الحوثيون يستغلون الحملة الأميركية المكثفة لتعزيز دعايتهم
الرأي الثالث - أ ف ب
يحاول المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران استغلال الحملة الأميركية عليهم لتعزيز الدعاية وجهود التجنيد مع تصعيد الولايات المتحدة ضرباتها الجوية وعقوباتها الاقتصادية على اليمن، بحسب محللين.
ونشر الحوثيون الإثنين الماضي، أي بعد أربعة أيام على مقتل 80 شخصاً في غارات أميركية على ميناء رأس عيسى النفطي على ساحل البحر الأحمر، مقطعاً ترويجياً لهم عبر "تيليغرام" بعنوان "حاضرون للقتال" صُوّر باستخدام طائرات مسيّرة وتقنيات عالية الدقة، وتم إنتاجه بشكل احترافي.
ويستعرض الفيديو التدريبات العسكرية المكثفة للحوثيين المدعومين من إيران، على وقع موسيقى حماسية. ويظهر عناصر ملثمون يطلقون النار على أهداف تحمل أعلام الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا، وهي دول شاركت في الهجمات على اليمن منذ يناير (كانون الثاني) 2024.
وعقب اندلاع الحرب بين إسرائيل و"حماس" في قطاع غزة عام 2023، وضع الحوثيون أنفسهم في موقع المساند للقطاع الفلسطيني المحاصر، وأعلنوا إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة في اتجاه إسرائيل، واستهداف سفن يقولون إنها مرتبطة بها في بحر العرب والبحر الأحمر، ما أدى إلى عرقلة حركة الملاحة في هذا الممر الحيوي للتجارة العالمية.
وبعدما لوّح الحوثيون، وهم جزء من محور الممانعة بقيادة طهران المناهض لإسرائيل والولايات المتحدة، باستئناف هجماتهم ضد إسرائيل عقب إعلان الأخيرة وقف دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة،
صعّدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب موقفها من المتمردين، وبدأت شن غارات جوية شبه يومية منذ 15 مارس (آذار) أسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص في اليمن، وفق ما أعلن الحوثيون.
تجنيد الأطفال
يرى أستاذ الشؤون الدولية في جامعة أوتاوا الكندية توماس جونو أن "الحوثيين يسعون جاهدين لاستغلال الحملة الأميركية المكثفة عليهم لأغراض دعائية"،
موضحاً أنهم يستخدمون الإعلام "لتصوير أنفسهم كمقاومين ضد الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين، بما في ذلك زيادة التجنيد محلياً". لكن جونو يؤكد أنه "يصعب تحديد مدى نجاح هذه الجهود الحوثية".
يشارك عشرات الآلاف من اليمنيين في المسيرات التي يدعو إليها الحوثيون بشكل منتظم ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، وتقام في صنعاء التي يسيطرون عليها منذ عام 2014.
ويحث المتمردون اليمنيين على التعبئة، ويقولون إن عشرات الآلاف منهم تقدموا لخوض دورات تدريب عسكرية منذ اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وفي فبراير (شباط) الماضي، حذرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" من التزايد الملحوظ في أعداد الأطفال الذين جندهم الحوثيون منذ بدء الحرب في غزة، مشيرةً إلى أن عمر بعضهم لا يتجاوز 13 سنة.
وبثت قناة "المسيرة" التابعة للمتمردين مقابلات لجرحى أصيبوا في الهجوم على ميناء رأس عيسى، وهو الأكثر حصداً للأرواح منذ استئناف واشنطن لضرباتها على اليمن في منتصف مارس (آذار)، تعهدوا فيها مواصلة دعم غزة.
أضرار غير مسبوقة
يقول الخبير في الشؤون اليمنية المقيم في الولايات المتحدة محمد الباشا لوكالة الصحافة الفرنسية، إن استهداف واشنطن للبنية التحتية الاقتصادية للحوثيين "يأتي بتكلفة بشرية باهظة"، مضيفاً أن ذلك "قد يكثف عمليات التعبئة والتجنيد الحوثية".
ويرى محللون أن الضربات الأميركية تمكنت من تدمير بعض القدرات العسكرية للحوثيين وأرغمت قادتهم على الاختباء.
وأتت الضربات الأميركية المتجددة اعتباراً من الشهر الماضي، بعد نحو عقد من المواجهة بين الحوثيين من جهة والتحالف العسكري بقيادة السعودية الداعم للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً،
وبعد نحو عام من ضربات نفذتها واشنطن ضد الحوثيين خلال عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
ويشرح الشريك المؤسس لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي، أن المختلف هذه المرة هو أن الحملة الأميركية "تلاحق القيادات الحوثية بشكل حثيث".
ويضيف أن الهجمات على شبكة الاتصال ومراكز القيادة والأهداف العسكرية ألحقت "أضراراً غير مسبوقة في بنية الحركة... لكن يمكن إصلاحها في حال توقفت الحملة من دون اللجوء إلى عملية برية أو مسار سياسي".
الناس مرهقون
تُضيّق واشنطن الخناق على المتمردين الحوثيين مالياً كذلك من خلال فرض عقوبات على المصارف واستهداف البنية التحتية مثل ميناء رأس عيسى الذي كان يعدّ مصدراً حيوياً للطاقة والموارد لتمويل الاقتصاد في مناطق سيطرة المتمردين.
وفرضت الخزانة الأميركية الأسبوع الماضي عقوبات على "بنك اليمن الدولي" مشيرةً إلى دعمه للحوثيين.
وفي مارس، فرضت إدارة ترمب عقوبات على قادة حوثيين وأعادت تصنيف الجماعة "منظمة إرهابية أجنبية".
ويشدّد الخبير في قضايا اليمن في "معهد رويال يونايتد سيرفيسز" البريطاني براء شيبان، على أن "الضرر الاقتصادي أكبر بكثير" من تداعيات الضربات العسكرية.
ويقول شيبان إن "إدارة ترمب تستهدف البنوك التي لا تزال تعمل في صنعاء. وتنقل العديد من البنوك مقراتها إلى عدن (مقر الحكومة المعترف بها دولياً) خوفاً من تلك العقوبات".
ويلخص الوضع الراهن بالقول إن "الناس مُرهقون ومنهكون"، مضيفاً أن "الوضع الاقتصادي سيئ للغاية، والناس يريدون فقط أن تنتهي دائرة العنف".