديداً مطلع العام الجاري، مع تحديد موعد للانتخابات البلدية كمرحلة أولى، ومن ثم انتخابات «مجالس الشعوب»، في نيسان الماضي، قبل أن تؤجّلها مرتين، في أيار وآب، وذلك بعد تهديد تركيا بشنّ عملية برية واسعة لمنع الاستحقاق.

من جهتها، أصدرت الولايات المتحدة بيانين أكدت فيهما أن «الظروف غير مناسبة لإقامة انتخابات في شمال شرق سوريا»، مشدّدة على «ضرورة أن تتمتّع أيّ انتخابات في سوريا بالحرّية والنزاهة والشفافية والشمولية، بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254»، 

فيما رأت أنه «لا يتم حالياً استيفاء الشروط اللازمة لإجراء انتخابات مماثلة في سوريا، بما في ذلك في شمال البلاد وشرقها».

 وكانت «الأخبار» كشفت أن «الذاتية» تعتزم إجراء الانتخابات كمرحلة أولى في المناطق البعيدة عن الحدود التركية، من مثل الرقة ودير الزور، قبل الانتقال، في مرحلة لاحقة، إلى ريف حلب والحسكة. 

ومع مضي مرحلتَين من الانتخابات، لم يصدر أيّ تعليق من الولايات المتحدة أو تركيا إزاءها، وسط توقعات باستغلال أنقرة لها واستخدامها كذريعة لتنفيذ مخطّطاتها، خاصة بعد تصعيدها الإعلامي والسياسي، ومطالبتها الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، بالانسحاب من سوريا، ومنحها ضوءاً أخضرَ لمحاربة «قسد».

ورأت مصادر مطّلعة، أن «الإدارة الذاتية تريد من خلال تنظيم الانتخابات، تأكيد تمسّكها بالعقد الاجتماعي الجديد (الدستور)، وأنها ماضية في تطبيقه كاملاً»، 

مضيفة أن «الذاتية تحاول، من خلال الانتقال إلى تجربة الإقليم والمقاطعات، استنساخ تجربة إقليم كردستان العراق، للحصول على خصوصية في أيّ حلّ سياسي مستقبلي للأزمة السورية». 

وتابعت المصادر أن «الذاتية تَعتبر الانتخابات بمثابة خطوة مهمّة نحو المضيّ في استكمال مشروعها للحلّ في سوريا»، 

لافتة إلى أن «قسد تحاول أن تمسك بورقة تحوّل إدارتها إلى مجالس منتخَبة تمثّل الشعب وإرادته، وذلك بهدف الضغط لتمثيلها في أيّ اجتماع دولي مخصّص للحلّ في سوريا»، ولكنها توقّعت أن «يكون هناك موقف سياسي وعسكري معادٍ لهذه الخطوة».

وفي المقابل، اعتبرت مصادر مقرّبة من «الذاتية»، «ما يحصل من عقد انتخابات محدودة في كل من الطبقة والرقة ودير الزور، أشبه بعمليات استبدال وترميم سلمي للسلطة»، 

لافتة إلى أن «الذاتية قرّرت الاستئناس برأي موظفيها من مدنيين وعسكريين، لكون هذه المجالس هي التي ستدير شؤونهم وشؤون المنطقة إدارياً». 

وكشفت المصادر أن «مفوّضية انتخابات الذاتية أعطت صلاحيات لكلّ منطقة باختيار الوقت المناسب لإجراء الانتخابات، أو تأجيلها إلى حين توافر الظروف المناسبة، أو حتى اللجوء إلى خيار التعيين»، 

مرجّحة أن تكون «الإدارة قد أَطلعت الأميركيين على شكل تنفيذ الانتخابات، وطالبتهم باعتبارها شأناً محليّاً، لكن من غير المعلوم ما إذا كانت واشنطن وافقت على آلية تطبيقها أو جدّدت تحفّظها، مراعاةً لموقف الأتراك منها».

أيهم مرعي