Logo

هكذا حوّلت إسرائيل حرب غزة إلى "اقتصاد إبادة" ربحي

الرأي الثالث - وكالات

يقف قطاع غزة الفلسطيني الأبيّ أكبر مثال حي على كيف يمكن لحرب أن تتحوّل إلى مشروع تجاري مربح تحت غطاء "أمن قومي" أو "حق الدفاع عن النفس". 

فمنذ بدء العدوان على القطاع، بدأت مؤشرات البورصة بالارتفاع، والعقود التقنية تتضاعف، وشركات السلاح والتكنولوجيا تحصد أرباحاً غير مسبوقة. ما بدا كجحيم إنساني على الأرض،

 اتضح لاحقاً أنه كان، في عيون بعض الشركات والمستثمرين، فرصة ذهبية لتعظيم المكاسب.

وفي هذا السياق، أتى تقرير أممي ليفتح الستار على صورة قاتمة: آلة إبادة جماعية تعمل بدقة، وتُغذّى بشبكات تمويل دولية، وشركات تقنية وسلاح، وبنوك واستثمارات، كلها تشارك في تحويل المأساة إلى ربح. 

التقرير الذي حمل عنوان "من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة"، أعدّته المقررة الأممية الخاصة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيزي، وقدمته لمجلس حقوق الإنسان في دورته الـ59 لعام 2025.

وبناء على قاعدة بيانات جمعت أكثر من 200 بلاغ موثق، كشف التقرير أن أكثر من 1000 شركة عالمية متورطة في دعم الاحتلال والاستيطان، بل وفي تمكين آلة الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وخاصة في غزة. 

وتوضح ألبانيزي أن هذه الشركات لم تكتفِ بالدعم غير المباشر، بل أصبحت جزءاً من بنية الاحتلال الاقتصادية والعسكرية، عبر التمويل، والتكنولوجيا، والتسويق، وحتى التغطية الأكاديمية والإعلامية.
 
التقرير الصادر في 39 صفحة يرصد بدقة كيف انتقل الاقتصاد الإسرائيلي من مرحلة "اقتصاد الاحتلال" التقليدي إلى نموذج استعماري رأسمالي عنصري، حيث تُحوّل الحرب إلى مصدر دخل، ويُصبح التهجير والتدمير أدوات استثمارية مربحة، 

كما وصفته ألبانيزي. وتؤكد المقررة الأممية أن شركات يفترض أنها محايدة -من بينها مؤسسات أكاديمية ومصارف دولية- أصبحت فاعلاً مركزياً في مشروع الإبادة الجماعية، ما يستوجب محاسبة دولية ومساءلة قانونية.

عمالقة التكنولوجيا.. شركاء في حرب غزة

أما أحد أبرز المحاور في التقرير فهو دور شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل: غوغل (ألفابت)، وأمازون، ومايكروسوفت، وبالانتير، و"أي بي إم" (IBM)، و"أتش بي" (HP)، و"إن إس أو" (NSO). 

فهذه الشركات زوّدت إسرائيل بأنظمة ذكاء اصطناعي، وحوسبة سحابية، وأدوات مراقبة متقدمة، ساهمت في إدارة الهجمات على غزة، وتحديد الأهداف بدقة عالية، بما في ذلك استهداف المدنيين. 

كما كشف التقرير عن عقد "نيمبوس" الذي أبرمته "غوغل" و"أمازون" مع الحكومة الإسرائيلية عام 2021، بقيمة 1.2 مليار دولار، والذي وفر بنية تحتية رقمية متقدمة، جرى الاعتماد عليها بشكل واسع بعد تعطل الشبكة العسكرية في أكتوبر 2023.
 
ولم تكن شركات التكنولوجيا وحدها في قلب "اقتصاد الإبادة"، بل حققت شركات الأسلحة مكاسب ضخمة جراء الحرب. 

