Logo

تهديد صريح.. ترامب يفتح باب مواجهة إيران وتجاوز الخطوط الحمراء

الرأي الثالث - وكالات

 بات الموقف الأمريكي أكثر حدة وانحيازاً للجانب الإسرائيلي في حربه على إيران، بعد أن سيطر الحذر عليه في الأيام الأولى من المواجهة، حيث أخذت التهديدات تمس خطوطاً حمراء مثل المرشد الأعلى والمواقع النووية.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفي تصريحات مباشرة وقوية (الثلاثاء 17 يونيو)، أكد أن بلاده تملك "سيطرة كاملة ومطلقة" على الأجواء الإيرانية، كاشفاً أن المرشد الأعلى في إيران علي خامئني "هدف سهل".

كما أوضح، في منشور على منصته "تروث سوشال"، أن "إيران تمتلك أجهزة تتبع ومعدات دفاعية، لكنها لا تُقارن بالتكنولوجيا الأمريكية المتفوقة"، مضيفاً: "نعرف تماماً أين يختبئ المرشد (علي خامنئي)، لكنه ليس هدفنا حالياً".

وفي نبرة تحمل تهديداً أضاف الرئيس الأمريكي: "صبرنا ينفد، لكننا لا نريد استهداف الجنود على الأرض"، في إشارة إلى تجنّب التصعيد المباشر ضد القوات الإيرانية.

تهديدات ترامب

ترامب كان قد خرج قبل ذلك بتصريح أثار جدلاً أثناء عودته من كندا قاطعاً مشاركته في قمة مجموعة السبع، دعا فيه إيران إلى العودة للمفاوضات وتوقيع اتفاق، لكنه ختم تصريحه على منصة "تروث سوشال" بدعوة "سكان طهران إلى إخلائها".

وبظل استمرار الحرب بين طهران وتل أبيب، تبدو واشنطن ملزمة باتخاذ موقف قد يتجاوز السياسي إلى العسكري، وسط تحركات مكثفة واستنفار للقوات الأمريكية في المنطقة.

وبدا ترامب غاضباً كما يبدو من مسار الحرب، وهذا ما يفسر لغته الحادة في أحدث منشوراته، والذي دعا فيه إلى إخلاء طهران، محملاً الحكومة الإيرانية المسؤولية.

وقال على منصة "تروث سوشال": "كان ينبغي على إيران توقيع الاتفاق الذي طلبت منهم التوقيع عليه، يا له من عار! يا له من إهدار للأرواح البشرية! ببساطة، لا يمكن لإيران امتلاك سلاح نووي، لقد كررت ذلك مراراً وتكراراً"، مختتماً بالقول: "يجب إخلاء طهران فوراً".

وتعليقاً على هذا الحديث، نقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤول في البيت الأبيض قوله، إن منشور ترامب يعكس الإلحاح بشأن ضرورة جلوس إيران على طاولة المفاوضات في ظل استمرار تصعيدها مع "إسرائيل".

بالتزامن مع ذلك نقلت شبكة "فوكس نيوز" عن مصادر أمريكية أن ترامب طلب من مجلس الأمن القومي الاستعداد بغرفة عمليات، 

فيما أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن الرئيس الأمريكي أوعز لمساعديه بمحاولة ترتيب لقاء مع مسؤولين إيرانيين خلال هذا الأسبوع لبحث إمكانية وقف التصعيد والتوصل لاتفاق جديد.
 
تدمير "فوردو"

نائب الرئيس الأمريكي، جاي دي فانس، قال قبيل تصريحات ترامب التي تهدد طهران إن ترامب قد يرى حاجة إلى اتخاذ "إجراء إضافي" ضد البرنامج النووي الإيراني، وهو ما يرفع التكهّنات بشأن احتمال تدخّل واشنطن في المواجهة إلى جانب حليفتها "إسرائيل".

وكتب فانس على منصة "إكس": "إنّ الرئيس أظهر انضباطاً ملحوظاً في إبقاء تركيز جيشنا منصبّاً على حماية قواتنا وحماية مواطنينا، لكنه قد يقرّر اتخاذ إجراء إضافي لإنهاء التخصيب الإيراني".
 
ويبدو أن السر وراء هذا الموقف الأمريكي المتقدم هو مساعي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لإقناع ترامب بالتدخل في الحرب من أجل قصف مفاعل ومنشأة "فوردو" النووية المبنية في عمق جبل جنوبي إيران، وفق موقع "أكسيوس" الأمريكي.

فرغم النجاح العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي الملحوظ في القضاء على الصف الأول من القادة العسكريين والعلماء النوويين، فإن تل أبيب لا تملك، وفق ما قال مسؤولون أمريكيون لـ"أكسيوس"، القنابل والمعدات اللازمة لتدمير "فوردو" التي يعتقد أنها تشكل الثقل الحقيقي للبرنامج النووي الإيراني.

كما لم يستبعد وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في مقابلة مع شبكة "CNN"، أن تحتاج بلاده إلى دعم أمريكي مباشر لاستهداف منشأة "فوردو" المحصّنة، مؤكداً أن قدرات بلاده العسكرية لا تتضمن القاذفات الاستراتيجية الثقيلة مثل "بي-52" أو القنابل الخارقة للتحصينات التي تمتلكها أمريكا فقط.

تحركات أمريكية

وكان وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث أمر (الأحد 15 يونيو) بإرسال حاملة الطائرات "نيميتز" ومجموعتها الضاربة إلى المنطقة لتعزيز الانتشار الدفاعي وحماية القوات الأمريكية.

