مفاوضات سورية إسرائيلية: الاحتلال يسعى لفرض ترتيبات أمنية في الجنوب
الرأي الثالث - وكالات
أثارت تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع أمام وفد إعلامي عربي، التقاه يوم الأحد الماضي في دمشق، حول وجود مفاوضات بين سورية وإسرائيل قطعت شوطاً متقدماً بشأن اتفاق أمني بينهما، تساؤلات حول حدود هذا الاتفاق المحتمل، وهل يرتقي إلى "اتفاق سلام" دائم، وما إذا كانت الحكومة الحالية مخولة عقد مثل هذه الاتفاقيات،
في وقت يواصل الاحتلال انتهاكاته وتوغلاته داخل الأراضي السورية، وآخرها ما جرى في اليومين الماضيين.
وتوغلت قوة إسرائيلية، أمس الاثنين، في بلدة بيت جن في ريف دمشق، والتي تبعد نحو 50 كيلومتراً عن مركز العاصمة السورية.
وقال الناشط الإعلامي في الجنوب السوري يوسف المصلح، إن قوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي سيطرت على تل باط الوردة في جبل الشيخ، وواصلت تقدمها نحو بلدة بيت جن التابعة إدارياً لريف دمشق الجنوبي الغربي، وانتشرت قواتها في البلدة، وأطلقت النار في الهواء.
وأضاف أن القوات الإسرائيلية توغلت أيضاً مساء أول من أمس الأحد في بلدة الرفيد بريف القنيطرة، وأقامت حاجزاً على المدخل الشرقي للبلدة. في غضون ذلك، انسحبت قوة إسرائيلية من بلدة بريقة بريف القنيطرة، ومن المفرزة الأمنية فيها، والتي دخلت إليها لقرابة ساعتين الأحد الماضي.
كما أجرت قوات الاحتلال عمليات تفتيش في قرية عين العبد بريف القنيطرة.
وقال جيش الاحتلال في بيان الأحد الماضي، إن "قوات من لواء غولان 474 بقيادة الفرقة 210، نفذت الأسبوع الماضي، عدة مداهمات لضبط أسلحة واعتقال مشتبه بهم والتحقيق معهم في المنطقة الجنوبية من سورية"،
زاعماً أنّ "القوات عثرت على عدة مستودعات أسلحة قبل مصادرتها، تتضمن صواريخ "آر بي جي"، وعبوات ناسفة، وأسلحة كلاشنيكوف، بعد عمليات تفتيش متزامنة لأهداف متعددة".
ودانت وزارة الخارجية السورية، في بيان أمس الاثنين، "التوغل العسكري الذي نفذته قوات الاحتلال في منطقة بيت جن في ريف دمشق، والذي تم عبر قوة مؤلفة من 11 آلية عسكرية ونحو 60 جندياً، والسيطرة على تل باط الوردة في سفح جبل الشيخ، في انتهاك سافر لسيادة الجمهورية العربية السورية، ووحدة أراضيها".
واعتبرت أن "هذا التصعيد الخطير يعد تهديداً مباشراً للأمن والسلم الإقليميين، ويجسد مجدداً النهج العدواني الذي تنتهجه سلطات الاحتلال، في تحد صارخ لأحكام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، لا سيما تلك المتعلقة باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".
وأضاف البيان: "إذ تؤكد وزارة الخارجية والمغتربين أن استمرار مثل هذه الانتهاكات يقوض جهود الاستقرار ويفاقم من حالة التوتر في المنطقة، فإنها تجدد دعوتها إلى منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لتحمل مسؤوليتهم القانونية والأخلاقية، واتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة لردع سلطات الاحتلال عن ممارستها العدوانية، وضمان مساءلتها وفقاً لأحكام القانون الدولي بما يكفل صون سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها".
وجاءت مواقف الشرع في وقت يستعد للسفر إلى نيويورك في سبتمبر/أيلول المقبل، لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية السورية لوكالة فرانس برس إن الشرع "سيشارك في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك حيث سيلقي خطاباً".