شركتا إلبيت سيستمز وصناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI) شهدتا ارتفاعاً في أرباحهما بنسبة كبيرة، مدفوعة بزيادة الإنفاق العسكري الإسرائيلي بنسبة 65% ليصل إلى 46.5 مليار دولار عام 2024. 

كما استفادت شركات أسلحة دولية مثل لوكهيد مارتن، وليوناردو الإيطالية، وهيونداي للصناعات الثقيلة، وكاتربيلر الأميركية، من الطلب المتزايد على الأسلحة والمعدات، وخاصة بعد الاستخدام الكثيف لمقاتلات "إف-35" خلال عدوان 2025، حيث جرى إسقاط 85 ألف طن من القنابل على غزة، خلفت أكثر من 179 ألف قتيل وجريح.
 
دعم مالي من "وول ستريت" للعدوان على غزة

وكانت لافتة إشارة التقرير إلى دور المؤسسات المالية العالمية في تمويل اقتصاد الحرب الإسرائيلي. فعلى الرغم من المجازر، زادت استثمارات صندوق الثروة السيادي النرويجي في الشركات الإسرائيلية بنسبة 32%، لتصل إلى 1.9 مليار دولار. 

كما لجأت إسرائيل إلى طرح سندات حكومية بقيمة 13 مليار دولار بعد أكتوبر 2023، شاركت في تمويلها بنوك كبرى مثل باركليز وBNP باريبا. 

واشترت شركات إدارة أصول مثل بلاك روك وفانغارد وأليانز هذه السندات بمئات الملايين من الدولارات، مما ساهم في ارتفاع قياسي لأسعار الأسهم في بورصة تل أبيب، وتحقيق مكاسب تجاوزت 157 مليار دولار.

كذلك سلط تقرير ألبانيزي على دور شركات الجرافات والمعدات الثقيلة، مثل كاتربيلر، التي زوّدت الاحتلال بجرافات عسكرية من طراز "D9" استخدمت في تدمير المستشفيات، ودفن الجرحى أحياء، وفق شهادات موثقة. 

كما شاركت فولفو السويدية وهيونداي الكورية في تزويد الاحتلال بمعدات ثقيلة ساعدت في تدمير أكثر من 70% من مباني غزة، و95% من أراضيها الزراعية. وحتى المياه لم تسلم من الربح والاستغلال. 

فقد أشار التقرير إلى أن إسرائيل تحتكر موارد المياه وتبيعها للفلسطينيين بأسعار باهظة، عبر شركة "ميكوروت"، رغم أن 97% من المياه الجوفية في غزة غير صالحة للشرب، نتيجة تدمير البنية التحتية خلال العدوان.

 واعتُبر هذا الاستخدام المنهجي للمياه سلاحاً من أسلحة الإبادة الجماعية.

غزة بلا وقود.. الجرحى في خطر والنظام الصحي على شفا الانهيار

وفي السياق يواجه القطاع الصحي في غزة انهياراً وشيكاً بسبب نفاد الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات والمرافق الطبية الحيوية، في ظل الحصار المتواصل والعدوان المستمر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.

ومع قرب نفاد الوقود، باتت حياة آلاف الجرحى والمرضى مهددة بشكل مباشر، وسط تدهور غير مسبوق في البيئة الصحية والخدمات الأساسية.

يعتمد تشغيل المستشفيات في غزة على الوقود لتوليد الكهرباء بعد تدمير أو تعطيل خطوط الطاقة الرئيسية في قطاع غزة من قبل الاحتلال.

ومع توقف إدخال الوقود منذ شهور، اضطرت عشرات المستشفيات والمراكز الصحية إلى تقليص خدماتها تدريجياً، حتى توقفت بعضها عن العمل كلياً.

وتشير وزارة الصحة الفلسطينية في غزة إلى أن أكثر من 70% من المرافق الطبية أصبحت خارج الخدمة، إما جزئياً أو كلياً.