توغل إسرائيلي جنوبي سورية لفرض أمر واقع
الرأي الثالث - وكالات
يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي قضم مساحات في جنوب سورية، وتثبيت نقاط عسكرية وإقامة طرق وتحصينات، والقيام بعمليات تجريف واسعة، في تجاوز لكل الاتفاقيات الدولية، واستغلال للأوضاع التي تمر بها سورية بعد إسقاط نظام الأسد الذي حافظ على هدوء الجبهات نحو خمسين عاماً.
ودخل الجيش الإسرائيلي الجهة الغربية لقرية المعلقة في القنيطرة، أمس السبت، وبدأ بشق طريق عسكري يمتد من الحدود وصولاً إلى نقطة الدرعيات العسكرية في ريف القنيطرة، وفقاً لمصادر محلية، أكدت أن "جيش الاحتلال اقتحم القرية من الجهة الغربية معزّزاً بآليات ثقيلة ومدرعات ودبابات".
وجاء التوغل الجديد في سياق توغلات بدأها جيش الاحتلال في جنوب سورية عقب سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ودخل هذا الجيش الكثير من المناطق في محافظة القنيطرة وريف درعا الغربي، إذ توغّل بعمق أكثر من ثمانية كيلومترات داخل الأراضي السورية وفق وسائل إعلام عبرية.
تمركز الاحتلال في القنيطرة
ورصدت شبكات إخبارية محلية، أول من أمس الجمعة، تمركز الجيش الإسرائيلي في مبنى محافظة القنيطرة ومحيطه، وقيامه بأعمال تجريف وحفر ضمن المنطقة العازلة منزوعة السلاح وفق اتفاق فك الاشتباك الموقع بين سورية وإسرائيل عام 1974.
وسيطر الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الماضية على سد المنطرة أكبر السدود جنوبي سورية، وهو ما يهدد الأمن المائي في كل من سورية والأردن.
كما اعتلى قمة جبل الشيخ، وثبّت نقاطاً عسكرية وأقامت تحصينات وخنادق وطرقاً، وقواعد دبابات، داحضاً مزاعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الإجراء الذي يقوم به جيش الاحتلال "مؤقت وذو طبيعة دفاعية"، يهدف إلى كبح التهديدات المحتملة لتل أبيب.
ويعد هذا التوغل الإسرائيلي الواسع في جنوب سورية شكلاً من أشكال العدوان على دولة ذات سيادة، فضلاً عن كونه تجاوزاً لاتفاق فك الاشتباك الذي وقّعته دمشق وتل أبيب في عام 1974 برعاية أممية.
ونص الاتفاق على أن "إسرائيل وسورية ستراعيان بدقة وقف إطلاق النار في البر والبحر والجو، وستمتنعان عن جميع الأعمال العسكرية فور توقيع هذه الوثيقة".
وحددت الاتفاقية بالتفصيل أماكن قوات النظام والجانب الإسرائيلي، ومنطقة الفصل بينهما والتي تبلغ مساحتها حوالي 400 كيلومتر مربع، ورابطت بها منذ ذلك الحين قوة مراقبة تابعة للأمم المتحدة يبلغ عددها 1200 عنصر.
وحافظ نظام الأسد على هدوء الجبهات مع الجانب الإسرائيلي منذ ذلك الحين، إذ لم تشهد أي عمليات رغم القصف الإسرائيلي الذي لم ينقطع لأهداف في الأراضي السورية قبل عام 2011 وبعده.
وكانت تل أبيب نفذت بعد سقوط بشار الأسد أكبر حملة قصف جوي في تاريخها، حين دمرت على مدى عشرة أيام أغلب مقدرات سورية العسكرية على امتداد الجغرافيا السورية، وطاولت الهجمات محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن خطط الاحتلال للحفاظ على "منطقة سيطرة" تمتد لمسافة 15 كيلومتراً داخل سورية، وإقامة "منطقة تأثير" بعمق 60 كيلومتراً داخل سورية، تتيح لها سيطرة استخباراتية لضمان عدم تطور تهديدات ضدها في تلك المناطق.
