Logo

السودان بين حكومتين... احتدام المعارك السياسية والعسكرية

الرأي الثالث -  وكالات

في تطور أثار التحذيرات والمخاوف في السودان، وقّعت جماعات سياسية وحركات مسلحة متحالفة مع قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني، ليل السبت – الأحد، ميثاقاً سياسياً في العاصمة الكينية نيروبي، لتشكيل "حكومة سلام ووحدة" في المناطق التي تسيطر عليها "الدعم السريع". وينص الميثاق على أن يكون السودان "دولة علمانية وديمقراطية وغير مركزية". 

في المقابل، تتجه الحكومة السودانية التي يقودها الجيش أيضاً، لتكوين حكومة جديدة وسط احتدام المعارك بين الجيش و"الدعم السريع" في عدد من الجبهات والتقدم المتواصل للجيش، خصوصاً في العاصمة الخرطوم حيث تدور حالياً أعنف المواجهات.

ويشهد السودان منذ 15 إبريل/نيسان 2023 صراعاً عسكرياً بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ويخضع كلاهما لعقوبات فرضتها الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي، وقد خلفت الحرب دماراً هائلاً في المدن والقرى والبنية التحتية للبلاد، وأسقطت آلاف القتلى والجرحى وملايين النازحين، وفق بيانات الأمم المتحدة.
 
والخميس الماضي، أدخلت الحكومة السودانية تعديلات على الدستور الانتقالي للبلاد (الوثيقة الدستورية) لتعزيز سيطرة الجيش، وحُذفت الإشارة إلى الشركاء المدنيين السابقين وقوات الدعم السريع، وهي أول تعديلات شاملة على الوثيقة منذ اندلاع الحرب، وجاءت بعد أيام من إعلان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الاستعداد لتشكيل "حكومة تصريف أعمال أو حكومة حرب" خلال المرحلة المقبلة لاستكمال مهام المرحلة الانتقالية.
 
واستدعت وزارة الخارجية السودانية، الخميس الماضي، السفير السوداني لدى كينيا، كمال جبارة، للتشاور، وذلك احتجاجاً على استضافة كينيا اجتماعات "الدعم السريع" وحلفائها التي تمخض عنها توقيع الميثاق السياسي الممهد لتشكيل الحكومة الموازية. 

وأصدرت الوزارة بياناً في اليوم نفسه، اعتبرت فيه الاجتماعات التي أجرتها "الدعم السريع" وحلفاؤها في نيروبي "تتويجاً لما ظلت الرئاسة الكينية تقدمه من دعم للمليشيا الإرهابية في مختلف المجالات، وفي ظل ذلك، صارت نيروبي أحد المراكز الرئيسية للأنشطة السياسية والدعائية والمالية واللوجستية للمليشيا، كذلك سبق أن استقبل الرئيس الكيني (ويليام روتو) قائد المليشيا الإرهابية استقبال الرؤساء".
 
وتشارك في التحالف الذي قاد التوقيع على الميثاق السياسي لحكومة "الدعم السريع" وحلفائها، مجموعة من الكيانات السياسية والحركات المسلحة، وشخصيات أبرزها ثلاثة من أعضاء مجلس السيادة السوداني السابق، وهم محمد حسن التعايشي، ورئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر، ورئيس حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي الهادي إدريس، إلى جانب رئيس الحركة الشعبية شمال (في ولاية جنوب كردفان) عبد العزيز الحلو، والقيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل إبراهيم الميرغني، ورئيس حركة العدل والمساواة سليمان صندل، ورئيس حزب الأسود الحرة في شرق السودان مبروك مبارك سليم، ورئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر، بالإضافة إلى نائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو.
 
وأعلن وزير الخارجية السوداني علي يوسف، أمس الأحد، أن حكومته "لن تقبل" أي اعتراف بحكومة موازية، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره المصري بدر عبد العاطي في القاهرة. 

بدوره، قال وزير الإعلام في الحكومة السودانية خالد الإعيسر بعد توقيع الميثاق السياسي لحكومة "الدعم" وحلفائها، إن ‏أبناء دارفور وجنوب كردفان الوطنيين أمامهم فرصة تاريخية جديدة للتخلص من القيادات الانتهازية الهزيلة التي سرقت أصواتهم على مدار سنوات طويلة، وأصبحت مجرد أدوات لتمرير مشاريع استعمارية خارجية لنهب الثروات وجلب الحروب والدمار. 

