قتلى جراء اشتباكات في جرمانا بريف دمشق وسط تصاعد التوتر الطائفي
الرأي الثالث - وكالات
ارتفعت حصيلة الضحايا في الاشتباكات المسلحة التي اندلعت، فجر اليوم الثلاثاء، بين قوات الأمن ومسلحين في مدينة جرمانا بريف دمشق إلى ستة قتلى وأكثر من 15 جريحاً، وفق مصادر محلية.
ومن بين الضحايا الشاب شادي الأطرش، الذي لفظ أنفاسه متأثراً بجراحه، والشيخ ضياء الشيخ، الذي قُتل عند حاجز النسيم، بالإضافة إلى الشابين رياض بعكر ولجين عزوز، اللذين سقطا خلال المواجهات العنيفة عند مدخل المدينة.
وتشير المعلومات الأولية إلى أنّ الحصيلة قد ترتفع مع استمرار الاشتباكات وتصاعد التوتر في المنطقة.
وتشهد جرمانا منذ ساعات الصباح الأولى حالة استنفار أمني غير مسبوقة، مع استمرار تبادل إطلاق النار بين مجموعات مسلحة وقوات الأمن عند حواجز متفرقة، أبرزها حاجز النسيم ومنطقة المليحة.
وقد انتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر سقوط قذائف على أحياء سكنية، بينها حي التربة، دون الإبلاغ عن إصابات في تلك المناطق.
وفي بلدة صحنايا المجاورة، وردت أنباء عن محاولة اقتحام لنقطة أمنية عند القوس والبنك العربي، مع تسجيل إصابتين على الأقل.
تسجيل صوتي مثير للجدل
واندلعت الاشتباكات في جرمانا بعد أيام من انتشار تسجيل صوتي نُسب إلى شخص من محافظة السويداء جنوبي سورية، تضمن إساءات للنبي محمد ورموز دينية إسلامية، مما أثار موجة غضب عارمة في مناطق سورية عدة.
وعلى الرغم من نفي الشيخ مروان كيوان، الذي اُتهم بالتسجيل، أي علاقة له بالمقطع، واصفاً إياه بأنه "مُفبرك"، إلا أنّ التسجيل أثار ردود فعل غاضبة، تحولت إلى تظاهرات ووقفات احتجاجية في عدة مدن، تطور بعضها إلى صدامات مسلحة.
وأكدت وزارة الداخلية السورية، في بيان لها، اليوم الثلاثاء، أنها باشرت بالتحريّات حول التسجيل الصوتي، مشيرة إلى أنه لم يثبت أنّ التسجيل يعود للشخص الذي وجهت إليه أصابع الاتهام.
وأكدت الوزارة أنّ العمل جارٍ لتحديد هوية صاحب الصوت.
وعبّرت الوزارة عن "بالغ الشكر والتقدير للمواطنين على مشاعرهم الصادقة والدينية دفاعاً عن مقام النبي (ص) وشددت على أهمية الالتزام بالنظام العام وعدم الإنجرار إلى أي تصرفات فردية أو جماعية من شأنها الإخلال بالأمن العام أو التعدي علي الأرواح والممتلكات".
استنكار "الفتنة" وتحذيرات من التصعيد
وسارعت المرجعيات الدينية والوجهاء في السويداء ودرعا ودمشق إلى إصدار بيانات استنكارية، مؤكدة رفضها لأي إساءة إلى المقدسات الإسلامية، مع تحذيرها من محاولات "إشعال الفتنة الطائفية".
ففي بيان صادر عن عشائر آل عامر والنوفل والقيسية والشريطي، تم التأكيد على أن "الدين لله والوطن للجميع"، مشددين على أنّ التسجيل الصوتي "مشبوه ويهدف إلى زعزعة الاستقرار".
من جهته، دعا شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الشيخ يوسف جربوع، إلى "التمسك بالوحدة الوطنية"، محذراً من "أجندات خارجية تريد تقسيم السوريين".
كما أصدرت مضافة الكرامة في السويداء بياناً أعلنت فيه "تبرؤها من أي شخص يسيء إلى الأنبياء"، معتبرة أنّ مثل هذه الأفعال "لا تمثل قيم أهالي السويداء".
وفي جرمانا بريف دمشق، أصدرت الهيئة الروحية لطائفة الموحدين الدروز بياناً حمّلت فيه السلطات المسؤولية الكاملة عن الأحداث، وطالبت بـ"كشف الحقائق ووقف حملات التحريض".
كما نددت بالهجوم المسلح على المدينة، مؤكدة أنّ معظم الضحايا من عناصر الأمن العام الذين "كانوا في مواقع عملهم عندما تعرّضوا للغدر".
تداعيات أحداث جرمانا
في سياق متصل، يعيش طلاب من محافظة السويداء الذين يدرسون في الجامعات السورية خارج المحافظة، حالة من الخوف بعد تلقيهم تهديدات في ظل تصاعد الخطاب الطائفي داخل الحرم الجامعي.
وقال طالب في كلية الهندسة الميكانيكية بدمشق، فضّل عدم الكشف عن اسمه: "بعض الزملاء حموا زملاءهم الدروز، لكن الوضع لا يزال خطيراً".
وفي جامعة تشرين باللاذقية شمال غربي سورية، أفاد طلاب بأنّ "الأوضاع طبيعية، لكن هناك مخاوف من أي تطور مفاجئ"، بينما أشارت طالبة في كلية الهندسة المعمارية إلى أنها "تخشى العودة إلى الجامعة رغم أنها في مرحلة التخرج"،
معربة عن قلق أسرتها من أي اعتداء محتمل.
وفيما حاول العديد من النشطاء والوجهاء تهدئة الأجواء، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي خطابات تحريضية من بعض الجهات، مما زاد من حدة التوتر. ففي درعا جنوبي سورية، وجّه شيخ عشيرة الفواعرة، سامر المحمود، رسالة طمأنة لطلاب السويداء،
مؤكداً أنه سيتكفل بحمايتهم في حال قرروا العودة إلى مدنهم. في المقابل، قطع مسلحون طريق المطلة الرابط بين دمشق والسويداء، في خطوة اعتبرها مراقبون "مؤشراً على تصعيد محتمل".
كما شهدت بعض المناطق السورية وقفات احتجاجية طالبت بـ"قصاص عادل" من المسيئين، رغم عدم ثبوت هوية صاحب التسجيل المثير للجدل.
ومع استمرار الاشتباكات، يطرح العديد من المحللين تساؤلات حول الجهات التي تقف خلف الأحداث، خاصة في ظل تكرار سيناريوهات مشابهة في فترات سابقة. فبعض النشطاء يرون أنّ "التسجيل الصوتي مجرد ذريعة لتفجير الوضع"،
بينما يعتبر آخرون أنّ "الفساد الأمني وغياب الدولة الفاعلة سمح بانتشار الفوضى".