"قسد" ودمشق... لا نتائج لجولة التفاوض الأخيرة
الرأي الثالث - وكالات
تشير المعطيات المتوافرة إلى أن جلسة التفاوض التي جرت أول من أمس الأربعاء في دمشق بين وفد من "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، والحكومة السورية، لم تتمخض عن نتائج يمكن التأسيس عليها لعقد جولات لاحقة، فالتباين لا يزال شديداً بين الطرفين،
فهذه القوات تبدو متمسكة بمطالب "غير ممكنة التطبيق"، ما دفع المبعوث الأميركي إلى سورية توم برّاك إلى إطلاق تصريحات تحذيرية.
وبحسب مصادر مواكبة ومطلعة على سير جلسة التفاوض بين "قسد" ودمشق، التي جرت بدفع ورعاية أميركيين وفرنسيين، كانت هي الجولة الرابعة بين الطرفين للبحث في آليات تنفيذ اتفاق مارس/آذار الماضي، الذي نص على دمج هذه القوات، ذات الطابع الكردي، في منظومة البلاد العسكرية.
وبيّنت المصادر، أن رئيسة وفد "قسد" فوزة يوسف، والتي تصنّف ضمن خانة "الصقور" في الجانب الكردي، لم تكن تدفع باتجاه إنجاح عملية التفاوض، بل سعت إلى إفشالها.
وتابعت: "الوفد الحكومي طالب بتفعيل دور اللجان الفرعية للبدء بعملية دمج القوات، واستلام الحكومة ملفات خدمية ومدنية في شمال شرقي سورية،
إلا أن فوزة يوسف طرحت مواضيع خارج إطار اتفاق مارس (الماضي)، من قبيل المطالبة بتعديل الإعلان الدستوري، وبقاء المناطق الخاضعة إلى "قسد" تحت سلطة "الإدارة الذاتية"، ودخول "قسد" كتلة واحدة في هيكلية الجيش السوري.
وقالت المصادر إن الوفد الحكومي، الذي ضم ممثلين من مختلف الجهات في الدولة، رفض هذه المطالب جملة وتفصيلاً وأصر على تنفيذ مضامين اتفاق مارس، ما أدى إلى فشل الجلسة.
وقالت المصادر إن تصريحات يوسف الصحافية، والتي وصفت الاجتماع بـ"الإيجابي"، "لا تعكس الحقيقة"، مشيرة إلى أنها "تصريحات إعلامية لا أكثر".
ملفات متعددة طُرحت بين "قسد" ودمشق
من جهته، أوضح عبد الوهاب خليل، وهو عضو المجلس العام لمجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، الجناح السياسي لـ"قسد"، أن ملفات متعددة طُرحت في جلسة التفاوض "منها شكل الدولة وعلاقة الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية بالإضافة إلى أجندات اقتصادية وأمنية".
وتابع: "لعل أهم نقطة كان حولها تباين في وجهات النظر بين الطرفين هي كيفية دمج "قسد" في الحكومة السورية وكيف يكون شكل هذا الدمج".
وأشار إلى أن الولايات المتحدة وتركيا تدفعان باتجاه التسريع في تطبيق الجانب العسكري في الاتفاق،
بينما تبحث "قسد" عن خطوات جادة تشمل الاعتراف بالإدارة الذاتية ومؤسساتها ودمجها بطريقة تتيح لسكان شمال شرق سورية دوراً في إدارة مناطقهم بشكل مرن وعادل، مع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
والمعطيات المتوافرة والمتقاطعة من أكثر من مصدر، في دمشق سواء من الجانب الحكومي أو الكردي، تؤكد أن الفارق لا يزال شاسعاً بين الطرفين،
فـ"قسد" ليست في وارد حل نفسها وتسليم المناطق التي تخضع لها في شمال شرقي سورية إلى الحكومة، إلا وفق شروط ترى دمشق أنها "غير واقعية"، و"غير ممكنة التطبيق"، لأنها تفتح الباب أمام تقسيم البلاد على أسس طائفية وعرقية.
وفي مؤشر واضح على فشل جولة التفاوض والتي جرت في قصر تشرين، حمّل برّاك، والذي واكب الجولة عن كثب، "قسد" مسؤولية عدم تطبيق اتفاق العاشر من مارس الماضي الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع مع قائد هذه القوات مظلوم عبدي.
واتهم المسؤول الأميركي في تصريحات صحافية "قسد" بـ"البطء" في "الاستجابة والتفاوض والمضي قدماً في هذا المسار"،
مشيراً إلى أن الفيدرالية "غير ممكنة في سورية"، مضيفاً: "هناك طريق واحد فقط لا غير أمام قوات سوريا الديمقراطية، وهو الذي يؤدي إلى دمشق".