وأضاف في تصريح على صفحته على "فيسبوك" أمس الأحد، أنه "‏لا صوت يعلو فوق صوت الشعب السوداني"، و"نحن على يقين بأن شعبنا في تلك المناطق يحمل تاريخاً طويلاً في مقاومة الاستعمار ومحاربة أفكار الانقسام والتشرذم"، 

معتبراً أن توقيع أي اتفاق شكلي في "ورقة أفكار مسمومة" خارج البلاد وتطبيقه على أرض السودان "ليس سوى أحلام غير قابلة للتنفيذ".

مصر ترفض «حكومة موازية» في السودان... وتستعد لـ«إعادة الإعمار»

وفي أول موقف مصري رسمي من تحركات تشكيل «حكومة موازية» في السودان، أكد وزير الخارجية بدر عبد العاطي، الأحد، رفض بلاده لأي دعوات تشكيل أطر موازية، للإطار القائم حالياً في السودان، فيما أعلن الاتفاق مع نظيره السوداني علي يوسف، على تشكيل فريق عمل مشترك للتركيز على إعادة الإعمار في السودان بمساهمة من الشركات المصرية.

وجاءت تأكيدات عبد العاطي، عقب جولة مشاورات سياسية جمعته مع نظيره السوداني، علي يوسف الشريف، في القاهرة، شدد خلالها على أن السلامة الإقليمية للسودان «خط أحمر» بالنسبة لبلاده، لا يمكن التهاون فيه.

ووفق تقارير إعلامية، وقعت «قوات الدعم السريع»، وتحالف مؤلف من جماعات سياسية ومسلحة، في العاصمة الكينية نيروبي، «وثيقة إعلان سياسي ودستور مؤقت، لتشكيل حكومة موازية، في مناطق سيطرة (قوات الدعم السريع)»، في مواجهة الحكومة السودانية التي تتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها حالياً.
 
واستضافت القاهرة آلية التشاور السياسي بين مصر والسودان، برئاسة وزيري خارجية البلدين، الأحد، وحسب إفادة لـ«الخارجية المصرية»، أكدت المشاورات «أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة السودان، واستقلاله، واحترام سيادته وكل مؤسساته الوطنية، بما في ذلك الجيش السوداني»، على وقع الحرب الداخلية في السودان.

ويشهد السودان حرباً داخلية اندلعت منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، وتسببت في نزوح آلاف السودانيين داخل البلاد وخارجها، بينهم نحو مليون و200 ألف إلى مصر، حسب إحصاءات رسمية.

وشدد البيان المشترك لآلية المشاورات السياسية، على «رفض التدخل في الشأن الداخلي السوداني تحت أي ذريعة»، إلى جانب «رفض أي خطوات من شأنها المساس بسيادة السودان»، 

وأشار البيان إلى أن «حل أزمة الحرب الداخلية حق أصيل للشعب السوداني، دون إملاءات خارجية».

وفي مؤتمر صحافي مشترك، أعقب المشاورات، أكد وزير الخارجية المصري على أن «بلاده ترفض أي دعاوى لتشكيل أطر موازية للإطار القائم حالياً في السودان»، وأن «السلامة الإقليمية للسودان خط أحمر لمصر».

بدوره، شدد وزير الخارجية السوداني على أن «بلاده لا تقبل قيام أي دولة أخرى بإقامة حكومة موازية للسودان»، وقال إن «الحرب ستنتهي في بلاده بانتصار الجيش والمقاومة الشعبية على ميليشيا (الدعم السريع)»، ودعا إلى «ضرورة تقديم كل الدعم للجيش للحفاظ على وحدة ووضع السودان».

واستعاد الجيش السوداني، أخيراً، عدداً من المناطق الرئيسية كانت تسيطر عليها «قوات الدعم السريع»، خصوصاً في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة، غير أن هذا التقدم تزامن مع تحركات تشكيل «حكومة موازية» جديدة.

ويأتي الموقف المصري الرافض لأي تحركات لتشكيل حكومة موازية بالسودان، دعماً لوحدة واستقرار السودان الداخلي، وفق رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير محمد العرابي، مشيراً إلى أن «موقف القاهرة ثابت ويستهدف الحفاظ على السيادة السودانية».

وباعتقاد العرابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، تحركات بعض الأطراف لتشكيل حكومة موازية، «ستزيد من حالة الانقسام السياسي الداخلي، وتعمق الخلاف بين الأطراف المختلفة»، مشيراً إلى أن «الحل السياسي يجب أن يصدر من الشعب السوداني نفسه، وأن يكون موقفاً سودانياً خالصاً دون إملاءات من أطراف خارجية».