Logo

جولة ترامب الخليجية المرتقبة.. رسائل سياسية واقتصادية في زمن التوتر سياسة

الرأي الثالث - وكالات

دفعت التطورات المتسارعة الإدارة الأمريكية إلى إعادة تقييم أدواتها السياسية في الشرق الأوسط، وسط تحولات عميقة في بنية التحالفات ومراكز التأثير في المنطقة.

سارعت إدارة دونالد ترامب، بعد عودته إلى البيت الأبيض، إلى إعادة رسم ملامح حضورها الخارجي من خلال مقاربة أكثر مرونة واندماجاً مع الفاعلين الإقليميين، وفي مقدمتهم القوى الخليجية التي باتت تحتل موقعاً متقدماً في حسابات الأمن والاستثمار والتأثير.

زيارة مرتقبة

وفي إطار جولة خارجية جديدة تحمل أبعاداً استراتيجية، بعد عودته إلى البيت الأبيض، اختار الرئيس الأمريكي أن تكون وجهته الأولى والأساسية نحو دول الخليج العربية.

وقالت المتحدثة باسم الرئيس الأمريكي كارولين ليفيت، في 22 أبريل الجاري، إن ترامب سيزور الشرق الأوسط بين 13 و16 مايو المقبل في جولة تشمل السعودية، وقطر، والإمارات.

وتأتي هذه الزيارة مباشرة بعد مشاركته في مراسم جنازة البابا فرنسيس بالفاتيكان، في 26 أبريل الجاري، لتعكس دلالة سياسية واضحة على تجديد الاهتمام الأمريكي بالمنطقة، في وقت تتقاطع فيه ملفات الأمن والطاقة والاستثمار مع تحديات إقليمية كبرى.

ويعدّ اختيار الخليج العربي كمحطة أولى في جولة ترامب بعد عودته إلى البيت الأبيض ليس أمراً عابراً، بل يعكس بوضوح سعي إدارته إلى ترميم العلاقات مع الحلفاء التقليديين في المنطقة بعد سنوات من الفتور في عهد الرئيس السابق جو بايدن.

ويبدو أن ترامب يهدف من خلال هذه الزيارة إلى إعادة تأكيد مكانة الولايات المتحدة كشريك استراتيجي أول لدول الخليج، وخصوصاً السعودية التي سبق أن استقبلته خلال ولايته الأولى، مما يكرسها كبوابة أولى للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.

وتسبق الزيارة تحركات دبلوماسية مكثفة، منها زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى واشنطن، ما يؤكد الطابع التحضيري عالي المستوى للجولة، ويُظهر جدية الطرفين في صياغة مرحلة جديدة من التعاون السياسي والاقتصادي.
 
في هذا السياق، تُمثل زيارة ترامب محطة رئيسية لإعادة التموضع الأمريكي في الشرق الأوسط، خصوصاً مع تصاعد التوترات الإقليمية والتحديات العابرة للحدود.

ومن الواضح أن ترامب يسعى في هذه الجولة إلى إعادة صياغة معادلة النفوذ الأمريكي في الخليج، مرتكزاً على التحالفات التقليدية ولكن بأسلوب جديد يدمج بين المصالح التجارية والتحالفات الجيوسياسية.

وأكدت مصادر أمريكية مطلعة لموقع "أاكسيوس" في مارس الماضي، بأن اختيار السعودية كمحطة أولى في جولة ترامب الخارجية لم يكن مجرد خيار رمزي، بل يعكس عمق التفاهمات الاستراتيجية مع الرياض، خاصة في مجالي الاستثمار والتنسيق الأمني.

ونقلت وكالة "رويترز" مؤخراً عن ستة مصادر مطلعة قولها إن الولايات المتحدة تستعد خلال زيارة ترامب المرتقبة لعرض حزمة من صفقات الأسلحة على السعودية تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار.

ملفات تتصدر الزيارة

يرى المحلل السياسي إبراهيم دشتي أن زيارة ترامب المرتقبة للسعودية والإمارات وقطر تحمل أبعاداً استراتيجية وسياسية وأمنية واقتصادية بالغة الأهمية.

ويضيف أن العلاقات الخليجية الأمريكية تاريخية، حيث توفر واشنطن غطاءً أمنياً وتسليحاً للدول الخليجية، بينما تستفيد الخزانة الأمريكية من مليارات الدولارات عبر صفقات التسليح والتبادل الاقتصادي.

وتحمل زيارة ترامب ملفات رئيسية، تشمل -حسب توقعات دشتي-:

- القضية الفلسطينية: يتوقع أن تتصدر قضية غزة المفاوضات، خاصة مع دور قطر كوسيط، والتوجه نحو تطبيع سعودي إسرائيلي بشروط.
- الملف النووي الإيراني: يمثل هذا الملف مصدر قلق خليجي، رغم تحسن العلاقات بين بعض دول الخليج وإيران مؤخراً.
- العلاقات الخليجية مع الصين وروسيا: تسعى أمريكا للحفاظ على نفوذها بالمنطقة في ظل تنامي العلاقات الخليجية مع الصين وروسيا.
- الملف الاقتصادي: تطمح أمريكا لعقد صفقات تسليح ضخمة واستثمارات خليجية كبيرة، رغم أن الرقم السعودي المطروح (600 مليار دولار) لا يلبي الطموحات الأمريكية.
- ويستبعد دشتي أن تسفر الزيارة عن تحالفات إقليمية جديدة، لافتاً إلى أن دول الخليج تطمح إلى حلول سلمية للملف النووي الإيراني، وتسوية القضية الفلسطينية.
 
