Logo

أول وفد يزور موسكو بعد الأسد.. سوريا تعيد ضبط علاقاتها مع روسيا

الرأي الثالث - وكالات

تشير زيارة وزيري الخارجية والدفاع السوريين إلى روسيا، أمس الخميس، إلى أن أفقاً فُتح أمام علاقات جديدة ومختلفة بين دمشق وموسكو.  تحاول دمشق الحصول على دعم روسي بالمجالات كافة، مقابل تأمين مصالح روسيا في شرقي المتوسط، لا سيما أن موسكو ما تزال تملك أوراق ضغط وتأثير في ملفات هي في صلب التحديات التي تواجهها الإدارة السورية الحالية.

وفي أول زيارة لمسؤول سوري رفيع منذ إسقاط بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تباحث وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، في قصر الضيافة بموسكو، حول العديد من القضايا التي تهم الجانبين. 

وفي مؤشر واضح على حرص استمرار العلاقة بين دمشق وموسكو وتطويرها، أعرب لافروف عن أمل بلاده في حضور الرئيس السوري أحمد الشرع القمة الروسية العربية الأولى المقررة في موسكو في 15 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. 

وتمنى لافروف أن يتجاوز الشعب السوري "التحديات"، مشيراً إلى تطلع بلاده لزيارة الشرع إلى روسيا. وأضاف أن بلاده "تأمل في عودة الوضع في سورية إلى طبيعته بالكامل". 

أما الشيباني فقال خلال الاجتماع إن "هناك بعض الحكومات التي تفسد العلاقة بين سورية الجديدة وروسيا ونحن هنا لنمثل سورية الجديدة، ونرغب في فتح علاقة سليمة وصحيحة بين بلدينا ونطمح أن تكون روسيا إلى جانبنا في مسارنا".

وخلال مؤتمر صحافي مشترك عقب المباحثات، أكد الوزيران الحرص على تطوير العلاقات بين دمشق وموسكو. وجه لافروف الشكر للسلطات السورية على ضمان أمن قاعدتين روسيتين في البلاد (القاعدة البحرية في طرطوس والقاعدة الجوية في حميميم)، 

مضيفاً أن موسكو مهتمة بـ"التعاون مع سورية"، وأن بلاده تدعم وحدة سورية وسيادتها، وتعارض أن تتحول "إلى ساحة للمنافسات الجيوسياسية للدول الكبرى". 

واعتبر أن الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية "تنتهك القانون الدولي ومن الضروري وقفها". كما أشار إلى أنه كان هناك "تنسيق معنا بشأن نشر قوات تابعة للأمم المتحدة للفصل في هضبة الجولان. وهو قرار يتم انتهاكه من قبل إسرائيل"، 

مشيراً إلى أنه "لا بد من تمديد قرار عمل هذه القوات". مع العلم أن الملف السوري كان حاضراً في اتصال هاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاثنين الماضي، 

إذ ذكر الكرملين أنه "نوقشت جوانب مختلفة من الوضع المتوتر في الشرق الأوسط. وأكد الجانب الروسي موقفه الثابت المؤيد لحل سلمي حصري للمشاكل والصراعات القائمة في المنطقة".

وأضاف الكرملين أن بوتين أكد خلال المكالمة على أهمية الحفاظ على سيادة سورية وتعزيز "الاستقرار السياسي الداخلي" فيها. 

من جهة ثانية، أعرب لافروف عن أمله في أن تكون الانتخابات المقبلة في سورية (برلمانية، بين 15 و20 سبتمبر/أيلول المقبل)، "شاملة لكل الطوائف"، 

مبدياً اهتمام بلاده بأن "يبقى الأكراد ضمن الدولة السورية ويحصلوا على كامل حقوقهم" في إشارة إلى الملفات بين دمشق وقوات سورية الديمقراطية (قسد)، شمال شرقي البلاد. 

وشدد لافروف على أن تسوية الأوضاع في سورية ستكون من خلال حماية حقوق المجتمع السوري متعدد الطوائف والقوميات.
 
أما الشيباني فقال إن بلاده تتطلع إلى "تعاون كامل وصادق في دعم العدالة الانتقالية في سورية"، مشيراً إلى أنه وجد التزاماً من روسيا برفض الاعتداءات المتكررة من إسرائيل على سورية "التي تعطل مسار إعادة الإعمار". 

واعتبر أن "موسكو يمكن أن تسهم في مسار التعافي في سورية والاستقرار الإقليمي ومصالح الشعب السوري". وكشف أنه جرى الاتفاق "على تشكيل لجنة وزارية سورية روسية مشتركة للنظر في الاتفاقيات السابقة" بين البلدين، 

مضيفاً: "لقينا انفتاحاً كبيراً من روسيا، ونعتقد أن العلاقة بين البلدين ستكون في سياق استراتيجي متميز في أقرب فرصة". 

