خطوة أميركية أولى نحو دمشق: الشرع يعِد بـ«مؤتمر وطني»
الرأي الثالث - وكالات
لاقى زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، الذي بات يتحكم بالسلطة في سوريا بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، خطوة أولى من الولايات المتحدة، التي أوفدت إلى دمشق، أمس، وفداً رسمياً برئاسة مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، باربرا ليف، التي تعتبر أكبر مسؤولة غريبة تلتقي الشرع، حتى الآن.
وأجرى الوفد الأميركي الذي يضم المبعوث الرئاسي لشؤون الرهائن، روجر كارستينز، والمستشار المعين حديثاً، دانيال روبنشتاين، لقاء مطولاً مع الشرع، رفض عقبه الإدلاء بأي تصريحات، بعد أن تمّ إلغاء المؤتمر الصحافي الذي كان مقرراً عقده.
وبعدما عزت وسائل إعلام أميركية إلغاء المؤتمر إلى «دواعٍ أمنية»، نفت ليف الأمر، قائلة إن سببه «أننا لم نتمكن من الوصول إلى المكان في الوقت المناسب»،
كما أعلنت أنها أبلغت الشرع بإلغاء المكافأة المالية البالغة 10 ملايين دولار، لمن يدلي بمعلومات تساعد في اعتقاله.
وبخصوص الفترة الانتقالية، قالت: «أكدنا على أهمية الإدماج والتشاور الواسع خلال هذه الفترة»، مضيفة «(أننا) ندعم عملية سياسية يقودها السوريون تؤدي إلى حكومة شاملة تحترم حقوق الجميع».
وأشارت إلى أن الوفد ناقش «الحاجة إلى ضمان عدم تمكن الجماعات الإرهابية من تشكيل تهديد بسوريا»،
مؤكدة أن الشرع التزم بذلك، واصفة إياه بأنه «براغماتي، وسمعنا منه تصريحات عملية ومعتدلة للغاية حول قضايا المرأة والحقوق المتساوية»، وأنه «بدا في صورة رجل عملي والمناقشات معه كانت جيدة ومثمرة للغاية ومفصلة».
وبشأن الدور التركي، قالت إن لتركيا «دوراً كبيراً ونفوذاً تاريخياً ومصالح أمنية وطنية في سوريا»، فيما اعتبرت أنه «لن يكون لإيران أي دور على الإطلاق في سوريا ولا ينبغي لها ذلك».
وبدت إشارة ليف إلى مصير العقوبات المفروضة على سوريا بمثابة ابتزاز واضح؛ إذ قالت: «ننظر في أمر العقوبات ويتعين على الحكومة السورية الجديدة أن تكون متجاوبة وتظهر التقدم».
كما اعتبرت أن «الظروف التي دفعت الأكراد في شمال شرق سوريا إلى الدفاع عن أنفسهم تغيرت بشكل كبير للغاية»، لافتة إلى أن «وقف إطلاق النار في كوباني والانتقال المنظم لدور "قوات سوريا الديومقراطية" أفضل السبل للمضي قدماً».
وقبل تصريحات ليف، كانت الخارجية الأميركية أعلنت، على لسان متحدث باسمها، أن الوفد «بحث في دمشق مبادئ انتقال السلطة في سوريا، بالإضافة إلى التطورات الإقليمية بما في ذلك الحاجة إلى محاربة تنظيم داعش»، وناقش «القضايا المتعلقة بمصير الصحافي المفقود في سوريا، أوستن تايس، ومواطنين أميركيين آخرين اختفوا في عهد نظام الأسد».
وأضافت أن «الدبلوماسيين أجروا محادثات مباشرة مع المجتمع المدني السوري وناشطين وأفراد من الطوائف المختلفة».
وبالتوازي مع زيارة الوفد الأميركي، بدأت تركيا دراسة ملفات الأسماء التي ستتولى قيادة سوريا، حسبما أعلن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي بات يملك اليد الطولى في الملف السوري.
إذ قال إن بلاده «تتواصل مع الإدارة السورية الجديدة لتحديد أسماء الأشخاص الذين سيديرون البلاد خلال الفترة المقبلة»،
لافتاً، في حديثه خلال «قمة الدول الثماني النامية» في القاهرة، إلى أن وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، سيقوم بزيارة قريبة إلى دمشق لإجراء حوار مع الشرع، ليكون بذلك أرفع مسؤول تركي يزور سوريا، بعد الزيارة التي أجراها رئيس الاستخبارات التركية، إبراهيم قالن، الذي زار دمشق والتقى الشرع، وأشرف على إعادة فتح السفارة التركية في سوريا، قبل أيام.
وحاول إردوغان رسم ملامح الفترة المقبلة، معتبراً أن بناء الدولة يبدأ من صياغة دستور شامل. وأضاف: «لقد بدأنا التواصل مع شخصيات من الإدارة السورية الجديدة، وعلى رأسهم السيد جولاني. كما أرسلنا رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية، ووزير خارجيتنا في حوار مستمر مع كل الأطراف المعنية.