وطالب برّاك، الذي التقى الشرع الأربعاء الماضي في دمشق، "قسد" بأن "تتقبل حقيقة سورية بأنها وطن واحد وجيش واحد وشعب سوري واحد بشكل أسرع، وهناك محادثات بخصوص تحقيق ذلك"،
داعياً إلى أن "تتم بسرعة أكثر وبرغبة أكبر ويجب التمتع بمرونة أمامها".
تحذيرات واضحة إلى "قسد"
وتحمل تصريحات المسؤول الأميركي تحذيرات واضحة لـ"قسد" من مغبة التعنت والتشدد في المفاوضات، واللذين يؤديان ربما في النهاية إلى رفع الغطاء الأميركي عنها وتركها لمصيرها.
وكان من المقرر عقد اجتماع ثلاثي في دمشق يجمع الشرع وبرّاك وقائد "قسد" مظلوم عبدي، عقب جولة التفاوض. لكن الاجتماع لم يعقد، في مؤشر آخر على تعثّر العملية التفاوضية، وعدم قبول الحكومة أي شروط أو طلبات من وفد "قسد" المفاوض خارج سياق اتفاق مارس الماضي.
من جانبها، كررت الحكومة السورية في بيان، الأربعاء الماضي، تمسكها بمبدأ "سورية واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة"، ورفضها رفضاً قاطعاً أي شكل من أشكال التقسيم أو الفدرلة "التي تتعارض مع سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة ترابها".
ورحبت بانضمام المقاتلين السوريين من "قسد" إلى الجيش السوري "ضمن الأطر الدستورية والقانونية المعتمدة"، محذرة من أن "أي تأخير في تنفيذ الاتفاقات الموقعة لا يخدم المصلحة الوطنية، بل يعقّد المشهد".
وطالبت بـ"عودة مؤسسات الدولة الرسمية إلى شمال شرق البلاد"، محذرة من الرهان على المشاريع الانفصالية أو الأجندات الخارجية"،
مؤكدة أن "المكوّن الكردي كان ولا يزال جزءا أصيلا من النسيج السوري المتنوع"، وأن "حقوق جميع السوريين، بمختلف انتماءاتهم، تُصان وتُحترم ضمن مؤسسات الدولة، وليس خارجها".
وأعرب الباحث المواكب للمشهد في شمال شرقي سورية سامر الأحمد، عن اعتقاده بأن الصدام العسكري مع "قسد" غير مطروح حالياً،
مضيفاً: "أعتقد أن الضغط سيزداد على هذه القوات التي تريد كسب المزيد من الوقت لاستمرار الحصول على أموال من عائدات النفط والمعابر والضرائب".
وتابع: "أدوات وأوراق الحكومة اليوم أكثر أهمية، ولا سيما في ظل الضغط الشعبي المطالب بحسم مصير "قسد" واستعادة الدولة للسيادة على الشمال الشرقي من البلاد".
ولا يستبعد الأحمد، المنحدر من محافظة الحسكة، المزيد من الضغط الأميركي على "قسد" يتمثل بسحب قوات جديدة من القواعد في شمال شرقي سورية، كي ترجع هذه القوات إلى طاولة التفاوض،
مشيراً إلى أنها "تطالب بتعديل اتفاق مارس والإعلان الدستوري"، مضيفاً: "المعلومات القادمة من دمشق تشير إلى أن "قسد" ستكون مضطرة للعودة للتفاوض خلال أسبوعين على الأكثر".
وفي السياق، رأى مدير مركز الشرق نيوز، فراس علاوي، أن الحسم العسكري "هو الخيار الأخير أمام الحكومة لحسم مسألة قسد"،
معربا عن قناعته بأن هذه القوات تدفع باتجاه الصدام لـ"الظهور بمظهر الضحية والجانب المُعتدى عليه والمُستهدف"، مستدركاً: "لكن إذا لم تنجح المساعي التفاوضية، فستضطر الحكومة للجوء إلى حل هذا الملف عسكرياً".
وفي الشمال الشرقي من سورية، وتحديداً في منطقة القامشلي التي تضم العدد الأكبر من أكراد سورية، يتابع الشارع بـ "قلق" سير التفاوض مع الحكومة في دمشق.
وبحسب مصطفى فريد، انخفض سقف الآمال بالتوصل لاتفاق بين "قسد" ودمشق، مع تعثر المفاوضات،
مشيراً، إلى أن الشارع الكردي "مع الدولة السورية بكل مؤسساتها"، مطالباً بمنح الأكراد حقوقاً ثقافية وإدارية خصوصاً في المناطق التي يشكلون أكثرية سكانها.
من جهته، أبدى حسين ش. خشيته من انزلاق الأوضاع إلى صدام عسكري، مشيراً إلى أن المدنيين "هم دائماً وقود أي حرب"،
مضيفاً: "يجب أن تنتهي الحروب في سورية وأن يتجه الجميع إلى طاولات التفاوض والتفاهم حول مستقبل البلاد. نريد دولة مواطنة كاملة لا تفرق بين أبنائها".
محمد أمين
سلام حسن