Logo

"إسرائيل" تقتل الفلسطينيين جوعاً.. أطفال يحتضرون بصمت في غزة

الرأي الثالث - وكالات

 في واحدة من أحلك المراحل التي تمر بها غزة، تتصاعد المجاعة كوحش يفتك بسكان القطاع بلا رحمة، في ظل تشديد دولة الاحتلال الإسرائيلي لحصارها منذ مارس الماضي، ومنعها لدخول المساعدات الغذائية.

مشاهد الفلسطينيين وهم يتوافدون بأعداد غير مسبوقة إلى أقسام الطوارئ في المستشفيات، كما وصفتها وزارة الصحة الفلسطينية، ترسم صورة كارثية لأوضاع إنسانية متدهورة لا تحتمل مزيداً من الصمت.

وأعلنت وزارة الصحة في غزة وفاة 18 شخصاً بسبب الجوع في القطاع خلال 24 ساعة.

المئات من الفلسطينيين من مختلف الأعمار وصلوا إلى المستشفيات في حالات من "الإجهاد والإعياء الشديدين"، في مشهد يعكس انعدام الأمن الغذائي بالكامل.

وقالت الوزارة في بيان عاجل إن أجساد الناس بدأت تنهار بفعل الجوع، وإن من نحلت أجسادهم أصبحوا مهددين بـ"الموت المحتم".

وفي شوارع غزة لا ترى سوى وجوه شاحبة وأعين غائرة وأطفال بلا طعام سوى ما تيسر من الماء وبعض الطحينية، بينما يتوسل الأهالي رغيف خبز أو كوب حليب لأطفالهم.
 
كاتب هذا التقرير كذلك هو صحفي جائع ومصاب بسوء تغذية هو وأطفاله، ولم يترك أي نوع من الطعام إلا وقد حاول الوصول اليه لسد جوع أفراد أسرته.

المشهد لا يقتصر على العوز، بل يشمل الذل والخذلان، إذ بات الفلسطينيون في غزة يعيشون على حافة الانهيار الجسدي والنفسي، وسط تقاعس دولي مطبق، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي في إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية.

وتتحول المجاعة في غزة من أزمة إنسانية إلى جريمة موثقة، تحاك أمام أعين العالم، في ظل صمت الأمم وتواطؤ الأنظمة، بينما يموت الناس جوعاً لا لشيء إلا لأنهم فلسطينيون يعيشون تحت الحصار.

جريمة متكاملة

رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، صلاح عبد العاطي، أكد أن الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جريمة إبادة جماعية متكاملة في غزة، والمجتمع الدولي شريك في الجريمة.

وأوضح عبد العاطي،  أن العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، والذي يدخل شهره الثاني والعشرين، بالتزامن مع الحصار الخانق منذ أكثر من خمسة أشهر ومنع دخول المساعدات الإنسانية، قد تسبب في تحويل المجاعة إلى واقع مرعب وممنهج.

وقال إن "(إسرائيل) تستخدم سلاح التجويع كوسيلة لإبادة جماعية ضد أكثر من مليوني إنسان، في ظل عجز دولي فاضح يرقى إلى مستوى الشراكة في الجريمة".

وبين أن عدد شهداء المجاعة من المدنيين الذين استهدفوا أثناء انتظار المساعدات الإنسانية ارتفع إلى نحو 1000 شهيد وأكثر من 6000 جريح، منذ بدء عمل ما أسماها "مؤسسة غزة الإنسانية الأمريكية-الإسرائيلية الإجرامية" في 27 مايو 2025، فضلاً عن فقدان نحو 70 مواطناً.

وشدد على ضرورة تدخل المجتمع الدولي العاجل لوقف عمل هذه الشركة، ومحاسبة القائمين عليها، وضمان استئناف عمل المنظمات الإنسانية الدولية، وعلى رأسها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، لتوزيع المساعدات وضمان وصولها إلى مستحقيها ووقف المجاعة المتفاقمة.
 
وقال عبد العاطي إن "غزة تحتضر"، وإن القطاع يتجه نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة.

وأوضح أن التقارير الأممية والميدانية والصحية تؤكد دخول سكان غزة المرحلة الخامسة من مؤشر المجاعة، وهي أخطر المراحل، حيث لا طعام، ولا ماء، ولا مقومات للبقاء على قيد الحياة.

وشدد على أن هذه المرحلة تعني أن الناس يموتون جوعاً بالفعل، وأن "إسرائيل" ترتكب أوسع جريمة قتل جماعي بالتجويع في العصر الحديث.

وأكد عبد العاطي أن الأرقام المتوفرة لدى "حشد" استناداً إلى تقارير المنظمات الدولية ووزارة الصحة، تشير إلى أن 100% من سكان قطاع غزة، أي نحو 2.3 مليون نسمة، يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي، فيما يواجه أكثر من 1.1 مليون شخص خطر المجاعة الكارثية (IPC المستوى الخامس).

وأضاف أن المجاعة تسببت حتى الآن في وفاة 73 طفلاً بسبب سوء التغذية الحاد، واستشهاد 620 مدنياً على الأقل نتيجة الجوع ونقص الرعاية الطبية، إلى جانب تسجيل وفيات متعددة في مراكز النزوح. 

كما أشار إلى وفاة عشرات الرضّع بسبب فقدان الحليب والماء، موضحاً أن أكثر من 5800 طفل يعانون من سوء تغذية حاد ويواجهون خطر الموت في أي لحظة.

كما قال إن وكالة الأونروا أكدت أن واحداً من كل عشرة أطفال ممن تم فحصهم (من أصل 242,000 طفل) يعاني من سوء تغذية، في حين أن أكثر من 600,000 طفل في غزة في دائرة الخطر الجسيم.

وبيّن أن برنامج الغذاء العالمي أوضح أن شخصاً من كل ثلاثة في غزة لا يتناول الطعام لأيام متتالية.

وقال إن الأوضاع المعيشية بلغت مستويات غير مسبوقة، حيث بلغ سعر كيلو الدقيق في السوق السوداء نحو 70 دولاراً بسبب الحصار الإسرائيلي ومنع التوريد، فيما تم تدمير 92% من الأراضي الزراعية و1218 بئراً للمياه نتيجة القصف المتواصل.

وحذر عبد العاطي من انهيار شبه كامل للنظام الصحي، موضحاً أن 90% من المعدات الطبية باتت غير صالحة للاستخدام، وأن معظم المستشفيات قد توقفت عن العمل، ما يفاقم من خطورة الأوضاع الصحية والإنسانية.

وفي ختام تصريحه، دعا عبد العاطي إلى تحرك دولي فوري وفاعل، لوقف الجرائم الإسرائيلية المتواصلة، وفرض إجراءات محاسبة ومساءلة، والعمل الجاد على فتح ممرات إنسانية آمنة تضمن وصول الغذاء والدواء للمواطنين المحاصرين في قطاع غزة.

غزة - محمد أبو رزق