سنظهر أن الوقت قد حان للقضاء على التنظيمات الإرهابية الموجودة في سوريا»، في إشارة إلى القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تعتبرها أنقرة امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني» المصنف على لوائح الإرهاب التركية.
ورفع الرئيس التركي الذي بدا منتشياً بـ«النصر» في سوريا، وينتظر بفارغ الصبر تولي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، السلطة في الولايات المتحدة، بما يمنح تركيا مزيداً من النفوذ، من حدة تصريحاته، بالقول «(إننا) لن نقبل أي تهديدات تأتي من جنوب حدودنا. التنظيمات الإرهابية محكومة بالوحدة والعزلة لأنها تسعى فقط لإرضاء الجهات التي تدعمها».
وأضاف أن «عمر تنظيم حزب العمال الكردستاني وفروعه في سوريا قد انتهى»، متابعاً أنه «من الآن فصاعداً، الطريق مفتوح لإحلال السلام»، على حد تعبيره.
في غضون ذلك، أعلن رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، أن البعثة الديبلوماسية العراقية فتحت أبوابها وباشرت مهامها في دمشق، بعد أن غادر طاقمها إلى لبنان، إثر سقوط نظام بشار الأسد.
وأشار إلى أن بغداد «ليست ضد التواصل مع الإدارة الجديدة في سوريا، طالما هناك مصلحة لاستقرار سوريا والمنطقة»، مضيفاً أنه «إلى الآن لم تحصل خطوة رسمية في هذا الاتجاه».
وفتح العراق، خلال الأيام الماضية، قنوات تواصل محدودة مع «إدارة العمليات العسكرية» التي تقودها «هيئة تحرير الشام»، لحلّ مشكلة الجنود السوريين الذين فروا إلى الجانب العراقي بعد سقوط النظام، ما سمح بتشريع الباب أمام عودتهم.
ولم يخفِ السوداني، خلال تصريحاته، مخاوفه من التطورات التي حصلت في سوريا، في ظل العلاقات التاريخية التي كانت تربط «تحرير الشام» بتنظيم «داعش» الذي ارتكب مئات المجازر في العراق وسوريا.
وقال إن «هناك حالة من القلق الإقليمي والدولي من طبيعة الوضع في الداخل السوري»، داعياً الإدارة الجديدة إلى أن «تعي خطورة هذا القلق لدى الدول العربية والإقليمية، وأن تعطي ضمانات ومؤشرات إيجابية حول احترام التنوع في سوريا، والعمل على إعداد عملية سياسية شاملة لا تقصي أحداً».
من جهة أخرى، أقر زعماء الاتحاد الأوروبي ما أطلق عليه «مبادئ أساسية» سيتم اتباعها لتطبيع العلاقات مع سوريا بعد سقوط نظام الأسد، الأمر الذي يفتح الباب أمام تخفيف العقوبات ودعم إعادة الإعمار، وسط تحذيرات من أن «القرار لم يتخذ بعد».
وتضمنّت المبادئ التي تم إقرارها خلال الاجتماع الذي عقد في بروكسل، «ضرورة ضمان احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة، والحكم غير الطائفي، وحماية جميع الأقليات الدينية والعرقية، وحماية التراث الثقافي لسوريا»، و«دعوة جميع الأطراف في سوريا إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية، وضمان حماية جميع المدنيين، وتوفير الخدمات العامة،
فضلاً عن تهيئة الظروف للانتقال السياسي الشامل والسلمي»، بالإضافة إلى «التأكيد على أهمية مكافحة الإرهاب، ومنع عودة ظهور الجماعات الإرهابية، وتدمير مخزونات الأسلحة الكيميائية المتبقية في سوريا».
وفي ما يتعلق بقضية اللاجئين، تم الاتفاق على أن أي عودة للاجئين السوريين المقيمين في مختلف أرجاء الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون «آمنة وطوعية وكريمة»، وذلك بسبب «التقلبات المستمرة على الأرض».
على المستوى الداخلي السوري، بدأت «إدارة العمليات العسكرية» تنفيذ حملة لجمع الأسلحة من العاصمة السورية، في خطوة قالت إنها ستنفذ في بقية المحافظات تباعاً.
كذلك، بدأت الحكومة المؤقتة التي قامت «الإدارة» بتعيينها، بمدّ نفوذها على مختلف مفاصل الدولة، ما أثار انتقادات حادة.
ويأتي هذا وسط مخاوف من استغلال الظروف الحالية للتأسيس لسيطرة شاملة ومستدامة على البلاد، الأمر الذي حاول الشرع نفيه عبر التأكيد أن ما يجري مجرد خطوة آنية، معلناً عقد «مؤتمر وطني» خلال الأيام المقبلة.