Logo

هل تقوّض هجمات "إسرائيل" رهانات الخليج على سوريا؟

الرأي الثالث - وكالات

مرة أخرى، تطيش يد "إسرائيل" في إحدى العواصم العربية، إذ هاجم جيش الاحتلال العاصمة السورية دمشق، على حين غرّة، بحجة حماية الطائفة الدرزية في السويداء جنوب سوريا.

تصعيد فاجأ السوريين، والأمريكيين، وقبلهم حلفاء دمشق الخليجيين، الذين سارعوا لإدانة هذا الاعتداء الصارخ على السيادة السورية، باعتباره تجاوزاً للقانون الدولي.

الإصرار الإسرائيلي على تجاوز الخطوط الحمراء في سوريا يضع الولايات المتحدة الأمريكية والحلفاء الإقليميين أمام اختبار صعب، كما أنه يشكل خطراً على استراتيجية دول الخليج تجاه نظام الحكم الوليد في دمشق.

غضب خليجي

بعد ساعات من قصف طيران الاحتلال مقري وزارة الدفاع وهيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي في العاصمة السورية دمشق (16 يوليو)، توالت البيانات الخليجية لإدانة هذا الفعل باعتباره اعتداءً سافراً على سيادة سوريا، وانتهاكاً للقانون الدولي، وعبثاً بأمن واستقرار المنطقة.

دول الخليج طالبت، في بيانات منفصلة، المجتمع الدولي بالتدخل لردع سياسات "إسرائيل" العدوانية، وتصرفاتها غير المسؤولة، التي تشكل تهديداً خطيراً للأمن الإقليمي والدولي.
 
كما بدت دول الخليج منخرطة في جهود إقليمية ودولية أوسع لإنهاء أزمة المواجهة في السويداء، وإدانة التدخل الإسرائيلي هناك، وهذا ما تجلّى من خلال البيان الصادر بعد يوم واحد من القصف الإسرائيلي عن وزارات الخارجية بدول الخليج وخمس دول إقليمية أخرى.

البيان شديد اللهجة، رحب بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية لمعالجة أزمة السويداء، وأدان بشدة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا بصفتها خرقاً فاضحاً للقانون الدولي واعتداءً سافراً على سيادة البلاد.

وفي خضم الأزمة، كانت هناك اتصالات على أعلى مستوى بين القيادة السورية وعدد من قادة دول الخليج، وفي المقدمة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، اللذان أكدا تضامنهما المطلق مع سوريا، ورفضهما للعدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي السورية.

استراتيجية خليجية

الهجمات الإسرائيلية على سوريا أشعلت غضباً في المنطقة، ودفعت بعض الدول للتحرك لدى الإدارة الأمريكية واستخدام أوراقها للضغط على تل أبيب لإيقاف التصعيد، وهذا ما تحدث عنه موقع "أكسيوس" الذي أشار إلى أن السعودية وتركيا وجهتا رسائل غاضبة للبيت الأبيض بعد قصف دمشق.

وتبنت دول مجلس التعاون الخليجي موقفاً داعماً بشكل غير مسبوق لحكومة الرئيس السوري أحمد الشرع، ولم تتوقف اللقاءات والزيارات الرفيعة بين دمشق والعواصم الخليجية، واستُؤنفت الدبلوماسية على أعلى مستوياتها بين الجانبين.
 
كما بدأت الاستثمارات الخليجية بالتوافد، وعُقدت شراكات استثمارية لبناء مشاريع في مختلف القطاعات، في محاولة خليجية لإعادة تأهيل سوريا اقتصادياً، ومنحها فرصة للنهوض، باعتبار أن أمن واستقرار البلاد يمثل فرصة وحماية لأمن الخليج، خصوصاً بعد ما عانته من تدفق المخدرات والمخاطر الأمنية خلال حقبة الأسد.

وبذلت دول مثل السعودية وقطر جهوداً مكثفة لإزالة العقوبات عن سوريا، وتمكين الحكومة السورية الوليدة من استغلال موارد بلادها لإعادة الإعمار، والتنمية، وتحقيق الاستقرار، وقد توج الأمر بإعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رفع العقوبات، بعد تدخل مباشر من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.

تهديد مباشر

وثمة من يربط بين ما يحدث في سوريا، وبين أمن واستقرار الخليج، وهذا ما ذهب إليه رئيس وزراء قطر الأسبق، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر، الذي حذر من تبعات تقسيم سوريا على دول الخليج.

وقال، في تدوينة على منصة "إكس"، إن هناك تبعات ستنجم عن كل ما حصل في المنطقة مؤخراً، منها مخططات تقسيم بعض الدول مثل سوريا، مؤكداً أن دول الخليج ستكون أول من يلحق بها الضرر نتيجة تلك التبعات،

 مشدداً على ضرورة أن تتفق فيما بينها على رؤية واحدة وواضحة حيال هذه التطورات والتبعات.

