لا تطورات جدية بين الإدارة الأميركية ودمشق
الرأي الثالث - وكالات
تشهد العلاقة بين الإدارة الأميركية ودمشق نشاطاً مكثفاً، في ظلّ محاولات التقريب بينهما، وذلك على وقع إبلاغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الكونغرس بتجديد "حالة الطوارئ الوطنية" الأميركية المتعلّقة بسورية عاماً إضافياً،
وذلك في ضوء ما وصفه باستمرار "التهديدات غير العادية والاستثنائية التي تشكلها سياسات الحكومة السورية على الأمن القومي والسياسة الخارجية والاقتصاد الأميركي".
وجاء في الإخطار أن حالة الطوارئ ستبقى سارية بعد تاريخ 11 مايو/ أيار 2025 (غداً الأحد) عاماً إضافياً، عملاً بقانون الطوارئ الوطني الأميركي.
وجاء في مسوغات القرار المؤثر على علاقات الإدارة الأميركية ودمشق أن "افتقار سورية للهيكلية وقدرتها المحدودة على الحكم في ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية ومكافحة المنظمات الإرهابية، يشكلان تهديداً غير عادي واستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية والاقتصاد للولايات المتحدة".
وأوضح القرار أن الولايات المتحدة "ستنظر في التغييرات في سياسات وإجراءات سورية لتحديد ما إذا كانت ستُبقي أو تُنهي حالة الطوارئ الوطنية هذه في المستقبل".
ظروف حالة الطوارئ
وكانت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، قد فرضت حالة الطوارئ على سورية بموجب "قانون محاسبة سورية واستعادة سيادة لبنان" لعام 2004، وقانون "الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية".
وفُرضت تلك الحالة حينها نتيجة لاتهام نظام الأسد بدعم الإرهاب، واحتلال لبنان آنذاك، والسعي إلى امتلاك أسلحة دمار شامل، إلى جانب عرقلة جهود الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في العراق.
ومنذ ذلك الوقت، ظل هذا القرار يمدد تلقائياً كل عام، ومدّده الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2024، معتبراً أن الوضع في سورية "يعرض المدنيين للخطر، ويستمر في تشكيل تهديد استثنائي للأمن القومي الأميركي".
ويأتي هذا التمديد، في وقت حساس لدمشق، التي تسعى بدأب لتحسين العلاقات مع واشنطن، من منطلق أن ذلك يشكل المدخل الرئيسي لرفع العقوبات الدولية المفروضة على البلاد، منذ عهد النظام السابق، والتي جرى تخفيفها جزئياً وبشكل محدود أميركياً وأوروبياً، بعد إطاحة نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ووفق تقارير نشرت أخيراً فإن الحكومة السورية، تسعى لدى أطراف عربية وإقليمية ودولية، فضلاً عن شخصيات أميركية رسمية وغير رسمية زارت دمشق، لفتح خطوط مع إدارة ترامب، من أجل رفع العقوبات وبناء علاقة استراتيجية بين الإدارة الأميركية ودمشق والقطيعة أو الابتعاد عن المحاور الأخرى الإقليمية والدولية، مثل إيران وروسيا والصين.
ووفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال أخيراً، فإن حكومة أحمد الشرع اتخذت عدداً من الخطوات للاستجابة للمطالب الأميركية، بما في ذلك اعتقال قادة في فصائل فلسطينية، والتواصل مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال وسطاء، للتعبير عن رغبتها في تفادي الحرب، وكذلك من خلال إبداء رغبتها في إبرام صفقات مع شركات النفط والغاز الأميركية لتنفيذ مشاريع في سورية.
ووفق الصحيفة، فإن الرئيس السوري يسعى لتنفيذ خطة لإعادة الإعمار على غرار "مشروع مارشال" الأميركي الذي أعاد إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، بشراكة مع الشركات الغربية.
وأشارت الصحيفة إلى أن المهمة الأكثر إلحاحاً بالنسبة للشرع تتمثل في إقناع إدارة ترامب المشككة في نياته، بأن التغيير الذي حصل في مواقفه حقيقي. ولفتت إلى أن الشرع يحاول عقد لقاء مع ترامب من أجل تبادل الرؤى حول خطة على غرار "مشروع مارشال".
حول هذه التطورات على خط الإدارة الأميركية ودمشق اعتبر الباحث السوري رضوان زيادة ، أن "هناك الكثير من الدعوات والأماني بشأن العلاقات مع الولايات المتحدة، لكن، للأسف ليس هناك أية تطورات جدية".