وأضاف: "سيكون أول رئيس سوري يتحدث في الأمم المتحدة منذ الرئيس الأسبق نور الدين الأتاسي (عام 1967) وأول رئيس سوري يشارك في اجتماعات الجمعية العامة" المقرر عقدها بين 22 و30 سبتمبر المقبل.
وفي كلامه أمام وفد إعلامي عربي مساء الأحد الماضي، قال الشرع إن أي اتفاق أمني سيتم الوصول إليه مع إسرائيل، سيكون على أساس خط الهدنة عام 1974.
ونقل رئيس تحرير قناة "سكاي نيوز عربية" نديم قطيش، الذي حضر اللقاء، عن الشرع قوله إن المفاوضات في مرحلة متقدمة من الوصول إلى اتفاق أمني مع إسرائيل، وإن فرص إتمام هذا الاتفاق أكبر من فرص عدم الوصول إليه،
مشيراً إلى أنه إن حدث هذا الأمر فسيكون على قاعدة خط الهدنة لعام 1974، بما يحفظ سيادة سورية ويفتح المجال لإجراءات بناء الثقة وربما الوصول إلى اتفاق سلام.
ولفت إلى أن الرئيس السوري لا يرى الظروف الحالية سانحة لعقد اتفاق سلام مع إسرائيل، لكنه أكد أنه لو رأى أن اتفاق سلام سيخدم سورية والإقليم، فلن يتردد في عقده وسيكون ذلك على الملأ، فيما لم يصدر أي نفي من الرئاسة السورية.
وتزامن حديث الشرع مع وصول المبعوث الأميركي إلى سورية توم برّاك، إلى القدس المحتلة الأحد الماضي، حيث عقد اجتماعاً مع رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تناول الملفين السوري واللبناني.
ونقل موقع "أكسيوس" الأميركي عن مصادر إسرائيلية وأميركية قولها إن برّاك بحث مع نتنياهو وقف الهجمات على لبنان والمفاوضات بين سورية وإسرائيل.
كما التقى أيضاً، وزير الخارجية جدعون ساعر، ووزير الأمن يسرائيل كاتس، ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، الذي كان اجتمع مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في باريس في 19 الشهر الحالي بحضور برّاك، بهدف بحث سبل خفض التصعيد وتعزيز الاستقرار في الجنوب السوري، وإمكانية التوصل إلى ترتيبات أمنية بين الجانبين.
وشمل النقاش وفق وكالة "سانا" السورية الرسمية إعادة تفعيل اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، الموقع بين الجانبين برعاية الأمم المتحدة، والذي ينص على الالتزام بوقف إطلاق النار والحفاظ على خطوط التماس دون تغيير.
اتفاق فك الاشتباك بين سورية وإسرائيل
ووقّعت سورية وإسرائيل اتفاق فك الاشتباك عقب حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، بهدف الفصل بين القوات المتحاربة.
وتضمن الاتفاق وقتها ترتيبات لفصل القوات، وحدد خطين رئيسيين عُرفا بـ"ألفا" و"برافو"، يفصلان بين المواقع العسكرية السورية والإسرائيلية.
كما أنشئت منطقة عازلة بين الخطين، تخضع لإشراف قوة من الأمم المتحدة تعرف بـ"أندوف"، ويبلغ طولها نحو 80 كيلومتراً من الشمال حيث الحدود اللبنانية إلى الجنوب قرب بحيرة طبريا، ويتراوح عمقها بين 500 متر و10 كيلومترات،
حيث يمنع على الجانبين إدخال أسلحة إلى هذه المنطقة التي تكون تحت إشراف قوات الأمم المتحدة. وفي الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت إسرائيل إلغاء الاتفاق من جانب واحد،
وقررت احتلال منطقة جبل الشيخ الحدودية السورية المحاذية للجولان المحتل، ومجمل المنطقة العازلة بحجة المخاطر الأمنية الناجمة عن تبدل الحكم في سورية.