كما ذكرت في تغريدة سابقة فإن من الواضح أن هناك تبعات ستنجم عن كل ما حصل في المنطقة مؤخرا. وهذه التبعات ستتم في عدة اتجاهات ومنها مخططات لتقسيم بعض الدول، مثل سوريا الشقيقة، أو فرض وضع يجعل هذه المنطقة تدفع أثمانا باهظة لسنوات طويلة قادمة.
 
سليمان العقيلي، المحلل السياسي السعودي، يرى أن "إسرائيل" لا تتصرف كدولة تبحث عن السلام، بل كقوة عدوانية تستثمر في الفوضى، وتراهن على التفوق والقوة الصلبة.

وأشار، في تدوينة على منصة "إكس"، إلى أنه متى ما شعرت "إسرائيل" بفراغ في الجغرافيا أو ضعف مادي، أو تشتت سياسي عربي، تندفع أكثر بلا رادع، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك توازن قوى واقعي لا يعرف المجاملة، ولا يراهن على النوايا.

🟥 هذا النمط من العدوان الجوي الإسرائيلي المتكرر على سوريا لا يستهدف مواقع عسكرية فحسب ، بل يسعى إلى توسيع المجال الحيوي الإسرائيلي عبر خلق فراغات استراتيجية تُدار من الجو وتُوجَّه بالضربات ، دون التزامات قانونية أو محاذير أخلاقية .
 
بدوره قال تركي القبلان، وهو محلل سياسي سعودي أيضاً، إنه إذا ما تحولت الغارات إلى ممارسة شبه دورية، فستدفع بالمنطقة نحو "نقطة حرجة" لا يمكن معها درء الشر بكتم الغيظ أو التعويل على التهدئة الدبلوماسية.

ويوضح أن "التفريط بسوريا لا يتعلق بالجغرافيا السورية، بل هو تفريط صريح بالأمن القومي العربي، لأنه يسمح لوكلاء العدو بالتغلغل تحت ستار الطائفة، ويزرع بذور الانهيار في قلب الأمة، ويحوّل الداخل العربي إلى ساحة مكشوفة أمام أدوات الهيمنة".

شرق أوسط جديد

ويبدو أن العدوان الإسرائيلي على سوريا، والتدخل عموماً في شؤونها من بوابة قضية المكوّن الدرزي، ليست فقط اعتداء على سيادة بلد عربي، بل هو محاولة واضحة لفرض نمط جيوسياسي في المنطقة، تحصل فيه "إسرائيل" على حق التصرف والتدخل بدون رادع، وفق الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، الدكتور لقاء مكي.

وأضاف مكي : "إسرائيل تسعى للحصول على حق توجيه ورسم القيادة أو الحكم في سوريا، فضلاً عن شكل الدولة السورية، وهذا النمط سعت أو تسعى إليه إسرائيل منذ 7 أكتوبر".

ولفت إلى أن "إسرائيل" تحدثت كثيراً عن الشرق الأوسط الجديد، وحتى نتنياهو تحدث عن ذلك، مضيفاً: "الشرق الأوسط الجديد المفتت منزوع السيادة لدوله، والضعيف، وربما المقسم أو المتحارب في حروب داخلية مختلفة".
 
اهتمام خليجي

وتحدث مكي عن أن دول الخليج، منذ سقوط نظام الأسد، اهتمت بسوريا بسبب أهميتها الجيوسياسية الكبيرة في المنطقة، ولشعورها الكبير بأن استقرار النظام السياسي هناك سيؤدي إلى تقوية الأمن القومي العربي، ومنه الخليجي.

وأضاف الدكتور لقاء مكي :

كان هناك دعم سعودي وقطري وإماراتي وكويتي، وطبعاً هذا الدعم واعد، لأنه ربما يتحول إلى استثمارات وتعاون اقتصادي، لا سيما بعد رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا.

الضربة والعدوان الإسرائيلي مستمر، ليس بالضرورة بقصف دمشق، ولكن بالتدخل في الشؤون الداخلية السورية، وإثارة الصراع الداخلي، هذا لا يمنع فقط الاستثمار، لكنه في الحقيقة يضع "إسرائيل" بمواجهة مباشرة مع الدول العربية، وحتى مع تركيا، باعتبارها دولة تحاول أن ترسي الاستقرار، وأن يكون لها وجود في سياقات الاستقرار في سوريا، وهي دولة داعمة للقيادة الجديدة.

الحقيقة أن الاعتداء الإسرائيلي المستمر هو نوع من محاولة إجبار دول الإقليم بشكل عام، على القبول بمنطق الاستحواذ الإسرائيلي. هذا ليس سهلاً بطبيعة الحال، وربما لا يتحقق بالنتيجة. هي محاولة، ليس بالضرورة أن تصبح حقيقة.