Logo

مأرب على خطى الحوثيين... تضييق يطاول الصحافيين

 لم تعد حملات الاعتقال ومداهمات القوة لزوار الفجر حصراً على الحوثيين في اليمن، إذ إن محافظة مأرب بسلطتها التابعة للحكومة الشرعية تشن بين حين وآخر حملات مماثلة لأسباب تتعلق بالضيق ذرعاً بالحريات الصحافية وأصحاب الرأي.

وصباح السبت الماضي، اقتحمت قوة مسلحة تتبع سلطة محافظة مأرب (شرق البلاد) اقتحام منزل الإعلامي حمود هزاع في مخيم الجفينة، على خلفية كتاباته الناقدة لانتهاكات السلطات بالمحافظة التي لجأ إليها بعدما فر من قمع مماثل تمارسه سلطات الحوثيين في المناطق التي يسيطرون عليها بما فيها العاصمة صنعاء.
 
كسر الباب وترويع الأطفال

وقبيل اعتقاله، كتب هزاع على حسابه بموقع "فيسبوك" أن "قوة أمنية من المنطقة الأمنية الرابعة أقدمت على اقتحام المنزل بعد كسر بوابته وترويع الأسرة والأطفال". وقال في منشور آخر، "أنا صحافي، وإذا يوجد ضدي أي بلاغ يرجى التقدم بشكوى إلى النيابة، وكل ما أتمناه التعامل وفق القانون".

ووفقاً لمصادر حقوقية، فإن القوة المسلحة كسرت الباب واقتحمت المنزل ترافقها شرطة نسائية باشرت بتفتيش المسكن بالكامل، وصادرت هاتف الصحافي وهاتف زوجته وجهاز طفله اللوحي، وسط تنديد صحافي وحقوقي واسع.

وحمل رئيس لجنة الحقوق والحريات في نقابة الصحافيين اليمنيين نبيل الأسيدي، "سلطات مأرب المسؤولية الكاملة عن سلامة الصحافي حمود هزاع".

وقال في حديث إلى  "اندبندنت عربية"، إن "النقابة لم تحصل من السلطات الأمنية على معلومات عن مصير هزاع وترفض التعاون بأي إجابة للاستفسارات عنه".
 
سباق مع الحوثي

وأضاف الأسيدي "يبدو أن هناك سلطات أمنية خفية في مأرب هي من تقوم بتلك الانتهاكات والاعتقالات، ولكن السلطة السياسية والجهات الأمنية المسيطرة على الأرض في مأرب هي من تتحمل كامل المسؤولية عن انتهاكات الحريات الصحافية التي تعد سلطاتها جزءاً لا يتجزأ من الانتهاكات، 

لأن هناك سلطة منفلتة تقوم بالاعتداء على الصحافيين بين فترة وأخرى، وكل من يبدي مجرد انتقاد تتم محاكمته أو إحالته لأسباب مجهولة".

عن الدور القانوني للنقابة يضيف "نشعر بالخطر والخشية الشديدة من المزيد من الانتهاكات في ظل استمرار السلطات الأمنية والسياسية في مأرب بشن مزيد من الانتهاكات في حق حرية الصحافة؛

 لأن هذا سلوك ميليشيات لا سلوك دولة، وكأنها تنافس السلوك القمعي الذي تنتهجه ميليشيات الحوثي من قمع الحريات الصحافية ومحاولات تكميم الأفواه مع فارق عدد الانتهاكات فقط".

صحافي في النيابة العسكرية

ومحاولة لمعرفة مصير الصحافي هزاع لم نتمكن من التواصل مع الجهات الأمنية في مأرب، فيما يقول الصحافي علي أحمد إنه وعدداً من الصحافيين "نفذوا زيارة للنيابة لمعرفة مصير زميلهم والمطالبة بإطلاق سراحه". 

وأكد أن "النيابة العامة قالت لنا إنها وجهت بالقبض القهري عليه، وأحالته إلى النيابة العسكرية باعتباره ضابطاً عسكرياً لا صحافياً".

ولم يتسنَ معرفة التفاصيل عن اتهام النيابة للصحافي هزاع بالعمل في السلك العسكري التابع للحكومة الشرعية، 

إلا أن الحادثة وما قبلها من حوادث القمع الفكري تثير التساؤلات عن حال الحريات الصحافية في مأرب، والصوت السائد ظل حق تعدد الانتماءات الفكرية حيث تبرز التيارات السياسية المرتبطة بالكيان السياسي الذي يسيطر على المحافظة، 

خصوصاً وأن حادثة الاعتقال هذه لم تكن الأولى من نوعها في مأرب التي تعد أهم عناوين الحكم في الشرعية، إذ سبقتها حالات عدة طاولت صحافيين وناشطين لأسباب سياسية تتعلق بالنشر ونقد سلوك نهج السلطات العسكرية والأمنية في المحافظة النفطية.