بدوره، يرى المحلل السياسي أنور الرشيد أن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط من غير المرجح أن تشهد تحولات جوهرية، مؤكداً على استمراريتها الثابتة في المنطقة، والتي تعتبر "إسرائيل" عنصراً أساسياً فيها.

وأكد أن الزيارة لن تسفر عن تحالفات إقليمية جديدة، إذ يرى أن التحالفات القائمة كافية لتحقيق الأهداف الأمريكية.

وحول فرص نجاح إدارة ترامب في إعادة إحياء سياسة "الضغوط القصوى" ضد إيران بالتنسيق مع دول الخليج، لا يعتقد الرشيد نجاح ذلك، 

مشيراً إلى مرونة طهران في المفاوضات الأخيرة، وتفهمها للاستراتيجية الأمريكية التي تمنع امتلاكها سلاحاً نووياً، حيث أن الأمور تتجه نحو تهدئة التوترات.

ويختلف الرشيد مع الرأي السائد بأن الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة هي "ابتزاز أمريكي"، بل يرى أنها تعكس قوة دول الخليج وقدرتها على تجنيد الإدارات الأمريكية المتعاقبة لخدمة مصالحها الأمنية والاستراتيجية.

ولفت إلى أن دول الخليج، بقوتها المالية وموقعها الاستراتيجي واحتياطياتها النفطية، تفرض على أمريكا دور "الحارس" لاستراتيجيتها في المنطقة.

أجندة استراتيجية

تحمل زيارة الرئيس الأمريكي إلى الخليج ملفات بالغة الأهمية، ما يجعلها محطة حاسمة لرسم ملامح المرحلة المقبلة في العلاقات الأمريكية الخليجية.

وفي الجانب الاقتصادي، تُظهر البيانات التمهيدية للزيارة طموحاً كبيراً نحو تعميق الشراكة المالية، إذ أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التزام بلاده بضخ استثمارات تصل إلى 600 مليار دولار في الولايات المتحدة.

بالمقابل، كشفت الإمارات عن التزام استثماري ضخم يمتد لعشر سنوات بقيمة 1.4 تريليون دولار، في إشارة واضحة إلى الرغبة الخليجية في توثيق العلاقة مع واشنطن على أسس اقتصادية مستدامة.

في حين ناقش وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في 22 أبريل الجاري، سبل تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي، ومعالجة القضايا الملحة في غزة ولبنان وسوريا.

أما في الشق الأمني والدبلوماسي، فالمحادثات المرتقبة تشمل ملفات حساسة كبرنامج إيران النووي، إذ يُنتظر أن يعيد ترامب تبني سياسة "الضغوط القصوى" ضد طهران، وسط حالة من الترقب الإقليمي والدولي.

كما يُتوقع أن يتم التطرق إلى الأزمات المستمرة في غزة، ولبنان، وسوريا، ضمن إطار تنسيق المواقف مع الدوحة، خصوصاً بعد اللقاء الأخير بين وزير الخارجية الأمريكي ورئيس الوزراء القطري.

وبحسب تحليل نشره "منتدى الخليج الدولي" في 23 أبريل الجاري، وكتبه عبد الله بشارة، رئيس المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية، وعضو مجلس إدارة الهيئة الاستشارية بمجلس التعاون (الذي كان أول أمين عام له بعد تأسيسه)، فإن "تفعيل اتفاقيات إبراهام والتطبيع مع إسرائيل يأتي في طليعة أجندة ترامب الدولية الطموحة في الشرق الأوسط".

وأشار إلى أن إدارة ترامب تركز الآن على تحقيق سلام إقليمي أوسع يشمل السعودية والعراق وسوريا ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مستفيدة من المتغيرات الجيوسياسية التي طرأت، وعلى رأسها تراجع النفوذ الإيراني في محاور تقليدية مثل لبنان وسوريا والعراق.

ونوه التحليل إلى أن "مبادرات ترامب الجريئة ونظرته المتفائلة، لم تبدد الشكّ العربي المتجذر بشأن نزاهته، لا سيما في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث قوّضت إجراءات ترامب السابقة - كالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل والسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان - ثقة العرب وحكوماتهم بشكل كبير".

كما أن دعم ترامب شبه المطلق لـ"إسرائيل" في حرب غزة، ومقترحاته بإدارة الولايات المتحدة للقطاع، قوّض حياده في الوصول إلى حلول عادلة ومنصفة تتماشى مع القانون الدولي والإجماع الإقليمي.
 
إلى جانب ذلك، تلعب السعودية دوراً محورياً في ملف السلام العالمي، إذ اختارها ترامب لتكون منصة أولى للمحادثات حول إنهاء الحرب الأوكرانية، ما يعكس تحولاً في موقع المملكة كلاعب دولي في ملفات تفوق النطاق الإقليمي.

في المجمل، تحمل الزيارة طابعاً يجمع بين إعادة تثبيت التحالفات التقليدية وتوسيع الأفق الاستثماري، في ظل سياق إقليمي متقلب وسعي أمريكي لاستعادة زمام المبادرة على أكثر من جبهة.