وأضاف في ما يتعلق بعلاقات الإدارة الأميركية مع دمشق أن "هناك خطوات من الجانب الأميركي، لكنها جزئية جداً ومحدودة تتعلق بالسماح لقطر بدفع رواتب موظفي القطاع العام، ما عدا وزارتي الدفاع والداخلية،
لكن إدارة ترامب ما زالت لا تعترف بالحكومة الجديدة، رغم إيجابيتها في التعامل مع المطالب الأميركية".
واستبعد زيادة عقد لقاء بين ترامب والشرع في السعودية بسبب التحفظات التي أبداها الطرف الأميركي.
ومثل هذا ما ذهبت إليه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس في تعليقها على موافقة واشنطن بأن تموّل قطر دفع رواتب العاملين في سورية لفترة محددة،
قائلة إن هذا لا يشكل تغييراً في السياسة الأميركية تجاه سورية، لأن هناك إعفاءات بالفعل تسمح بخطوات كهذه، مستبعدة أي تحرك أميركي جديد باتجاه تخفيف العقوبات المفروضة على سورية.
وانتقدت بروس تعيين أحمد إحسان فياض الهايس، المعروف باسم أبو حاتم شقرا، المدرج على قوائم العقوبات الأميركية، قائداً لإحدى الفرق العسكرية في الجيش السوري الجديد.
وكانت الإدارة الأميركية قد سلمت الحكومة السورية الشهر الماضي قائمة مطالب لتخفيف العقوبات، تضمنت منع تسلم المقاتلين الأجانب مناصب في الدولة السورية، وأن يصدر الشرع موقفاً علنياً يرحب بنشاط وعمل "التحالف الدولي للقضاء على داعش"،
إضافة إلى حظر نشاط الفصائل الفلسطينية السياسي والأمني والعسكري ووقف حملات التبرعات الخاصة بها، ومنع النشاط الإيراني في سورية مع حظر استخدام الأراضي السورية لنقل السلاح والأموال إلى حزب الله.
كما تضمنت المطالب ضرورة كشف مخازن الأسلحة الكيميائية والتعاون الكامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتفكيك الترسانة السورية،
فضلاً عن تخصيص جهة اتصال مباشرة لمتابعة مصير المفقودين الأميركيين في سورية البالغ عددهم 12 شخصاً، من بينهم الصحافي أوستن تايس.
وقد أرسلت الحكومة السورية رداً لم يكشف عن مضمونه، بشأن هذه المطالب. كما أجرى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لقاءات عدة في نيويورك، لكن ذلك، لم يسهم كثيراً في إحداث تغيير ملموس في مسار العلاقات بين البلدين.
الإدارة الأميركية ودمشق
من جانب آخر، رأى بعض المراقبين أن جولة ترامب الوشيكة في المنطقة، التي ستشمل السعودية وقطر والإمارات، إلى جانب الاتصالات التركية مع واشنطن بخصوص سورية، وتأييد ترامب المعلن لدور أنقرة في هذا البلد، قد يمثل كل ذلك بداية تغيير في علاقة الإدارة الأميركية ودمشق وتعاطي واشنطن مع الملف السوري.
وكان ترامب قد أجرى اتصالاً مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، في الخامس من مايو/أيار الحالي،
مشيراً إلى أنه تناول موضوعات منها الحرب في أوكرانيا والملف السوري والأوضاع في قطاع غزة. وأضاف ترامب أن أردوغان سيزور واشنطن وأن الأخير دعاه أيضاً إلى زيارة تركيا.
من جهتها، ذكرت الرئاسة التركية أن أردوغان قال لترامب إن أنقرة تعمل على المساعدة في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وحث ترامب على النظر في تخفيف العقوبات عن دمشق.
في هذا الصدد، قال المحلل السياسي غازي دحمان إن "مباحثات ترامب، خصوصاً في الرياض والدوحة، لا بد أن تتطرق إلى الملف السوري، حيث سيسعى المسؤولون في هذين البلدين إلى إقناع الرئيس الأميركي بتبني مقاربة جديدة مع الحكم الجديد في سورية، يقفز من خلالها عن المبالغات الإسرائيلية بشأن سورية،
وعن الانطباعات الخاطئة لبعض أركان إدارته بهذا الخصوص، المستمدة أساساً من معطيات إسرائيلية".
واعتبر دحمان أن ترامب الذي يغلب لغة المصالح، ويميل إلى عقد الصفقات، هو أيضاً رجل المفاجآت، ولا يتقيد بالضرورة بالرغبات الإسرائيلية، خصوصاً في ظل وجود قدر من عدم الثقة بينه وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مستشهداً باتفاق التهدئة الذي توصلت إليه واشنطن مع الحوثيين في اليمن، خلافاً لرغبة إسرائيل.