وأقام جيش الاحتلال نحو 11 نقطة عسكرية ثابتة ضمن المنطقة العازلة من الشمال إلى الجنوب، لكنه توسع أيضاً خارج المنطقة العازلة في عمق الأراضي السورية، عبر توغلات شبه يومية في محافظتي القنيطرة ودرعا، وصلت أحياناً إلى بعد 20 كيلومتراً من العاصمة دمشق.
وقال العميد المتقاعد عبدالله الأسعد، إن إسرائيل تسابق الزمن لفرض أمر واقع جديد في محافظة القنيطرة، سواء في المناطق القريبة من المنطقة العازلة أم في القطاع الشمالي، وذلك في إطار سعيها لفرض حقائق على الأرض تستخدمها كورقة تفاوضية مع الجانب السوري ضمن المفاوضات التي يجري الحديث عنها اليوم.
ورأى الأسعد أن الجانب الإسرائيلي يقدم مطالب صعبة للجانب السوري بشأن الترتيبات الأمنية التي تريد إسرائيل أن تتجاوز اتفاقية 1974 والترتيبات الأمنية الواردة فيها، والتي تحدد حجم القوات والمحاور التي تنتشر فيها وتسليحها ونوعيتها.
وأوضح أن إسرائيل تعمل على تعديل تلك الاتفاقية عبر إجراءات أحادية من طرفها، وتريد تثبيتها في الاتفاق الذي يجري التفاوض عليه حالياً مع الجانب السوري.
ولفت إلى استغلال إسرائيل أحداث السويداء الأخيرة من أجل تحقيق هذه الأهداف ومنع الجيش السوري من التقدم جنوباً، معتبراً أن المعركة التفاوضية الحالية مع إسرائيل أصعب من المعارك الحربية.
ورأى بعض المراقبين أن الحديث عن اعتماد اتفاقية فك الاشتباك قاعدة للمفاوضات ربما يكون "شكلياً"، حيث يفضل الجانب السوري الإبقاء على هذا الاتفاق كأساس للترتيبات الأمنية بين الجانبين،
ولكن قد يكون مستعداً لقبول "تعديلات" عليه، وإن كان من غير المعروف حتى الآن حجم هذه التعديلات.
واستبعد الباحث محمد إبراهيم، أن تعود إسرائيل في الوقت الحالي إلى الحدود التي تحددها اتفاقية فك الاشتباك بعدما أعلنت مراراً أنها باقية في المناطق التي احتلتها خلال الشهور الأخيرة إلى حين التوصل لاتفاق جديد مع دمشق.
وأضاف أن كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم نتنياهو، أعلنوا أكثر من مرة أنهم لن يسمحوا للحكومة السورية بنشر قوات جنوبي دمشق،
معتبرين أن كل المنطقة التي تفصل العاصمة عن الحدود مع الجولان المحتل يجب أن تكون منزوعة السلاح، ما يعني توسيع المنطقة العازلة من 10 كيلومترات في حدها الأقصى كما كان عليه الحال بموجب اتفاق 1974 إلى نحو 70 كيلومتراً من جهة السويداء ودرعا ونحو 40 كيلومتراً من جهة القنيطرة.
وتوقع إبراهيم أن تستغرق قضية الترتيبات الأمنية وقتاً أطول مما يشاع عن إمكانية توقيع اتفاق الشهر المقبل على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن تحتاج إلى تدخل فعال من الجانب الأميركي، لأن الحكومة الإسرائيلية تعتقد أنها في موقف قوي يمكنها فرض شروطها على الجانب السوري، لكن هذه الشروط قد يصعب على الحكومة السورية القبول بها.
ورأى أن تركيز الجانب السوري قد يكون خلال هذه المرحلة على وقف الاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية لما تسببه من حرج للحكومة في دمشق، وتظهرها بمظهر الضعف، وغير القادرة على الدفاع عن أراضيها.
أما احتلال إسرائيل بعض المناطق الحدودية فهو عملية "غير مرئية" لعامة الناس، ويمكن التفاهم عليها خلال مدة أطول.