ولا تبدو الإدارة الجديدة في دمشق قادرة على التعامل عسكرياً مع الاعتداءات الإسرائيلية فهو في طور تشكيل وطني ربما يستغرق سنوات حتى يصبح قادراً على الانتشار في النقاط التي كان يشغلها الجيش السوري إبّان نظام الأسد المخلوع.
التوغل الإسرائيلي في جنوب سورية
تعليقاً على استمرار التوغل الإسرائيلي في جنوب سورية، قال المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر، إن "إسرائيل كيان توسعي يريد محيطاً عربياً وأقصد هنا بالذات دول الطوق، بلا أنياب ومخالب ولا تقوى حتى على حفظ حدودها وأمنها الداخلي ناهيك عن تحرير فلسطين والجولان".
وتابع: "اعتبرت تل أبيب ما جرى في سورية في الثامن من ديسمبر الماضي وسقوط الأسد وانشغال الإدارة الجديدة في ترتيب الأوضاع الأمنية الداخلية، فرصة لا تتكرر لتقويض ما بقي من مقدرات الجيش السوري، فشنت مئات الغارات على مدى عدة أيام، دمرت أغلب قدرات الجيش المستقبلي البرية والبحرية والجوية، وأعادته عقوداً إلى الوراء لجهة التسليح".
وأشار إلى أن جيش الاحتلال "توغل برياً في جنوب سورية على طول 75 كيلومتراً، وسيطر على أكثر من 350 كيلومتراً مربعاً تقريباً وأقام فيها طرق تجهيزات هندسية ومراكز وأجهزة إنذار مبكر"،
مضيفاً: "إسرائيل تعتمد تكتيك احتلال أراض جديدة يُنسي المطالبة بالقديم". وتابع الأسمر: "بالتأكيد هدف إسرائيل الأهم من التوغل البري هو فرض شروط قاسية جديدة على اتفاقية 1974 في أي مفاوضات مستقبلية للخروج من الأراضي التي احتلتها أخيراً مثل توسيع عمق المنطقة العازلة وإمكانية وضع أجهزة إنذار أمني، وذلك لتأمين مستوطناتها في الجولان السوري المحتل".
في السياق، أوضح الخبير العسكري ضياء قدور، أن تل أبيب وسّعت نطاق الأراضي التي تحتلها في جنوب سورية بعد سقوط نظام الأسد، مبيّناً أن الجيش الإسرائيلي سيطر على حوالي 600 كيلومتر مربع من الأراضي السورية منذ الثامن من ديسمبر الماضي.
وتابع: تشمل المساحة المحتلة مناطق في مرتفعات الجولان، والجانب الشرقي من جبل الشيخ، وقرى في ريف القنيطرة،
بالإضافة إلى عدة قرى وبلدات في ريف درعا الغربي. وأشار إلى أهداف تل أبيب جراء هذا التوغل البري في الأراضي السورية "متعددة"، مضيفاً: إسرائيل تسعى لضمان الأمن على حدودها وإنشاء منطقة نفوذ استخبارية بعمق 60 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.
وتابع: من الواضح أن تل أبيب تهدف إلى تجريد النظام السوري الجديد من الأسلحة الثقيلة، لضمان التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة، وهو ما يفسر حملة القصف الجوي بعد سقوط الأسد والتي طاولت كل صنوف الأسلحة والمطارات والمستودعات ومراكز البحوث العسكرية. وأعرب قدور عن اعتقاده أن وراء التوغل الإسرائيلي أهدافاً أخرى لا تقل خطورة،
مضيفاً: تسعى إسرائيل لتأمين سيطرتها على منابع الأنهار والسدود في جنوب سورية، مما يؤثر على الأمن المائي لسورية والأردن.
وختم بالقول: "تهدف إلى تغيير شروط التفاوض المستقبلية، بحيث تصبح اتفاقيات التعاون في مجال المياه والغذاء بدلاً من معادلة الأرض مقابل السلام".