والثلاثاء 17 يونيو، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) نقل المزيد من الطائرات المقاتلة إلى الشرق الأوسط، فيما تتمركز قاذفات "B52" الاستراتيجية حالياً في جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي.

كما تشهد واشنطن في المقابل نقاشاً سياسياً محتدماً بشأن الانخراط في أي مواجهة مع إيران، إذ قدم 8 أعضاء في مجلس الشيوخ مشروع قانون يمنع الإدارة الأمريكية من الدخول في حرب دون موافقة الكونغرس.

وأعلن السيناتور بيرني ساندرز (الاثنين 16 يونيو) تقديم تشريع عاجل "لمنع ترامب من جر البلاد إلى حرب غير شرعية"، في حين أكد النائب الجمهوري، توماس ماسي، أنه سيقترح قراراً بدعم الحزبين لمنع الانخراط في الحرب بين "إسرائيل" وإيران.

تصريحات ترامب في الميزان

وفي هذا السياق بوضح أسامة أبو رشيد، المحلل المتخصص بالشأن الأمريكي، سر ارتفاع حدة تصريحات ترامب قائلاً:

- تأتي في سياق ممارسة مزيد من الابتزاز على إيران، ويرتكز هذا على القناعة الإسرائيلية – الأمريكية بأن طهران أُضعفت إلى حد بعيد نتيجة الضربات الإسرائيلية، وهي اليوم في موقع ضعف نسبي.

- يبدو أن ترامب يراها فرصة لتدمير برنامجها النووي، لا سيما إذا انضمت الولايات المتحدة إلى الجهود الحربية واستهدفت منشأة "فوردو" تحت الجبال.

- وفق ما يتبناه نتنياهو وبعض أركان إدارة ترامب، إذا تم تدمير "فوردو" فلن يكون هناك أي داعٍ للمفاوضات، لأن البرنامج النووي الإيراني سيكون قد فني على بكرة أبيه.

-  قد يكون التصريح بوابة واضحة لدخول أمريكي مباشر في الحرب، ففي اليوم الأول لانطلاق العدوان الإسرائيلي على إيران قال ترامب: "أعطيتهم ستين يوماً"، واليوم هو اليوم الواحد والستون.

- قد يرى البعض في هذا التاريخ إشارة جديدة إلى أن الولايات المتحدة جاهزة للتورط العسكري إذا لم تبادر طهران إلى تفكيك برنامجها النووي.

- رداً على ذلك، صرح البيت الأبيض بأن الرئيس لا يريد حرباً، إلا أن هذا النفي يتناقض عملياً مع التعزيز المستمر لقدرات القوات الأمريكية في المنطقة.
 
- من الصعب استيعاب ما يريده ترامب فعلاً في هذا السياق، إذ لا يُعرف عنه تنظيم أفكاره وفق رؤية استراتيجية بعيدة المدى.

- مع ذلك، لا يمكن إنكار أن الظروف مهيأة أكثر من أي وقت مضى لدخول واشنطن في مواجهة مباشرة، أو على الأقل لممارسة ابتزاز عسكري مستمر ضد طهران.

- فيما يتعلق بتقييم الموقف الأمريكي، من الواضح أن الولايات المتحدة أصبحت طرفاً مباشراً في هذا العدوان.

- سبق أن اعترف ترامب بمعرفته بموعد هذا الهجوم، وقال: "قدمنا لإسرائيل أكثر الأسلحة فتكاً في العالم، وهي تعرف كيف تستخدمها، وهناك المزيد في الطريق".

- رغم ادعاء واشنطن أن دورها يقتصر على الدعم الدفاعي لـ"إسرائيل"، فإن المشاركة في تبادل المعلومات الاستخباراتية يُعد فعلاً هجومياً بامتياز لا دفاعياً.

- إضعاف القدرات الصاروخية الإيرانية وتعديل ميزان القوى لمصلحة "إسرائيل" عبر المعلومات الأمريكية يعني دعماً هجومياً فعلياً، حتى لو سُمّي دفاعياً.

- فيما يخص العودة إلى طاولة المفاوضات النووية، تتطابق إيران والولايات المتحدة شكلياً في الرغبة بالاستئناف، لكن مع فروقات جوهرية في الشروط.

- واشنطن تريد عودة طهران إلى المفاوضات تحت وطأة إطلاق النار والضغط العسكري المستمر، في حين ترفض إيران أي حوار قبل تحقيق وقف كامل لإطلاق النار.

- يبدو اليوم أن موقف طهران أضعف من جراء الاستهداف والتهديدات الأمريكية، وقد يضطر صانعو القرار الإيرانيون لتقديم تنازلات جوهرية، إن كانوا مصممين على الحفاظ على ما تبقى من برنامجهم النووي.

- حين انتُخب ترامب للمرة الثانية، تعهد بأنه لن يكون رئيساً يشرف على مزيد من الحروب في المنطقة، وأنه لا يريد أن يورط الولايات المتحدة في حروب لا نهاية لها.

- لكن اليوم نشهد انخراطه الفعلي في إشعال الصراعات، خاصة بعد اعتماده المقاربة الإسرائيلية لتغيير خريطة الشرق الأوسط.

- يعتقد ترامب والإسرائيليون أن هذه فرصة تاريخية لإعادة صياغة المشرق العربي، وتقويض أي نفوذ معادٍ للسلام الذي يصوغونه اليوم.

- حول مدى نجاح هذه المقاربة، فهو لا يزال رهن قدرة الأطراف على الاستمرار في الضغوط، أو قدرة إيران على الصمود، وما ستحمله الأيام المقبلة من مفاجآتٍ قد تغيّر بوصلة الصراع.