كما لفت إلى أن الحكومة السورية الحالية قد لا تمتلك صلاحيات دستورية كافية لتوقيع اتفاقيات خارجية ذات طابع استراتيجي، لأن صلاحياتها انتقالية تقتصر على تسيير الأمور إلى حين إجراء انتخابات، وتشكيل حكومة ناجمة عن هذه الانتخابات، يكون من صلاحيتها توقيع مثل هذه الاتفاقيات.
التعديلات المقترحة
ورأى الصحافي السوري أحمد المسالمة أن التعديلات على اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 قد تشمل توسيع المنطقة العازلة، وزيادة عمق المنطقة منزوعة السلاح في الجانب السوري، بما يضمن لإسرائيل مسافة أمان أكبر،
إضافة إلى توسيع صلاحيات قوات "أندوف" التابعة للأمم المتحدة ومنحها تفويضاً أوسع للمراقبة (طائرات مسيّرة، أدوات مراقبة إلكترونية، تقارير علنية أكثر شفافية).
كما يمكن أن يتضمن التعديل ضبط حركة القوات السورية، وتحديد سقف لحجم ونوعية القوات السورية المسموح انتشارها قرب خط وقف إطلاق النار، مع تشديد القيود على الصواريخ والطائرات المسيّرة.
ورأى المسالمة أن إسرائيل قد تطالب الجانب السوري أيضاً بالتزامات مكتوبة بعدم السماح بوجود أو نشاط لقوات أجنبية (إيران، حزب الله، أو غيرها) جنوب دمشق وحتى حدود السويداء ــ درعا،
إضافة إلى بروتوكول ملحق لمكافحة التهريب عبر الحدود، خصوصاً مع تحوّل الجنوب السوري إلى ممر للمخدرات والأسلحة، واعتماد تكنولوجيا مراقبة حديثة (كاميرات، رادارات، أقمار اصطناعية) بإشراف أممي أو مشترك.
وبشأن مدى القبول السوري بهذه المطالب، قال المسالمة إن الجانب السوري سوف يتمسك بعدم المساس بالسيادة على الجولان المحتل، ولن يقبل بأي بند يُلمّح إلى اعتراف بسيطرة إسرائيل أو تعديل الوضع القانوني للجولان،
مع التركيز على الأمن دون السياسة، أي أن التعديلات ستظل تقنية وأمنية، لا سياسية، بحيث يُقدَّم الاتفاق للرأي العام كترتيب ميداني لا كتنازل.
كما أن دمشق تربط، وفق المسالمة، موافقتها على التعديلات بالحصول على دعم اقتصادي أو تسهيلات في ملف العقوبات وإعادة الإعمار.
وحول تأثير الاتفاق على الوضع في السويداء، رأى المسالمة أن مثل هذا الاتفاق قد يمنح مساحة للدولة السورية لالتقاط الأنفاس داخلياً، لكنه في الوقت ذاته يضعها تحت ضغط "الشرعية الوطنية" أمام شعب حساس جداً تجاه مسألة الأرض والسيادة.
واعتبر أن الاتفاق قد يكون ضرورة خارجية، لكنه ليس ضمانة داخلية، مشيراً إلى أن القدرة على مواجهة تحديات السويداء وغيرها ستعتمد على العقد الاجتماعي الجديد داخل سورية، أكثر مما تعتمد على تفاهم مع إسرائيل.
وأضاف أنه "إذا نجحت دمشق في تثبيت تفاهم أمني مع إسرائيل، فإن ذلك يخفف الضغوط العسكرية والحدودية، ما يمنحها هامشاً أكبر للتركيز على الداخل.
هذا يعني قدرة أكبر على معالجة ملفات مثل السلاح غير المنضبط، الاقتصاد الموازي، والفوضى الأمنية في السويداء"،
إضافة إلى أن "إضعاف ورقة الحماية الخارجية، وتراجع التوتر مع إسرائيل، قد يضعفان الخطاب المحلي الذي يبرّر رفع أعلام إسرائيل والتلويح بالاستقواء بها. وهنا تكسب الدولة نقطة رمزية في مواجهة سرديات الحماية الأجنبية".