زيارة برّاك الثالثة إلى بيروت: محاولات أخيرة للحل والاحتمالات مفتوحة
الرأي الثالث - وكالات
حملت الزيارة الثالثة للموفد الأميركي توماس برّاك إلى لبنان رسائل أكثر شدّة ووضوحاً، إذ ركّز على وضع حزب الله في خانة "المنظمة الإرهابية الأجنبية"، وعلى مسؤولية السلطات اللبنانية عن سحب سلاحه،
معلناً صراحةً أن "أميركا لا يمكنها إرغام إسرائيل على فعل شيء"، ومقرّاً أيضاً بأنّ اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لم ينجح.
وفتحت إشارة برّاك إلى عدم وجود ضمانات للجم الاعتداءات الإسرائيلية الباب أمام الكثير من التساؤلات حول ما إذا كان حديثه قطعاً للطريق أمام المطلب اللبناني المصرّ على هذه النقطة في إطار المقترح الأميركي والملاحظات اللبنانية عليه،
وخصوصاً أنه تزامن مع انتشار معلومات تفيد بأن رئيس البرلمان نبيه بري سيطرح خلال لقائه الموفد الأميركي، اليوم الثلاثاء، مقترحاً لوقف الخروقات كافة لمدة 15 يوماً على أن يتحرّك خلال هذه الفترة على خط حزب الله.
ويتمسّك لبنان بضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية وانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس التي تحتلها وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين لديها وبدء مسار إعادة الإعمار مقابل الالتزام بالمطالب الأميركية ولا سيما منها على صعيد حصر السلاح بيد الدولة،
في حين لوّح برّاك بترك لبنان لمصيره وحل أموره بنفسه في حال لم تقم الحكومة بخطوات عملانية جدية وسريعة، وإن بدا الموفد "متساهلاً" بقوله إن لا عقوبات ستفرض حالياً على المسؤولين اللبنانيين.
وقالت مصادر لبنانية رسمية إن "برّاك يريد خطوات عملية وسريعة من جانب لبنان في ما يخصّ سحب سلاح حزب الله، أي وضع جدول زمني وآليات واضحة للتطبيق بدءاً بالأسلحة الثقيلة في الجنوب وشمال الليطاني، فبيروت وضاحيتها ومن ثم البقاع، على أن تكون الخطوات متبادلة، أي كل خطوة تقابلها خطوة،
في حين يتمسك لبنان بوقف الاعتداءات بشكل كامل والانسحاب من النقاط الخمس حتى يتمكن الجيش اللبناني من استكمال انتشاره والقيام بمهامه".
وأضافت المصادر أن "لبنان أكد التزامه بقسم الرئيس جوزاف عون والبيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام،
وشدد على أنه لا يمكن السير باتفاق جديد بلا ضمانات في ظل الخروقات الإسرائيلية اليومية لاتفاق نوفمبر، والمستمرة على وقع زيارة برّاك، مع ضرورة تفعيل عمل اللجنة المكلفة بمراقبة وقف العمليات العدائية وذلك بعدما عجزت حتى اليوم عن أداء دورها".
وأشارت المصادر إلى أنه "حتى الساعة لم تحمل زيارة برّاك أي تقدّم، وهناك انتظار لما ستحمله الساعات المقبلة"،
لافتة إلى أن "المشاورات قائمة، وهناك تمسّك لبناني بضرورة تجنيب لبنان أي حرب، لكن كل الاحتمالات تبقى مفتوحة".
وقالت الرئاسة اللبنانية، أمس الاثنين، إن "عون سلّم برّاك باسم الدولة اللبنانية مشروع المذكرة الشاملة لتطبيق ما تعهد به لبنان منذ إعلان 27 نوفمبر حتى البيان الوزاري للحكومة اللبنانية، مروراً خصوصاً بخطاب القسم،
وذلك حول الضرورة الملحة لإنقاذ لبنان، عبر بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بقواها الذاتية دون سواها، وحصر السلاح في قبضة القوى المسلحة اللبنانية وحدها، والتأكيد على مرجعية قرار الحرب والسلم لدى المؤسسات الدستورية اللبنانية".
وأضافت "كلّ ذلك، بالتزامن والتوازي مع صون السيادة اللبنانية على حدودها الدولية كافة، وإعادة الإعمار وإطلاق عملية النهوض الاقتصادي، بضمانة ورعاية من قبل أشقاء لبنان وأصدقائه في العالم، بما يحفظ سلامة وأمن وكرامة كل لبنان وجميع اللبنانيين".