وفي ما يتعلق بالأحداث الأخيرة في السويداء، اعتبر الشيباني في رد على أحد الأسئلة، أنه "ليس هناك خطة أو نية من الحكومة السورية لإبادة الدروز أو الهجوم على الدروز، فالدروز هم أهلنا، وهم موجودون في جميع أنحاء سورية"، 

مشدداً على أن "حمايتهم هي مسؤولية الدولة السورية".

 وقال "هناك استغلال لمسمى هذه الطائفة للتدخل في شؤون سورية من قبل إسرائيل خصوصاً، وهناك مجموعات مسلحة تنتمي إلى السويداء تريد أن تثبت أن الحكومة لا تستطيع ضبط الأمن". 

وتحدث عما سماه مشاكل في وجود السلاح خارج سيطرة الدولة، قائلاً إن الدولة لديها توجيهات واضحة بعدم الإساءة لأي مدني وحماية جميع طوائف الشعب السوري، والتدخل الإسرائيلي هو ما يعيق ذلك.

وفي مؤشر لافت في إطار العلاقات والزيارات بين دمشق وموسكو أوردت وكالة الأنباء السورية (سانا) أمس، أن وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة وصل إلى موسكو في زيارة رسمية، و"يلتقي نظيره الروسي أندريه بيلوسوف لبحث العديد من القضايا المشتركة". 

من جهتها ذكرت وزارة الدفاع الروسية، في بيان على منصة تليغرام، أن بيلوسوف عقد لقاء مع أبو قصرة "تناول آفاق التعاون بين وزارتي الدفاع والوضع في الشرق الأوسط". 

وأرفقت الوزارة إلى البيان صوراً تظهر جانباً من محادثات بيلوسوف مع أبو قصرة وإلى جواره الشيباني بمقر وزارة الدفاع الروسية. 

ولا يستبعد أن تحمل زيارة أبو قصرة طلباً إلى الجانب الروسي بتقديم أسلحة للجيش السوري الذي يعتمد على السلاح الروسي منذ ستينيات القرن الماضي.

 كما تؤكد زيارة الشيباني وأبو قصرة أن دمشق وموسكو بصدد التأسيس لعلاقة جديدة ومختلفة، يبدو الهدف منها بالنسبة للجانب السوري تحقيق توازن في العلاقات الخارجية ما بين الغرب والشرق. 

علاقة لم تنقطع بين دمشق وموسكو

لم تنقطع العلاقة بين دمشق وموسكو بعد إسقاط نظام الأسد، فالإدارة التي تسلمت البلاد، أبدت انفتاحاً على علاقات وفق تفاهمات مختلفة مع الجانب الروسي، تعزز الاستقرار، لا سيما أن موسكو التي كانت أبرز الداعمين لنظام الأسد، لديها أدوات ضغط وأوراق نفوذ في ملفات محلية سورية وإقليمية.

 وبعد سقوط الأسد مباشرة أبدت الإدارة السورية تعاوناً مع الجانب الروسي لجهة تأمين انسحاب نقاط مراقبة كانت منتشرة في العديد من المناطق السورية إلى قاعدة حميميم، أكبر القواعد الروسية في شرقي المتوسط التي لم تتعرض لأي مضايقات أو تهديد مباشر من العهد الجديد، في مؤشر واضح على رغبته باستمرار العلاقة مع موسكو وتطويرها. 

من جانبها أبدت موسكو الرغبة نفسها، والتي انعكست بزيارة ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي دمشق مطلع العام الحالي، حين أجرى مباحثات مع الرئيس السوري تركزت حينها على وضع القاعدتين الروسيتين في اللاذقية (حميميم) وطرطوس. 

وجرى في فبراير/ شباط الماضي، أول اتصال هاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والشرع، وصفها بيان للكرملين (الرئاسة الروسية) حينها بأنها كانت "بناءة". 

وبحسب البيان، أكد بوتين عزمه تقديم المساعدة لتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سورية، بما في ذلك توفير المساعدات الإنسانية. 

كما بحث الرئيسان يومها التعاون في مجالات التجارة والاقتصاد والتعليم. وكان بشار الأسد وعائلته، وعدد كبير من أركان حكمه البائد لجأوا إلى روسيا التي رفضت تسليمهم إلى الجانب السوري وفق ما أكد الشرع في مقابلة صحافية في إبريل/ نيسان الماضي. 

وتعزو موسكو موقفها إلى أن التسليم يخالف شروط اللجوء الإنساني الذي حصلت عليه عائلة الأسد بناء على أوامر مباشرة من بوتين. 

لكن دمشق كما يبدو لم تربط استمرار العلاقات مع الجانب الروسي بهذا الملف، سيما وأن سورية اليوم بحاجة الى دعم سياسي وعسكري واقتصادي من الجانب الروسي ربما لا يتحقق في حال الإصرار على تسلّم الأسد وأركان نظامه.