تسمية "الخليج العربي".. صراع تاريخي ينتقل من الخرائط للمواقف السياسية
الرأي الثالث - وكالات
رغم مرور عقود على انطلاق الجدل، لا يزال اسم الخليج يشكّل ساحة صراع بين الرواية العربية والإيرانية، في نزاع يتجاوز الجغرافيا ليصل إلى ملامح الهوية والسيادة.
ومع كل ظهور رسمي لمصطلح "الخليج العربي"، تسارع طهران إلى الاعتراض، بينما تتمسك العواصم العربية بإرث تاريخي وجغرافي تؤكده الخرائط والسواحل الممتدة من العراق إلى عُمان.
وعلى الرغم أن الدول العربية تطل على المساحة الكبرى من الخليج العربي البالغة مساحته الإجمالية 3300 كم2، ونصيب إيران منه الثلث فقط، فإن طهران تعتمد مصطلح "الخليج الفارسي"، وتحرص على توثيق ذلك في خرائط "جوجل"، والأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الأخرى.
والدول العربية المطلة على ضفتي الخليج هي: قطر، وسلطنة عُمان، والكويت، والإمارات، والبحرين، والسعودية، والعراق، من الجهة الغربية، وإقليم عربستان (الأحواز) ولنجة، وبوشهر، من الجهة الشرقية.
ومن الأسماء التي كانت تطلق عليه اسم "خليج البصرة"، وهو مصطلح موثق في عهد خليفة المسلمين الصحابي عمر بن الخطاب، كما سمي بـ"بحر الشروق الكبير"، وسماه الآشوريون والبابليون والأكاديون "البحر الجنوبي" أو "البحر السفلي"، وفيما بعد اقترحت بعض الشخصيات تسميته بـ"الخليج الإسلامي".
خلاف متجدد
بدأ الخلاف على مصطلح الممر المائي في ستينيات القرن العشرين مع ولادة فكرة الجامعة العربية والقومية العربية، وهنا أصبح اسم "الخليج العربي" المصطلح المعتمد والمستخدم في غالبية العواصم العربية.
وتعتمد الأمم المتحدة في بياناتها الرسمية العربية تسمية الخليج العربي، وفي اللغة الإنجليزية تستخدم المنظمة الأممية تسمية "الخليج الفارسي".
واستخدمت شركة "جوجل" مصطلح الخليج العربي ضمن خرائطها، وهو ما أثار غضب الإيرانيين، لتتراجع وتضع مصطلح "الخليج الفارسي (الخليج العربي)" في محاولة منها لإرضاء العرب والإيرانيين.
كذلك اعتمدت جمعية "ناشيونال جيوغرافيك" مصطلح "الخليج العربي" بدلاً من "الخليج الفارسي"، وأصدرت عام 2004 طبعة جديدة من أطلسها يتضمن الاسم الجديد.
وبعد هذه الخطوة قررت السلطات الإيرانية منع توزيع منشورات الجمعية في البلاد، وهو ما جعلها تعود إلى إصدار نسخة معدلة للأطلس حذفت منها الصفة المرافقة وأضافت ملحوظة تقول: "إن هذا الممر المائي المعروف تاريخياً وفي الغالب الأعم بالخليج الفارسي، يشير إليه البعض باسم الخليج العربي".
وكان آخر تطور يتعلق بهذه القضية ما كشفته وكالة "أسوشييتد برس"، الأربعاء 7 مايو الجاري، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين حول اعتزام الرئيس دونالد ترامب أن يعلن، خلال زيارته المرتقبة إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع المقبل، اعتماد تسمية "الخليج العربي" أو "خليج العرب" داخل الولايات المتحدة، بدلاً من "الخليج الفارسي".
وجاء هذا بعد أن قال ترامب، الثلاثاء 6 مايو 2025، إنه سيكون هناك "إعلان كبير للغاية" قبل زيارته المرتقبة الشهر الجاري إلى الشرق الأوسط.
وأضاف ترامب خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني في البيت الأبيض: "سيكون واحداً من أهم ما أعلن في السنوات الأخيرة في موضوع معيّن".
سواحل عربية
المؤرخ والمتخصص في الجغرافيا فوزي الجدبة يؤكد أن المصطلح الصحيح لهذا الممر المائي هو الخليج العربي، لكون سواحله الغربية والشرقية تطل على دول عربية، وإقليم عربستان، الذي سيطرت عليه إيران 1925.
ويعتمد جميع المؤرخين العرب، والكثير من الأجانب، مصطلح الخليج العربي، حسب حديث الجدبة لـ"الخليج أونلاين" في وقت سابق، ولكن قديماً استخدم بعض علماء الجغرافيا والمؤسسات الدولية مصطلح "الخليج الفارسي" بسبب الهيمنة الإيرانية في حينها، ومطالباتها المستمرة من تلك الدول والمؤسسات اعتماد هذه التسمية.