حزب الله: لسنا بوضع ضعيف
من جهته، قال مصدر نيابي في حزب الله إنّ "مواقف الحزب تعلن من خلال كلام الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، وهناك ثقة بالدور الذي يقوم به رئيس البرلمان نبيه بري"،
مشدداً على أن "المقاومة ليست بوضع ضعيف، ولا يمكن للأميركي ومن خلفه الإسرائيلي أن يفرضوا شروطهم علينا". وشدد المصدر على وقف إسرائيل اعتداءاتها، وانسحابها من النقاط التي تحتلها وإطلاق الأسرى وبدء مسار إعادة الإعمار،
ومن ثم "البحث بالأمور الأخرى، التي هي شأن داخلي بحت"،
مؤكداً أنّ "موقف حزب الله واضح. هناك اتفاق دخل حيز التنفيذ في نوفمبر الماضي، التزم به الحزب، وخرقته إسرائيل، فماذا يضمن أن يكون الاتفاق الثاني بلا خروقات من جانب العدو؟ ولماذا الذهاب إلى اتفاق جديد؟ المطلوب وقف الاعتداءات الإسرائيلية".
برّاك: لم أجر محادثات مع حزب الله
وفي مقابلة مع تلفزيون لبنان، بثها ليل الاثنين-الثلاثاء، قال برّاك إن لقاءاته مع الرئيسين عون وسلام كانت بنّاءة ومدروسة ومفعمة بالأمل، "ونحن نحرز تقدماً"،
مؤكداً أن "لا مطلب لأميركا، إنما نية إزاء لبنان كصديق، لإرشاده إلى المستوى التالي من الملاءمة التي يستحقها"، مضيفاً "جئنا تلبية لطلب المساعدة وقدمنا اقتراحات سعياً إلى إيجاد السبيل إلى تفاهم بين كل هذه المكونات التي فشلت في التوصل إليه".
ولفت برّاك إلى أنه لم يجرِ أي محادثة مع حزب الله شخصياً، وأن "التصاريح التي يُدلي بها الحزب هي تصاريح خاصة به، وليست لدينا أي مصلحة في هذا الموضوع،
ولكن الحل واضح، ثمة معضلة مع مليشيا حزب الله، ولديكم إسرائيل التي كانت واضحة وصارمة للغاية في شأن توقعاتها، وفي شأن علاقتها مع حزب الله".
وعن استراتيجية "الجزرة والعصا"، قال: "هذه الاستراتيجية منطقية في أي عملية تفاوض، ونحن ننظر إلى المسألة بأن ثمة غياباً للثقة من جهة الحكومة اللبنانية، وغياباً للثقة من حزب الله، وأيضاً غياباً للثقة من إسرائيل.
وإذا كانت هذه الاتفاقية موضوعة قيد التنفيذ، لماذا لم تنجح؟ هذا سؤالي الأول للجميع، لو أتيت كطبيب لأقوم بتشخيص المرض، ما الذي قد حصل؟".
وتابع: "ما حصل هو أن أياً من الأفرقاء لم يثق بالآخر. كانت ثمة مجموعة من المطالب والشروط موضوعة من إسرائيل ومجموعة أخرى من الحكومة، وكانت ثمة توقعات لما سيحصل، ولم تحصل أي من هذه المسائل.
نتيجة لذلك ما زالت النزاعات مستمرة في الجنوب، وهذه المشكلة تفاقم كل الأمور العظيمة التي ثمة محاولة لإنجازها في موضوع الإصلاحات من قبل الحكومة. يجب أن يكون لبنان قلب المنطقة الاقتصادي والسياحي، ونقطة على السطر".
وأضاف برّاك "كما تعلمون في الولايات المتحدة يُنظر إلى حزب الله كمنظمة إرهابية أجنبية. ولكن ليس هذا هو الحال داخل لبنان،
وهذا يجب أن يكون موضع بحث لبنان معهم. وفي مرحلة ما، نُقنع الإسرائيليين بأن لدينا خطة أو بساطاً مزخرفاً ذا مغزى للجميع، للوصول إلى السلام.
وفي نهاية المطاف إلى الازدهار، لأن ما يحتاج إليه الشعب اللبناني هو السلام والازدهار وقد حان الوقت لذلك".
وعن التجديد لولاية جديدة لليونيفيل في أغسطس/آب المقبل والموقف الأميركي من هذه المسألة، قال برّاك: "هو ما زال قيد التنفيذ من أوجه كثيرة. ونحاول العبور للتوصية الصحيحة لما يجب القيام به في شأن قوات اليونيفيل".