يأتي ذلك في حين توجه اتهامات للسلطات السياسية في المحافظة بممارسة انتهاكات متعددة الأوجه في حق المخالفين والمنتقدين للون السياسي البارز ممثلاً بحزب الإصلاح (فرع الإخوان المسلمين) الذي يحكم قبضته على جميع مفاصل المحافظة

 بعدما تداعت قواه التاريخية مدنية وعسكرية ودعوية لاتخاذها منطقة بديلة عن العاصمة صنعاء والمناطق التي نشأ فيها ومركزاً لانطلاق مشروعه السياسي رغم حال النقد الجماهيري لتجاربه التي برزت علناً عقب ما سمي "ثورات الربيع العربي" 2011.
 
تنديد نقابي

وفيما سارع قطاع الصحافيين في اليمن بالتضامن مع هزاع تسابقت شخصيات وحسابات موالية لسلطة مأرب إلى نشر حملات مضادة تتهم الصحافي بـ"الخيانة وتشويه السلطة والمؤسسة العسكرية وتنفيذ أجندات تآمرية ضد الدولة في مأرب وغيرها"، 

وهو ما عده مراقبون محاولة للرد على حملات التضامن الواسعة في مواقع التواصل الاجتماعي التي انتقدت هذا السلوك، وأسقطوها في مقارنات على سلوك ميليشيات الحوثي التي تعتقل المختلف.

وأصدرت نقابة الصحافيين اليمنيين بياناً نددت فيه بما تعرض له هزاع من اعتقال تعسفي وتفتيش منزله ومصادرة أغراضه في مأرب، وطالبت بسرعة إطلاق سراحه. 

وقالت إن "حمود هزاع كان كتب على صفحته في فيسبوك عن هذا الاقتحام فور وقوعه"، مطالباً "بتفعيل القانون في الطرق المتبعة مع شخص صحافي مدني أعزل".

وأضافت أن "نقابة الصحافيين اليمنيين وهي تدين هذه الواقعة تطالب محافظ المحافظة (سلطان العرادة) بالتدخل وتوجيه السلطات الأمنية بالكشف عن مكان اعتقاله، وسرعة إطلاق سراحه، وعدم التعامل بعدائية مع أصحاب الرأي والتعبير".

وفيما حملت النقابة الجهات الأمنية كامل المسؤولية عما حدث كشفت عن أن "هزاع سبق وتقدم بشكوى للنقابة من تهديدات وتحريض ضده من قبل ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية ما يكتب عبر صفحته في فيسبوك". 

معربة "عن استهجانها لتورط من يقدمون أنفسهم كناشطين وصحافيين في التحريض على الصحافيين ومساندة قمع حرية الرأي والتعبير".

وجددت "مطالبتها بتوفير بيئة آمنة للعمل الصحافي واحترام حرية الرأي والتعبير وعدم الضيق بالآخر، أو استخدام القوة لمواجهة أصحاب الرأي".

سبقتها حالات

ولم تكن عملية الاعتقال هذه هي الأولى بل سبقتها حالات لصحافيين وناشطين. وفي مايو (أيار) الماضي اعتقلت السلطات الأمنية بمأرب الصحافي عبدالرحمن الحميدي قبل أن تطلق سراحه تحت الضغط الإعلامي. 

وبحسب الحميدي فإنه "تعرض للتعامل القاسي والاقتياد إلى مكتب مدير المنطقة الأمنية وتم استجوابه من قبله ووجهت له التهم بالإخلال بالأمن القومي وخدمة ميليشيات الحوثي وطلب منه حذف منشوره عنوة وحبسه لساعات قبل إطلاق سراحه بضمانة حضورية".

وسبق ووثقت نقابة الصحافيين نحو 101 حالة انتهاك طاولت حرية الصحافة خلال العام الماضي تنوعت بين 27 حالة حجز للحرية بنسبة 26.7 في المئة من إجمال الانتهاكات، و23 حالة تهديد وتحريض على صحافيين بنسبة 22.8 في المئة،

 و19 حالة محاكمات بنسبة 18.8 في المئة، و11 حالة اعتداء على صحافيين وممتلكاتهم ومقار إعلامية بنسبة 10.9 في المئة، وسبع حالات منع ومصادرة للمقتنيات الخاصة بالمصورين والصحافيين بنسبة 6.9 في المئة.

توفيق الشنواح 
صحافي يمني