كذلك، يعد النفوذ القوي والتاريخي لإيران سبباً في تمرير مصطلح "الخليج الفارسي" لدى الكثير من قادة الدول، والخرائط، والمنظمات الدولية، وفق حديث الجدبة.
ويرجع الجدبة اعتماد مصطلح "الخليج الفارسي" على الممر المائي المهم في المنطقة من قبل بعض الدول والمؤسسات، إلى استمرار سيطرة إيران على الجزر الإماراتية الثلاث (جزيرة طنب الكبرى، والصغرى، وأبوموسى) وبسط السيادة الكاملة عليها.
وتقع الجزر الثلاث شرقي الخليج العربي، وتؤكد الإمارات أنها جزء من أراضيها وتطالب إيران -التي تسيطر عليها منذ 1971- بإرجاعها، في حين تؤكد طهران أن ملكيتها للجزر "غير قابلة للنقاش".
وتراجعت بعض الدول والمؤسسات عن استخدام مصطلح "الخليج الفارسي" وعادت إلى إطلاق اسم الخليج العربي رغم الغضب الإيراني، بفضل الرجوع إلى المراجع التاريخية التي تؤكد أحقية العرب في هذا الممر المائي، كما يؤكد الجدبة.
ووجد أن كثيراً من المؤرخين تراجعوا عن تسميته بـ"الخليج الفارسي"، وأبرزهم المؤرخ الإنجليزي رودريك أوين الذي زار الخليج العربي وأصدر سنة 1957 عنه كتاباً بعنوان "الفقاعة الذهبية – وثائق الخليج العربي".
وروى رودريك أنه زار الخليج وهو يعتقد بأنه "خليج فارسي" لأنه لم ير على الخرائط الجغرافية سوى هذا الاسم. ولكنه ما كاد يتعرف إليه عن كثب حتى رأى أن الأصح تسميته "الخليج العربي"؛ لأن أكثر سكان سواحله من العرب.
ووثق الكاتب الفرنسي جان جاك بيربي عروبة الخليج في أحد مؤلفاته التي تناول فيها أحداث المنطقة وأهميتها الاستراتيجية.
ويقول بيربي: "يؤلّف القسم الذي تغسله مياه نهر كارون من إقليم الأهواز مع القسم الأسفل من بلاد ما بين النهرين وحدة جغرافية واقتصادية... إن إقليم الأهواز هو طرف الهلال الخصيب الذي يبدأ عند السهول الفلسطينية وينتهي عندها مارّاً بلبنان وسوريا والعراق".
أهميته الاستراتيجية
وتكمن أهمية الخليج العربي في أنه أحد أهم الممرات المائية المهمة لدول مجلس التعاون؛ بسبب ربطه موانئها بالمحيط الهندي، واعتباره ممر نقل نفطها إلى العالم.
ويعد الخليج العربي أحد أبرز المسارات التي ينطلق منها النفط العربي المصدر إلى الخارج، الذي يمر عبر المحيط الهندي إلى أنحاء العالم كافة، ومن ثم فهو يسهم في إنعاش التجارة والاقتصاد الخليجيين.
كما يعدّ مضيق هرمز، الذي يقع بين سلطنة عُمان وإيران من أهم الممرات المائية للخليج العربي لكونه يربطه ببحر العرب، أحد أهم الممرات الاستراتيجية في العالم، ويبلغ عرض المضيق 60 كيلومتراً.
ويُعتبر المضيق ورقة قوة لدى إيران؛ لكون قرابة 17 مليون برميل من النفط الخام تمرّ منه يومياً، وفق أرقام لمنظمة البلدان المصدِّرة للنفط (أوبك)، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وسبق أن هددت إيران مراراً بإغلاق المضيق ردّاً على العقوبات الأمريكية ضدها، وهو ما يعني منع تصدير كمّيات هائلة من النفط الخام للعالم، والتسبُّب بأزمة في معروض النفط ومن ثم ارتفاع أسعاره.
وفي حال أغلقت إيران حركة الملاحة في مضيق هرمز، فسيؤدّي ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي في الأسواق العالمية، إضافة إلى التسبب بانهيار اقتصادات بعض الدول التي تعتمد على هذه الواردات في اقتصادها.
وتاريخياً لم يستطع المضيق الإفلات من أطماع وصراعات الدول الكبرى للسيطرة عليه؛ فمنذ القرن السابع قبل الميلاد وهو يؤدّي دوراً دولياً وإقليمياً هاماً، أسهم في التجارة الدولية.
وقد خضع للاحتلال البرتغالي، ثم لسائر الدول الأوروبية، خصوصاً بريطانيا، لتنتشر الشركات الغربية المتنافسة، ويتراجع الأمن مع غزوات القراصنة.
وكانت بريطانيا تعتبر المضيق مفترق طرق استراتيجية، وطريقاً رئيسياً إلى الهند.